أسئلة سخنة من الامين العام للموتمر الشعبي لحمدوك …هل عدتم بجديد في العدل والعدالة ؟ وعلى مدى عامين “حصرياً” كم من الأنفس قُتِلَت؟ وبأي ذنبٍ قُتلت، ومن القاتِلُ؟
بين يَدي السَّيد/ رئيس مجلس الوزراء الانتقاليّ
(د/عبد الله حَمْدُوك)
تحيةً طيبةً مباركةً وحمداً لله على السّلامة
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ النساء الآية: 135.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة الآية: ۸
حيثيات:-
تعلمون أن البلاد أضحت تعيش في انتقالٍ مضطّربٍ منذ سقوط النظام البائد.
ورغم نداءاتنا المنفردة تارةً والمتضامنة مع الآخرين تارةً أخرى، والمُعلنة حيناً وغير المُعلنة أحياناً للخروج من تلك الأزمات بالتّوافق السّياسي الشّامل إلّا أنها لم تجد أذنـاً صاغية إلى أن وَقعت ما سُمِّيَ بالمحاولة الانقلابية الفاشلة (بزعمِهم) في 21 سبتمبر 2021م وما تَلاها من تداعياتٍ وملاسناتٍ ومشاكساتٍ بين الشركاء. بعمُومِها كشفت جزءاً كبيراً من الخلل المستور والشكوك بين مكونات الحكم.
بلغت ذروتها بالانقلاب الذي أعلنه قائدُ الجَّيش في 25/10/2021م وما تبعها من اجراءات أهمها إعلان حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد وإعفاء القيادة الحكوميّة المدنيّة المشاركة (الشُّركاء) وعلى رأسِها رئيسُ الوُزراء بل واعتقاله واعتقال الوزراء، واتسعت دائرةُ الاعتقالاتِ لتشْمل بعض قيادات “قُحت” وربما غيرهم.
بالطّبع هذه الاجراءات أدّت إلى حِراكٍ شعبيٍ واسعٍ رفضاً للقرار داخلياً وخارجياً ولا غَرابة أنْ كنّا أول الرافضين للانقلاب والرافضين للاعتقالات بلْ والمُطالِبينَ بإطلاق سَراح رئيس الوُزراء وقيادات “قُحت” التي شَمَلَها الاجْراء.
هذا الموقفُ ليسَ دفاعاً عن “قُحت” ولا عن الوثيقة الدّستورية وإنما رفضاً للانقلاباتِ العسكريّة من حيثُ المبدأ (لا كَحَلٍّ ولا كَوَسِيْلَةٍ لأيّ هدف)، وهذا أيضاً ليس رفضاً للمؤسّسة العسكَريّة ولا قدحاً فيها.
ولكن دعنا نتجرّد قليلاً:-
إذا كانت المؤسّسة العسكرية بكلِّ تاريخها الحيادِيّ قد قبلت طوعاً واختياراً أن توقِّع على الوثيقة الدّستورية “بعُيوبِها” بل وأعْطَتْها الشّرعية رُغم كل المحاذير، فعليها الالتزام بالعهد والميثاق.
وكانَ حرياً بالمؤسّسة العسكريّة – إيفاءً بالعهودِ- إن أرادت الخُروج أو فضّ الشّراكة أن “تَنْبِذ إليْهِم على سَواء” فرُبَما كان ذلك أقوم وأرشد وأرحم.
ونحن نأسفُ على ما أصابَ المؤسّسة العسكرية من ضررٍ جراءَ هذه الشّراكة وما أصابَ القُوى المدنيّة المشارِكة من ضررٍ أيضاً، ولكن كلّ تلك الأضرار تتضاءل وتتلاشى إزاءَ مُصاب البِلاد والعِباد، ويا حسرة على العباد. ولكن لمن تُدَقُّ الأجراس؟ ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ الأنعام الآية: 36
نحن نقدّر أن كثيراً من الذين وقفُوا مع الانقلاب ربما كانَ دافعُهم “الانتقام” من “قُحت” لِمَا أصابهم من ضُرٍ وظُلمٍ وعُدوانٍ وبغيٍ وتشهيرٍ (وهم مُحِقُّون) ﴿لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً﴾ النساء الآية: 148.
