يقول تقرير موقع AlــMonitor أن استراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية تجعل السودان في مركز الصدارة. ويوضح فيه الدور المحورى الذى يلعبه خاصة فى محادثات سد النهضة والحرب الأهلية الإثيوبية فى إقليم تيجراى، مما جعله يحتل هذه المكانة فى استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
العلاقات الأمريكية السودانية:
تشهد العلاقات الأمريكية السودانية تحولا شاملا مقارنة بما كانت عليه قبل عامين. ويشهد على ذلك الزيارة الأخيرة التى قام بها قبل أسبوعين إلى المنطقة مبعوث الولايات المتحدة إلى السودان دونالد بوث والتى تؤكد الدور المحورى المتزايد الذى تلعبه الخرطوم فى المنطقة خاصة فى محادثات سد النهضة والتصدى للحرب الأهلية فى تيجراى، التى امتدت إلى السودان. أما الجانب الثانى نراه فى قرار صادر عن البنك الدولى WB وصندوق النقد الدولى IMF بمنح سكان السودان البالغ عددهم 44 مليون نسمة فرصة لكسر حلقة الفقر المزمن وهشاشة البنية التحتية.
وفى نهاية شهر مارس من هذا العام ، رحب وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين بـ«فصل جديد» فى العلاقات الأمريكية السودانية بعد أن دفعت الخرطوم 335 مليون دولار لتعويض ضحايا إرهاب القاعدة فى تفجيرات 1998 لسفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا وتفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول التى كانت ترسو فى ميناء عدن فى اليمن عام 2000.
تطور العلاقة مع البنك الدولي:
ينظر صندوق النقد الدولى والبنك الدولى الآن فى طلب السودان للإعفاء من الديون بموجب مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون بعد خروج السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
ووصف ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولى، القرار بأنه «تقدم كبير»، مضيفًا أن خطوات الإصلاح التى اتخذتها الحكومة السودانية حتى الآن، «بما فى ذلك تسوية المتأخرات وتوحيد سعر الصرف، ستضع السودان على الطريق نحو تحقيق أهداف جوهرية. وتخفيف عبء الديون والإنعاش الاقتصادى والتنمية الشاملة».
كما أشار تقرير لصندوق النقد الدولى إلى أن السودان لديه فرصة نادرة للبناء على وتسريع الإصلاحات الهيكلية التى تقوم بها الحكومة الانتقالية المدنية العسكرية برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والذى يواجه تحديات مروعة كالفقر المزمن والتخلف. وباعتباره اقتصادًا زراعيًا فى المقام الأول، فإن السودان حساس بشكل خاص لتقلبات المناخ والفيضانات. كما أن معدل انتشار الفقر المدقع (من يعيشون على أقل من 1.9 دولار فى اليوم) مرتفع بنسبة 13.5٪، لكنه يرتفع إلى 46.1٪ إذا تم تطبيق معدل انتشار الفقر فى البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط (3.20 دولار فى اليوم). أضف إلى كل ما سبق أن السودان يحتل المرتبة الأدنى فى مؤشرات التنمية البشرية ورأس المال البشرى.
تقلص كذلك اقتصاد السودان، والذى تضرر بشدة من فيروس كورونا، بنحو 3.6٪ فى عام 2020. ولسوء الحظ، كان هذا العام الثالث على التوالى من النمو السلبى. ويتوقع صندوق النقد الدولى أن ينمو اقتصاد السودان هذا العام بنسبة 0.9٪.
العلاقات السودانية المصرية:
شهدت العلاقات المصرية السودانية خلال العامين الماضيين أيضًا تحولًا دراماتيكيًا منذ أيام البشير الذى كان على صلة بجماعة الإخوان المسلمين. وفى هذا الشأن صرحت إحدى المتخصصات فى الشأن الأفريقى بالآتى: «يبدو الآن أن هناك شراكة استراتيجية غير مسبوقة بين البلدين وسط تعاون على جميع المستويات بهدف مواجهة التهديدات الإقليمية». مثل موضوع النهضة الإثيوبى.
فبالنسبة لسكان مصر، البالغ عددهم 100 مليون نسمة، فهم يعتمدون على نهر النيل فى 95٪ من احتياجاتهم المائية. وأى انقطاع فى تدفق مياه النيل بسبب السد سيكون مدمرا. ولخطورة وهول الأمر خرج فى 31 مارس الفائت الرئيس عبدالفتاح السيسى مصرحا: «لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر. من يريد المحاولة فليحاول. لكن هذا من شأنه زعزعة استقرار المنطقة كلها. لا ينبغى لأحد أن يجرؤ على اختبار قدراتنا ولكن إذا كانوا يريدون اختبارنا، فليكن».
وعلى الرغم من أن السودان سيكون أقل تأثرا بأى انقطاع محتمل فى تدفق مياه النيل، فإن الخرطوم تدعم دعوة القاهرة للوساطة الدولية، حيث تتأثر مخاوفها مع إثيوبيا بشكل متزايد بالقتال فى تيجراى. وبالفعل أيد السودان اقتراحا أيدته مصر لإشراك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، وكذلك الاتحاد الأفريقى، فى التوسط فى محادثات السد، لكن إثيوبيا رفضت العرض.
فى غضون ذلك، انطلقت الشراكة بين مصر والسودان دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا. ففى 31 مارس الفائت، قامت القوات الجوية المصرية والسودانية تدريبات مشتركة. ويقول أحد المهتمين بالقضايا المصرية السياسية والاقتصادية أنه حتى «المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية الثنائية مثل مشروع السكك الحديدية ومشروع الربط الكهربائى وغيرهما فى مجالات النقل والزراعة والرى لا يمكن تحليلها بمعزل عن موضوع سد النهضة».
أمريكا وسد النهضة:
وكان وزير الخرجية الأمريكي أنتوني بلينكين قد قال فى جلسة تعيينه فى مجلس الشيوخ فى يناير هذا العام أن الولايات المتحدة ستكون «منخرطة بشكل كامل» فى القرن الأفريقى وحذر من أن محادثات سد النهضة قد «تنتهى بالغليان».
لذلك أرسل الرئيس الأمريكى جو بايدن بالفعل حليفًا وثيقًا، السيناتور الديمقراطى كريس كونز من ولاية ديلاوير، إلى المنطقة لإبلاغ مخاوف الولايات المتحدة بشأن الوضع فى إثيوبيا، وبحسب ما ورد قد يعين الدبلوماسى الأمريكى الأممى السابق جيفرى فيلتمان كمبعوث.
بعد جولة بوث، قبل أسبوعين تقريبا، أعلن رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدى، الرئيس القادم للاتحاد الأفريقى، عن جولة جديدة من محادثات سد النهضة والتى بدأت فى كينشاسا يوم 3 أبريل الجارى.
كانت هناك محاولات أخرى للوساطة. فالسودان رحب بعرض الإمارات العربية المتحدة للمساعدة فى التوسط لحل محادثات السد المتوقفة لكن مصر أحجمت عن العرض.
وأعلنت المملكة العربية السعودية والأردن والبحرين وعمان والكويت ومنظمة التعاون الإسلامى جميعها قبل أسبوع تقريبا عن الدعم الكامل لمصر والسودان فى محادثات سد النهضة.
وهذا يوضح تماما أن دور السودان فى المنطقة مؤثر بشكل متزايد ولذلك وضع في صدارة استراتيجية الولايات المتحدة ودول الاقليم. وشعبها.