سبق لرئيس الوزراء الإثيوبي ابيي أحمد أن وعد بتنظيم أكثر انتخابات ديموقراطيةً في تاريخ إثيوبيا، ولكن قبل شهر واحد من الموعد المقرر، يظهر أنّ مجرّد إجراء الانتخابات يعدّ تحدياً بحد ذاته في ظل استمرار النزاع في إقليم تيغراي واندلاع أعمال عنف على خلفيات سياسية-عرقية وبروز عوائق لوجستية.
وكان رئيس الوزراء وعد بذلك بعد إمساكه بزمام السلطة في 2018. وفي الأعقاب، أبدأ الأربعيني موجة إصلاحات في ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان: إطلاق سراح سجناء سياسيين، تحرير جزئي للاقتصاد وإبرام اتفاق سلام مع إريتريا، أكسبه جائزة نوبل للسلام عام 2019.
حالياً، يواجه رئيس السلطة التنفيذية سلسلة من الأزمات العميقة والدموية بصورة تجعل العديد من المراقبين يتوقعون أن تشوب “أوجه قصور” تلك الانتخابات التي سيختار خلالها الإثيوبيون نوابهم (ثمّ يختار النواب رئيساً للوزراء).
قال دبلوماسي متابع للشؤون الإثيوبية، “ثمة إجماع واسع على القول إنّ هذه الانتخابات لن تكون مثالية، وهذه عبارة ملطّفة. ستبرز أوجه قصور، ومسوّغات لانتقادها وسيظهر أنّ هناك الكثير للتحسين”.
ويعدّ النزاع في تيغراي الذي بدأ قبل ستة أشهر ونتجت عنه “كارثة إنسانية” وفق وزارة الخارجية الأميركية، أخطر أزمة أمنية قائمة.
وبالفعل أرجئ الاقتراع إلى أجل غير مسمى في هذه المنطقة الشمالية التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة.
بيد أنّ رئيسة اللجنة الانتخابية بيرتوكان ميدكسا، أشارت أيضا إلى بؤر عنف أخرى أجبرت فرقها على تعليق أنشطتها، بما في ذلك في بعض المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد على غرار أوروميا وأمهرة.
– “انبعاث” –
ترافقت فترة ولاية أبيي أحمد الأولى مع تجدد النزاعات المحلية التي تمكّن أسلافه من إخمادها من خلال القمع الشامل.
وأسفرت أعمال العنف الأخيرة التي اتصفت باللجوء إلى أسلحة متطوّرة وإشعال حرائق عمداً، عن مقتل عدّة مئات من الأشخاص في آذار/مارس في إقليم أمهرة.
ويبدو أن مهمة اللجنة الانتخابية تزداد صعوبة، خاصة أنّ تنظيم انتخابات عامة، ولو في أوقات عادية، يمثل تحدياً حقيقياً في بلد مساحته 1,1 مليون كيلومتر مربع ويعاني من بنية تحتية ضعيفة ويسكنه نحو 110 ملايين نسمة.
في منتصف نيسان/ابريل، أعلنت بيرتوكان أنّ نصف مراكز تسجيل الناخبين البالغ عددها 50 ألفاً فقط، شرعت في عملها، وأنّ أياً منها لا يعمل في إقليمي عفار وصومالي.
وفي أديس أبابا، المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة، تمّ تسجيل 200 ألف ناخب فقط في القوائم. وتأتي الاجتماعات الانتخابية النادرة والملصقات الخاصة بحزب الرخاء الذي يتزعمه ابيي أحمد، لتذكّر سكان العاصمة بقرب موعد الانتخابات.
وفي رسالته إلى الأمة نهاية هذا الأسبوع لمناسبة عيد الفصح لدى الأرثوذكس، قال رئيس الوزراء إنّ الانتخابات ستشكّل “أحد فصول انبعاث إثيوبيا”.
ويريد البعض في المعارضة الاعتقاد بأنّ الاقتراع قد يمثل استثناءً عن تلك التي حدثت في عامي 2015 و2010، حين كان التحالف الحاكم منذ 1991 يسجّل نتائج سوفياتية الطابع.
وبالنسبة إلى زعيم حزب إيزيما المعارض برهانو نيغا، فإنّ القادة الإثيوبيين الحاليين يدركون أنّه “لن يكون هناك سلام إذا لم تتمتع الحكومة بشرعية شعبية”.
– مباركة –
واختار التحالف الحاكم ابيي أحمد عام 2018 ليحل محلّ سلفه الذي واجه موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية، ومن المتوقع أن يمنحه اقتراع حزيران/يونيو مباركة شعبية يفتقر إليها.
لكن تمّ اعتقال شخصيات معارضة مثل جوهر محمّد، وقررت أحزاب عدّة مقاطعة انتخابات تقول مسبقاً أنها ستكون “مهزلة”.
ويقول ميريرا غودينا الذي سيمتنع حزبه “مؤتمر شعب أورومو” النافذ في إقليم اوروميا عن المشاركة في الانتخابات، إنّ الاقتراع المرتقب “لن يغيّر المشهد السياسي”. وأيضاً لن يشارك في الانتخابات حزب المعارضة الرئيسي الآخر في هذه المنطقة، “جبهة تحرير اورومو”.
ولكن رغم ذلك يبدو أن حكومة أحمد مصممة على المضي قدماً.
وكتبت المتحدثة باسم رئيس الوزراء في إثيوبيا ، بيلين سيوم، حديثاً على موقع تويتر: “في 5 حزيران/يونيو، #إثيوبيا_تقرر”.
وأضافت “مهما كانت النواقص، فإنّ الطريق إلى الديموقراطية في البلاد لا يمكن أن يرسمه ويحدده إلا الشعب”.
وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه لن يرسل بعثة لمراقبة الانتخابات، رغم أنّه ساهم في تمويلها بما يصل إلى 20 مليون يورو. والسبب وراء ذلك، عدم الاتفاق مع الحكومة الإثيوبية على وسائل تواصل المراقبين واستقلاليتهم”.