ولكن الأمر أمر التزام بالعهود والمواثيق. أما إن كـان الأمرُ أمرَ انتقامٍ وانتهازيةٍ ومصلحةٍ ذاتية لكنّا أوَّل “المؤيّدين” للانقلاب. ونعوذ بالله أن يكون هذا تزكية للنفس ولكنَّها تذكرة وتبْصِرة ومُحاولة لإحياء قيم الوفاء بالعُهود والمواثيق ومعذرةً إلى ربِّكم ولعلَّهم يتَّقُون ﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلْأَيْمَٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ النحل الآية: 91.
السيد/ رئيس مجلس الوزراء الانتقالي:
(التَّمادِي فِي نَقْض العُهُود) وعدم الالتزام بالعهود والمواثيق من قِبَل القُوى السّياسية السودانية كلّف السودان ثمناً باهظاً، ولا نودُّ لتلك الظاهرة أن تتكرَّر ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ البقرة:141. فنحن كقوى سياسية في الساحة عليـنا الوفاء بالعهود والمواثيق، وأن نجنح جميعاً (نحن وسوانا) للمضي بهذه الفترة لغاياتها دون نقض لعهد وميثاق والتزام، وإلا فلا معنى للكتابة إليكم.
ثم دعنا نتجرد مرة أخرى:-
في وقتٍ مبكرٍ وعملاً بحريّة الرأي والتعبير عبّرنا عن رأينا في الوثيـقة الدستورية وفي الحاضنة السّياسية “قُحت” وفي الشَّراكة “المزعُومة” بينها والمؤسّسة العسكريّة، فماذا جرى بعد ذلك؟ أترك الاجابة إليكم.
ولكن أستأذنكم في اقتباس بعض ما تفضلتم به وأنتم تتحدُّثون عمّا تعرَّضتم له من إهانةٍ وإذلالٍ ……. إلخ، وأنتم رهن الاعتقال. وقد تألّمنا كثيراً لما وقع عليكم وزملائكُم، فما بالَكم بمن أمضوا أكثرَ من عامين رهن الاعتقال، بل بمن وافته المنيّة وهو “معتقل”، أقول اعتقالاً وقد سُمِّيَتْ “مَجازاً” بالمَحكمة وهيَ شبيهةٌ بمحاكم نورمبرغ التي أقامها الحلفاء المنتصرون، فعدالتُهم هي “عدالة القوَّة” وليست قوّة العدالة، أو”عدالة المنتصر” لا إنتصار العدالة، وهي عدالة الوثيقة الدّستورية، ولذا تَعَاقَبَ على المحكمة ثلاثةُ قضاةٍ وثالِثهم هذا سيتقاعد نهاية العام الحالي، الشئ الذي لم يحدُث في تاريخِ القضاء السوداني. إنَّ موقف القُضاة تجاه هذه المحاكمة الفكريَّة السّياسيّة يؤكد أن “قَبَس العدالة” مازالت متَّقِدة ولكنَّها خافتة، ونحن نثمِّن هذا الموقف. ولأول مرة في تاريخ الانقلابات العسكريّة تتكون “محكمة مشتركة” بين العسكريّين والمدنيّين، بل ولأوّل مرة يُطلق سراح العسكريين بضماناتٍ ماليّةٍ ويُحرمُ المدنيُّون من ذلك الحقّ، أين هو مبدأ العدالة بين المتهمين في التهمة المزعومة؟
ولأوّل مرة يتولّى الاتهام ناشطُون سياسيّون حِزبيّون، في مخالفةٍ صريحةٍ لقانون النِّيابة العامة. ولأوّل مرة يتعاقبُ على المُحاكمة (ثلاثةُ نوّاب عامّين) أولُهم أشار صراحةً إلى غياب العدالة في غياب المحكمة الدستورية. تلك عدالةٌ جَوفاء/خَرقاء/عرجَاء/ عدالةٌ مصطنعة Artificial Justice .
