يبدو أن مسلسل ارتفاع أسعار الأدوية بالسودان سيظل مستمراً إلى مالا نهاية، وإن كانت هناك مجهودات لكبح جماع غول الغلاء، لتتربص مؤخراً زيادات جديدة ستؤدي حتماً إلى إنهاك جيوب الأسر قبل أجساد المرضى؛ خاصة المصابين بأمراض مزمنة.
ليرسم صيادلة ومختصون في الملف الصحي صورة قاتمة للأوضاع خلال الأسابيع المقبلة مع الارتفاع الجنوني في أسعار الأدوية وانعدامها في أوقات غلائها.
وقال مسؤولون حكوميون إن الجهات ذات الصلة تعكف حالياً على حزمة معالجات لتخفيف آثار سعر الصرف على قطاع الدواء.
قبل عدة أسابيع من الآن؛ وبالتزامن مع اندلاع الحرب الضروس بين روسيا وأوكرانيا اجتمعت غرفة مستوردي الأدوية بوزير الصحة الاتحادي المكلف ومجلس الصيدلة على مضض؛ لإيجاد مسكنات عاجلة للجراحات المرتقبة للحرب التي تأثر بها العالم برمته، وخرج الاجتماع بجراحة صعبة للغاية وهي زيادة نسبة 5% في رسوم تسجيل الأدوية؛ ليزداد الطين بلة على إثر ذلك وسط احتجاجات من بعض الجهات التي انبرت لتحريك إجراءات قانونية؛ لجهة الطعن في القرار والدفع به إلى المحكمة الإدارية.
كرت أحمر :
أشهر رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك؛ دكتور ياسر ميرغني عبد الرحمن؛ كرتاً أحمر َ تجاه ماحدث، واصفاً الأمر بأنه غير مقبول، ملوحاً بتحريك إجراءات قانونية في مواجهة متخذي القرار، لكنه تمهل لبعض الوقت بزعم أن الأمر برمته ترك لمحامي الجمعية وهو الملم بالتفاصيل القانونية قائلاً؛ إن زيادة رسوم التسجيل ليست من مهام وزير الصحة الاتحادية.
ملتقى صحي أول والدواء سيد الموقف :
برزت قضية ال ـ5% من ضمن أبرز المحاور التي تناولها الملتقى الصحي الأول الذي التأم مؤخراً بالإمدادات الطبية، وأقرت وزارة الصحة الاتحادية بأن الدواء يمثل أبرز الأولويات والتحديات؛ خاصة وأن الملتقى أظهر جملة من التحديات الأخرى؛ التي دقت الوزارة ناقوس الخطر بشأنها؛ أبرزها الهجرة المقلقة للكوادار الطبية، وتوقف الدعومات من قبل بعض المانحين، مع الحاجة لتحسين البيئة بأقسام الطوارئ والمشافي في بلد تنتشر بها 705 مستشفيات حكومية، منها 60% تعمل في الطوارئ، وتؤكد مديرة إدارة التخطيط بوزارة الصحة الاتحادية، عابدة حاكم، أن الوزارة تسعى خلال الاستراتيجية القادمة لتوفير الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، والعمل على تخفيض أسعارها إلى متناول أيدي المواطن السوداني.
وضع صعب :
يقول رئيس غرفة مستوردي الأدوية الأسبق د. صداح الأمين، وهو رجل ممسك بأدق تفاصيل الشأن الدوائي، حقائق صادمة للغاية بشأن الوضع الدوائي بالسودان، مشيراً إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلال سالبة على مستقبل استيراد وتصنيع الأدوية بعدة دول، والسودان ليس بمعزل عن تلك الدول، منوهاً إلى أن أسعار شحن الأدوية براً وبحراً زادت بنسبة 400%، كما أن سعر الحاويات ارتفع بصورة مزعجة فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في صناعة الأدوية الوطنية، كاشفاً عن زيادة أسعار الأدوية المنتجة محلياً بنسبة 30%.
