أعلنت الأمم المتحدة انها قد وافقت على طلب إثيوبيا إجراء تحقيق مشترك بعواقب النزاع في إقليم تيغراي وجاء ذلك على لسان المتحدّث باسم مكتب مفوّض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جوناثان فاولر، الذي أعلن أنّ “المفوّضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ميشيل باشليه، وافقت على طلب لجنة حقوق الإنسان الإثيوبيّة، إجراء تحقيق مشترك في العواقب الإنسانيّة للنزاع في تيغراي في شمال إثيوبيا، مشيرًا إلى أنّه “يجري حاليًّا وضع خطّة للسماح ببدء المهمة في أسرع وقت ممكن”.
وكان سكّان في تيغراي قد تحدّثوا لمنظّمات مدافعة عن حقوق الإنسان ولصحافيّين، عن مجازر على نطاق واسع وعنف جنسي ضدّ مدنيّين من قِبل قوّات الأمن في المنطقة. كما أكّدت منظّمات إنسانيّة أنّ النظام الصحي في تيغراي تضرّر بشدّة من النزاع، وحذّرت أيضًا من خطر حدوث مجاعة على نطاق واسع.
يُذكر أنّ رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، كان قد بدأ حملةً عسكريّةً في أوائل تشرين الثاني الماضي، بهدف إطاحة الحزب الحاكم في المنطقة “جبهة تحرير شعب تيغراي”، الّتي اتّهمها بمهاجمة قواعد الجيش الفدرالي. وقد أَعلن انتصاره في 28 تشرين الثاني، لكن بعض قادة “جبهة تحرير شعب تيغراي” الّذين تريد الحكومة نزع سلاحهم وسجنهم، فارّون وتعهّدوا بمواصلة القتال.
جذور الأزمة مع إقليم تيغراي:
الخلاف بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وقادة جبهة تحرير شعب تيجراي هو في الأصل سياسي، وتطوَّر مع مرور الوقت إلى صراع عسكري بين الطرفين، ويستمد زخمه من طبيعة إدارة عملية الانتقال السياسي والرؤى المتنافسة حول مستقبل الدولة الإثيوبية. وظهرت بوادر الخلاف بين الطرفين مع رفض قومية تيجراي للتغييرات التي طرأت على المشهد السياسي الإثيوبي منذ 2018، وتسببت في إنهاء حكمها للبلاد الذي امتد ثلاثة عقود، وفي مقدمة تلك التغييرات صعود آبي أحمد الذي ينتمي إلى قومية الأورومو، إلى قمة هرم السلطة.
ومع شروع آبي احمد في اتخاذ عدد من الإجراءات الإصلاحية في إطار حملة معلنة على انتهاكات حقوق الإنسان وترفع شعار محاربة الفساد، وشملت إقالة بعض قيادات قومية تيجراي في مؤسسات الدولة المختلفة وفي مقدمتها الجيش، أبدت جبهة تحرير تيجراي اعتراضها على هذه الإجراءات، واتهمت رئيس الوزراء بأنه يستهدفها بشكل مباشر وغير عادل.
وبالمثل، رفضت الجبهة قيام آبي بحل الائتلاف الحاكم السابق (المؤلف من أربعة أحزاب تمثل أكبر المناطق القومية في إثيوبيا)، وخلق كيان سياسي جديد هو حزب الرخاء (أو الازدهار) الذي يعد كياناً وحدوياً لا تُمثَّل فيه أي جماعات إثنية تمثيلاً رسمياً ومؤسسياً، وبدا أن هدف آبي أحمد من تأسيس الحزب الجديد ليس فقط إنشاء كيان سياسي آخر تابع له، لكنه يسعى أيضاً إلى إضعاف اثنتين من أقوى العقبات التي تعترض رؤيته وأجندته المستقبلية؛ وهما جبهة تحرير شعب تيجراي، وجبهة تحرير أورومو المعارضتين.
وعززت قضية الانتخابات في إثيوبيا تدهور العلاقة بين الطرفين، إذ تكثفت المواجهة بينهما في ضوء تباين المواقف من إجراء الانتخابات الوطنية في موعدها الذي كان مقرراً في أغسطس 2020. فمع خشية آبي أحمد من أن حزب الرخاء الذي يتزعمه قد لا يتمكن من الفوز في انتخابات تنافسية تُجرى بعد أشهر قليلة من تأسيسه في ديسمبر 2019؛ أعلن تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى تحت ذريعة تفشي جائحة كوفيد-19 في البلاد، وهي خطوة عارضتها جبهة تحرير شعب تيجراي وبعض القوى السياسية الأخرى. وبناء عليه، قرر إقليم تيجراي إجراء الانتخابات الإقليمية في سبتمبر 2020، والتي شارك فيها 2.7 مليون ناخب، وتعد بمثابة سابقة في تاريخ إثيوبيا، وفازت جبهة تحرير تيجراي بأغلبية مقاعد البرلمان الإقليمي. وكانت الجبهة قد حذَّرت من أي محاولة لتعطيل الانتخابات في الإقليم، معتبرة خطوة كهذه بمثابة إعلان حرب، وأكدت أنها لن تعترف بالحكومة الفيدرالية بمجرد انتهاء ولايتها في 5 أكتوبر 2020. وفي المقابل، اعترض آبي أحمد على سعي الجبهة لإجراء الانتخابات وأعلن مجلس الاتحاد الإثيوبي [مجلس الشيوخ] عدم دستوريتها.
وعلى إثر ذلك فَرَضَ مجلس الشيوخ في البرلمان الاتحادي الإثيوبي مجموعة من التدابير العقابية ضد الإقليم، شملت تجميد الميزانية المخصصة لإدارة الإقليم وقُطِعت العلاقات مع حكومة تيجراي الإقليمية، وتم منع إجراء أي اتصالات مع الحكومة الإقليمية الجديدة. ومع تصاعُد الخلاف، عَمَد الطرفان إلى استعراض قوتهما العسكرية، ومضيا في سياسة نزع الشرعية عن بعضهما البعض، إذ وصف آبي أحمد الجبهة بأنها “مشروع إجرامي”، ووافق البرلمان الفيدرالي الإثيوبي على تشكيل حكومة مؤقتة للإقليم في تحدٍّ للسلطة القائمة وسحب الشرعية منها بتمرير إقالتها من خلال مجلس الاتحاد الإثيوبي. واقترح تصنيف الجبهة “منظمة إرهابية” إلى جانب جبهة تحرير أورومو. وفرضت الحكومة الفيدرالية حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في إقليم تيجراي بدءاً من 4 نوفمبر الجاري، مُتهمةً إدارة الإقليم بتهديد سيادة إثيوبيا، الأمر الذي فاقم الخلاف وزاد من احتمالات استمرار المواجهة العسكرية بينهما.