إنّ غياب الرِّقابة الدّستورية والقضائيّة والقانونيّة، بتعطِيل قِيام المحكمة الدّستورية ومجلس القضاء العالي ومجلس النّيابة والسُّلطة التَّشريعية، ساهم في غياب المؤسَّسات الدستوريّة، وبالتّالي أطلق يد الشّريكين في الاعتقال والحبس والتَّشريع، وسنّ تعديلات في القوانين تُشدِّد العُقوبة، وتمنع تطبيق القَواعد المتعلِّقة بالمُحاكمة العادلة في المواثيق الدّولية بتشديد العُقوبة في نص المادة 38 الَّتي تتحدَثُ عن التَّقادُم وعدم رجعية النُّصوص إلَّا في النَص الأصلح للمُتَّهم، كلُّ ذلك “تمّ وأنتم شُركاء في الحكم”.
واذا افترضنا الغفلة او التغافل لاسباب سياسية من الاخرين فكيف بكم من الناحية المهنية والمعرفية وقد امضيتم عمرا في المؤسسة العالمية ( الامم المتحدة ) وانتم مدركون ( لقواعد نيلسون مانديلا ) التي اصدرتها الامم المتحدة لشأن السجناء الموقوقون او المحتجزون رهن المحاكمة ( قرار الجمعية العامة 70 – 175 والذي اعتمد في 17 ديسمبر 2015 م ويكفي انها سميت باسم مانديلا وما يعني ذلك من دلالات ؟ الا يعني هذا شيئا بالنسبة لكم ؟
وهنا لا اتحدث عن الاحياء (فهم كفيلون بالدفاع عن انفسهم )ولكن عن الذين قضوا نحبهم رحمهم الله رحمة واسعة
فكيف بكم الان وقد عدتم لرئاسة الوزراء مرة اخرى ؟ فهل عدتم بجديد في العدل والعدالة ؟ نامل ذلك وحتى لا نتنكب الطريق مرة اخرى .
ولنترك هذا جانباً، وعلى مدى عامين “حصرياً” كم من الأنفس قُتِلَت؟ وبأي ذنبٍ قُتلت، ومن القاتِلُ؟ (التَّمادِي في قتلِ المُواطنينَ العُزّل)، من المسؤلُ عنها؟!” أم أصبح الأمر كلّه مـداراة:
﴿ وإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ البقرة الآية:72
والسُّؤال الأقوم: ماذا كسِب السّودان وماذا خسر في هذين العامين من عُمره ومن المسئول؟
تقليدياً الإجابة: “الكسبُ آباؤهُ كُثرٌ والفشلُ يتيمٌ”
ثم ماذا نحن فاعلون حتى لا تتكرر الأخطاء فيما تبقى من الفترة الانتقالية؟
ودعنا نتجرد ثالثة:-
المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي أججت وأهاجت كل هذه الأعاصير، ما كُنهها؟ وهل هناك جهة سياسية وراءها؟
وماذا جرى للقائمين بأمرها؟ هل تمت محاكمتهم/محاسبتهم؟ مجتمعين (مدنيين وعسكريين) أم منفردين؟؟ أين الحقيقة؟؟
لقد تعدَّدت السّـلالات الانقلابية، فهل نحن بصدد موجاتٍ أخرى؟ أم مُتحوِّراتٍ أخرى من الانقلابات “إن جازالتعبير”؟
هذه الأسئلة أطرحها لكم وعبرَكُم لنستبينَ طريق المستقبل.
لا مِراء في أن الانقلابات العسكرية في السودان والتغييرات والثورات الشعبية جلها وربما كلها وفي فترات الانتقال تخرج بمجلسين أحدهما عسكري و الآخر مدني (مجلس الوزراء) لحين قيام الانتخابات.
النمط الجديد الذي ابتدعته قوى الحرية والتغيير “قُحت” هو إنشاء مجلسٍ “هجين” بين الحاضنة السّياسية “قُحت” و “المؤسسة العسكرية” وأسموه المجلس السيادي، وواقعُ الأمرِ أنّه مجلسٌ سياسيٌ “حصريٌ” بل وسمي “بالشّراكة” ومرجعية كل هذا “التّكوين الهجين” هي الوثيقة الدستورية الاقصائية والتي وقّع عليها قَائد الجيش “منفرداً” ولماذا لم يوقِّع الآخرون، هل هم “غافلون” أم ماذا؟ وبذا أصبحَ قائد الجيش “منفرداً” هو مانح الوثيقة الدستورية بحسب التوصيف العلمي والمنهجي للدساتير في العالم.