قصة اجتماع الـ5% :
يجزم صداح بأن الاتجاه في بداية الاجتماع المذكور كان يقضي بزيادة رسوم التسجيل لـ 15% إلا أن الأمر، في خاتمة المطاف، استقر على نسبة 5% تقديراً لظروف المرضى السودانيين، وتابع.. “جميع المستوردين وافقوا وبصموا بالعشرة على زيادة النسبة” وأشار إلى أن أي اتجاه للطعن في تلك النسبة من خلال تحريك إجراءات قانونية من شأنه زيادة المعاناة، ومزيداً من الفجوات في زمر وأنواع الأدوية المعمول بها فى البلاد.
ربكة وسط الأطباء :
يشير رئيس غرفة المستوردين إلى أن العام 2014 كان حجم سوق الدواء 400 مليون دولار إلا أن تطبيق بعض السياسات والحملة الإغلاقية للتصنيع المحلي وتخفيض قيمة التسجيل وقتها ل30% للمستوردين عام 2017 أدى إلى تقليل حجم الاستيراد، و تأسف صداح بأن الأمر ترتب عليه تقليص عدد الأصناف المتداولة بالسودان من 3800 صنف إلى أقل من 1000 صنف، مما جعل خيارات الأطباء صعبة في اختيار زمر الأدوية، وقلل منها، مما فتح الباب واسعاً أمام فرصة الأمراض البكتيرية، ويؤثر بشكل بالغ على المرضى ويفتح باب السياحة العلاجية للمقتدرين.
إلغاء ال10% من حصائل الصادر المخصصة للدواء :
شكلت النسبة التي كانت تتحصل من عائدات الصادر والبالغة 10% قبل عدة سنوات دليل عافية للمستوردين والوفرة الدوائية بيد أن الأمر لم يدم طويلاً، وتم إلغاء تحصيل النسبة المذكورة في ظل عدم خلق بدائل أخرى لها، وحتى العام 2020 تم تكوين آلية استيراد عبر محفظة السلع الاستراتيجية في نفس العام، ونجحت المحفظة في توفير 60 مليون دولار لاستيراد الأدوية، وفي العام 2012 تم تطبيق سياسة ترشيد الدعم المباشر للأدوية بدعم أدوية الأمراض المزمنة بنسبة 35%، على أن تتحمل الدولة نسبة، وباقي السعر يتحمله المواطن وتزامنت مع تلك السياسة قرارات اقتصادية بتوحيد سعر الصرف؛ مما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار الأدوية المزمنة ل500%وغير المزمنة ل800%، وهذا مايعزز أن الدواء المستورد يرتبط ارتباطاً كلياً بسعر الصرف التأشيري المعلن من قبل الحكومة.
توقف دعم المالية للأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة:
منذ أغسطس المنصرم توقف الدعم المباشر للأدوية المزمنة، وحتى تاريخه، ما خلق أيضاً فجوة في الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، وفتح الباب على مصراعيه على دخول الأدوية المهربة، والأخيرة أسعارها مضاعفة وغير آمنة، وهذا يؤكد أنه بمجرد حدوث فجوة في الأدوية فإن مساحة التهريب تتسع لأقصى مداها.
تطمينات بعودة الدعم :
تشير غرفة المستوردين إلى الاجتماع الأخير بوزير الصحة الاتحادي، تم فيه التأكيد على استئناف الدعم المباشر لأدوية الأمراض المزمنة؛ خاصة وأن المبلغ المرصود شهرياً حوالي ال800 مليون من الجنيهات؛ وجل هذه المعطيات أدت إلى وصول أزمة الأدوية إلى نفق مظلم وتآكل رساميل المستوردين عن السابق، في ظل شح العملات الصعبة، والطامة الكبرى هي اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
زيادة النسبة مؤقتة وستراجع :
يرى صداح أن الزيادة في نسبة تسجيل الأدوية مؤقتة وستتم مراجعتها في غضون ال6 أشهر القادمة، ورهينة بتوقف الحرب أوعدمها أقل أسعار أدوية في المنطقة،
وتشير الغرفة إلى أن أسعار الأدوية بالسودان أقل من دول الجوار .