وبمنطوق السّياسة كل هذه العملية قامت بها “قُحت” ومن شايعها من قوى إقليمية وربَّما عالمية وإذا افترضنا الغفلةَ في “قُحت” فلا يمكن أن نفترضها في القوى التي شايعتها.
وحتى لا نظلم قائد الجيش كمؤسسة أصبح الأمر كله بيده من بعد الله سبحانه وتعالى إن شاء قبض وإن شاء بسط، وإن شاء تراوح بين القبض والبسط.
وبالطّبع فالحيثيات لنْ تكتمل دون الإشارة إلى “البيان السّياسي” الذي تمّ التوقيع عليه بينكم كرئيس وزراء السودان وبين القائد العام للجيش السوداني في 21/11/2021م، وبكثيرٍ من التّجرد وجرياً وراء خُروج البلاد من الأزمات دون تعميقها، نتعاطى مع “البيان السّياسي” بشأن تكوين حكومة اتحادية انتقالية مستقلة “تكنوقراط” مهمتها القيام بالانتخابات بنهاية يُوليو 2023م “دون المساس برأينا في الانقلاب وفي البيان السّياسي الذي لم نكنْ طرفاً فيه”.
هذه الحيثيات التي نبسطها بين يديكم وما حوتها من أمثلةٍ وأسئلةٍ وقصصٍ ليس القصدُ التوقف عندها، لأنها أصبحت من “الماضي”، وإنما القصدُ كل القصد أخذ العظاتِ والعبر منها حتى لا تتكرّر هذه الأزمات مرةً أخرى، فنكون:
كالحاطِبِ الخابِطِ الأَعوادَ في الغَلَسِ
نَرجُو النجاةَ ولم نَسلُكْ مسالِكَها
إن السفينةَ لا تَجري على اليَبَسِ
﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء الآية:114
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ الرعد الآية:11
وسط كل هذا الزخم والأعاصير، بل واستصحاباً لكل ما جَرى ويَجْري الآن وما قد يطرأ مستقبلاً واستهداءً بهذه الآيات من القرآن الكريم وبالرجوع إلى ما تفضلتم به عبر الإعلام مرئياً ومقروءاً ومسموعاً خاصة بشأن حقن الدماء والتحول الديمقراطي وقيام الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية المنتهية في يُوليو 2023م تحديداً في 18 شهر من الآن.
وقد أكد على هذا التوجّه والفترة قائد الجيش عبر وسائل الإعلام بل وكررها في أكثر من مناسبة وليس سراً أنه قد كان الأسبق بهذا الإعلان من باريس منذ أكثر من عام بحسب وسائط إعلام باريسية ولكن لم يتجاوب معه أحد فضلا عن “البيان السّياسي” المشار إليه.
للخروج من هذا الواقع نعتمد على ما رَشَحَ من حديثِ رئيس الوزراء وقائدُ الجيش للاعلام وما أكّداه في “البيان السّياسي” وتحديداً:
بسط الحريات.
حقن الدِّماء.
إجراء الانتخابات بنهاية يوليو 2023م.
المرتكزات الثلاثة هذه تصبح في مجملها مهام الحكومة الانتقالية . فضلاً عن ما تقوم به من تسيير لمرافق الدولة كما هوموضح أدناه.
أهمية الانتخابات اليوم ليست – في كونها- حقاً أصيلاً للمواطن وحسب، وإنما لوضع حد للشرعيّات المتعددة والمتنازِعة والقاصرِة. ولذا نودُّ الاحتكام إلى “الشرعية الانتخابية” عبر صناديق الاقتراع لا لأنها الحل ولكن لكونها في حدّها الأدنى تعطي المؤشرات نحو الشرعية الحقيقية.
وحتى لا ينفرد حزبٌ أوطائفةٌ بالحكم دون الآخر كما سبق في الماضي فإن نمط التمثيل النسبي الذي يشمل كل مستويات الحكم : فيدرالياً، ولائياً، محلياً، إدارياً كافةً، ربما كان هوالأنسب لحالة السّودان، وفق تدابير قانونية إجرائية سياسية يتم التوافق عليها والتشاور والتحاور فيها مع كل القوى السياسية، مستفيدين من تجارب العالم والدول التي سبقتنا في هذا المضمار، وعليه:
تصبح الفترة الانتقالية من نوفمبر2021م إلى يوليو2023م 18 شهراً.
يجب التوافق على مهام الفترة الانتقالية كما يلي:
بسط الحريات ورفع حالة الطوارئ وضمان سلمية التعبير وحفظ الدماء.
استقلال القضاء واستكمال الأجهزة العدلية :مجلس القضاء، المجلس النيابي، المحكمة الدستورية.
تسيير العمل في كل مرافق الدولة بكلِّ مسئولية وجدّية ودون تمييز بين المواطنين .
المحافظة على ما تم من مكتسبات، خاصة في مجال السّلام والتأكيد على إنفاذ الاتفاقيات المبرمة (رغم عدم مشاركتنا فيها) والسّعي الجاد نحو معالجة قضايا النازحين واللاجئين.
السعي نحو تحقيق السلام مع الحركات التي ما زالت رافضة (تحديداً القائد عبد العزيز الحلو والقائد عبد الواحد محمد نور).
الاعتراف بقضايا شرق السودان والسعي لحلها بالتفاوض السلمي ودون اللجوء للعنف.
المحافظة على ما تم من مكتسبات من رفع اسم السودان من القائمة وعودة السودان إلى المجتمع الدولي، دون المساس بالسيـادة الوطنية.
الانتخابات في موعدها المقرر بنهاية يوليو 2023م:
الانتخابات عملية سِلمية سياسية مدنية وهي تتويج للفترة الانتقالية، ولها متطلبات يجب الايفاء بها:
إحصاء سكّاني معتمد.
قانون الانتخاب : التمثيل النسبي، الدوائر الجغرافية، الدوائر الأخرى.
قانون مفوضيّة الانتخابات.
تكوين مفوضيّة الانتخابات (المحايدة) وفروعها في كلِّ أنحاء السودان.
إجراء الانتخابات متزامنة وفي وقت واحد:
رئاسة إتحادية
برلمان إتحادي
مجلس ولايات
مجالس تشريعية ولائية
إنتخابات الولاة
إنتخابات المجالس المحلية
إعلان نتائج الانتخابات والالتزام بها
- كل هذه العمليات تتم بشفافية عالية محلية وعالمية ولكل مرشح الحق في اختيار موكّليه وعلى مستوى الدوائر جغرافية كانت أم نسبية، والقوى السّياسية محلياً وعالمياً لها حق الاشراف والمراقبة.
- حكومة الفترة الانتقالية تتكون من “كفاءات مستقلة” ومهمتها تنفيذ برنامج الفترة الانتقالية المذكورة آنفاً.
- على رئيس الوزراء والوزراء وعلى رئيس وأعضاء مجلس السيادة، إبراء الذمة المالية والممتلكات فوراً بعد أداء القسم (يودع عند النائب العام أو وزارة العدل) وينشر للعامة.
- رئيس وأعضاء مجلس السيادة، و رئيس الوزراء وأعضاء وزارته، وكل من شغل أياً من هذه المناصب خلال الفترة الانتقالية – حتى إن أُعفي منه أواستقال خلال الفترة الانتقالية- لا يجوز لهم الترشح في الانتخابات القادمة.
- ولاة الولايات وحكومات الولايات ورؤساء المحليات تتكون من “الكفاءات المستقلة” وعليهم تنفيذ برنامج الفترة الانتقالية.
- على جميع هولاء إبراء الذمة المالية والممتلكات فوراً بعد أداء القسم وإعلانها وإيداعها عند النائب العام بالولاية وينشر للعامة.
- ولاة و وزراء الفترة الانتقالية في الولايات ورؤساء المحليات ” المستقلين” لا يجوز لهم الترشح في الانتخابات القادمة.