مجلس الصيدلة يتحدث :
يؤكد الأمين العام للمجلس القومي للصيدلة والسموم هالة عبد الحليم في حديثها للصحيفة؛ بالتزامن مع الملتقى الصحي الأول؛ أن زيادة الرسوم الخاصة بالتسجيل ل5% حقيقية ونبعت عن التطورات التي طفت على السطح مؤخراً كارتفاع لأسعار الوقود والشحن والمواد الخام على مستوى العالم برمته.
مديونيات على المستوردين و الإمدادات الطبية:
تشير الغرفة إلى ارتفاع المديونيات الخارجية من قبل بعض الشركات، فضلاً عن ارتفاعها على الإمدادات الطبية ب60 مليون دولار ويرى رئيس المستوردين أنهم يساهمون في توفير الأدوية بالبلاد بنسبة تصل ل70%.
تحديات الأدوية تواجه التأمين الصحي.
يميط مسؤول الصيدلة بالصندوق القومي للتأمين الصحي، دكتور فاروق نور الدائم عمر، اللثام عن تكوين لجنة بتوجيهات من مدير عام الصندوق القومي للتأمين الصحي لقراءة واقع الأدوية ورسم سيناريوهات للعام الحالي، وبرأ نور الدائم ساحة التأمين الصحي من تهمة طرحه لأدوية زهيدة الثمن، مؤكداً أن الصندوق لديه قائمة تحتوي على 690 صنفاً من الأدوية، ومتاحة عبر 3800 منفذ، والتي تضم الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، مستشهداً بأن هناك صنف من الأدوية يوفرها الصندوق لمريض واحد تصل قيمة الجرعة ليومين لـ300 ألف من الجنيهات، ناهيك عن أصناف أخرى، مشيراً إلى التزام الصندوق بتحمل 75%من قيمة الأدوية .
خطوة استباقية:
تبريرات غرفة مستوردي الأدوية هل ستكون مقنعة للمستهلكين المرضى، مضافاً لذلك أصحاب المصانع المحلية الذين أظهروا عدم ارتياحهم بقرار زيادة رسوم التسجيل، وأن اليوم التالي حاولت جاهدة الاتصال برئيس غرفة مصنعي الأدوية دكتور مأمون الطاهر إلا أن هاتفه ظل مغلقاً على الدوام، وذلك لاستجلاء الحقائق ومعرفة ردة فعل أصحاب المصانع المحلية في أعقاب رفع نسبة ال 5% لتسجيل الأدوية، أما غرفة المستوردين ترى أن الخطوة جاءت استباقاً، ولرفع حجم الإمداد الدوائي للسودان خلال الربع الأول من العام الحالي وسط توقعات بارتفاع التكلفة.
توقعات رئيس شعبة أصحاب الصيدليات :
ظل رئيس غرفة أصحاب الصيدليات الخاصة الأسبق د. نصري مرقس يعقوب يصرح مراراً وتكراراً عن الصورة القاتمة لسوق الأدوية قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وإن كثير من المرضى قلصوا الروشتات، ويشترون الوصفات بالشريط بنظام قدر ظروفك، مما يعرض المرضى لمضاعفات قد يكلف علاجها الكثير مع تأثر الاقتصاد، وذلك بفقدان عدد من العمال والزراع المنتجين.
أدوية مختفية :
واقع مظلم انعكس على وفرة الأدوية، وصارت بعض الأصناف منعدمة، ويلجأ المواطن في كثير من الأحيان إلى اللجوء للمغتربين لتوفيرها أو عبر ارساليات من مصر والتي تأتي عبر الباصات، في حين أن الأدوية تحتاج إلى درجة حرارة محددة حتى لاتتعرض للتلف.