المحاذير
مجلس تشريعي / رقابي/ إنتقالي ..معيّن من قبل الحكومة “لتراقب الحكومة” لا معنى له ولا وقت له “الآن” وقد مضت جُل الفترة الانتقالية، فضلاً عن تعقيدات وجدليات الاختيار والتمثيل والمُحاصصة والمُخاصصة، إذ أن الجانب الرّقابي تتولاه الرّقابة الشّعبية العامة طالما كانتِ الحُرِّيّات “مكفولة دون قيود” (حريات ينظمها القانون ولكن لا يقيدها ..) وربما المجلس الانتقالي بهذا التكوين إذا قام سيزيد من إرباك السّاحة السّياسية بل قد يُمدّد لنفسه، هذا إضافة إلى الاعباء المالية التي يتطلبها هذا المجلس إذا افترضنا أنّ عضويته 300-500 عضو.
أما الجانب التشريعي فيمكن (اضطراراً) أن يستمر على ما كان عليه بتوافق المجلسين (مجلس الوزراء الانتقالي ومجلس السيادة الانتقالي).
الطُرُق الصُّوفية / الادارات الاهلية/ منظَّمات المجتمع المدنيّ الطَّوعية …إلخ بحُكم إرثها التاريخيَ وتكوينها الهيكلي ليسَتْ منتخبة ولا تَخضع “للمساءَلة السّياسية” Accountability وإقحامها في المجال السّياسي بالصّيغة التي وردت في “البيان السّياسي” ربما عاد بنا إلى الشُّمولية والقبلية مرّة أخرى، ونبرأ إلى الله من تلك “العودة/الرِّدّة”.
“الوثيقة الدستورية” و”البيان السّياسي” كلٌ منهما يتحدث عن “شراكة بين العسكريين والمدنيين” ولكن الوثيقة والبيان لا “يتناغمان” وأي شراكة؟ ومع من؟
طرحُنا بين أيديكم اليوم لا يتحدّث عن “شراكة” ولا عن حاضنة سياسّية وإنما عن برنامج توافق سياسي لإدارة الخروج من الأزمة التي تمرُّ بها البلاد، وهو برنامج مفتوح لكل القوى السياسية “لا تدّعي الحضانة” على أحد ولا “تطلب الحضانة” من أحد، وإنما هـو”ميثاق سياسي” واجب الوفاء به لإنفاذ الفترة الانتقالية المتبقية. (لانحسب بأن في العمل السياسي حَضانة ولا حَصانة، وإنما عهود ومواثيق).
المجلس السّيادي “المشترك” ما دَورُه؟
إذا سلّمنا بأن ممثلي القوات المسلحة هم الأساس بحكم مقاماتهم ورُتبهم، ومُمثلي الحركات المسلحة بحكم اتفاقيات السّلام، فالآخرون من يمثلون؟ ومن اختارهم؟ اذا افترضنا أنهم يمثلون الولايات فهل شاركت الولايات في اختيارهم، وكيف؟
هنالك بند في “البيان السّياسي” يعطي مجلس السيادة الحق في الاشراف على أداء مجلس الوزراء وقرارات مجلس الوزراء، هل هـذا يعني أن القرارات الخاصة بالحريات/ وحقن الدماء/ وإجراء الانتخابات خاضعة للمجلس السيادي؟
لابد من وضع صيغة “قانونية” تحصّن المرتكزات الثلاثة (بسط الحريات/ حقن الدماء/ إجراء الانتخابات) من أن تتدخل أية جهة للانتقاص منها أولإيقافها.
هذه بعض مقترحاتنا نحو تدابير الانتقال معززة بورقة أخرى بها مزيد من التفصيل نضعها بين أيديكم، وعبركم نطرحها ونودعها لدى الشعب السوداني ممثلاً في شبابه وشابـاته، طلابه وطالباته، رجاله ونسائه، بقواه السّياسية والاجتماعية والنّقابية. وعلها تسهم في رصف الطريق نحو التحول الديمقراطي المنشود.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله
د. علي الحاج محمد
الأمين العام