حالة عدم الوفاق التي سادت المشهد قبل عام من اليوم، ألقت بظلالها السالبة على كثير من مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ماثلة الآن للعيان، فهي سمة سودانية، لكن أن تنعكس وتؤثر في الجهود الدولية والاقليمية الساعية لإحداث توافق واستعادة مسار التحول الديمقراطي فلا بد أنها تحتاج لوقفة من الجميع.
ويظهر ذلك في حالة الاتهامات المتكررة بين مكونات الآلية الثلاثية التي تجرى مشاورات مع القوى السياسية قبيل بدء المحادثات المباشرة بين المكون العسكري والمدنيين وسط توقعات بإطلاقها هذا الشهر.
واتهم رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي في الخرطوم السفير محمد بلعيش، في تقريره المقدم لمجلس السلم والأمن الإفريقي في الثاني من نوفمبر الجاري الآلية الرباعية بالتعاطف مع الحرية والتغيير.
اتهامات للرباعية
واستنكر أعضاء الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والايقاد)، تدخلات الرباعية المكونة من (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، السعودية والإمارات) في عملية الحوار السياسي لحل الأزمة السودانية.
وقال بلعيش في تقريره المقدم لمجلس السلم والأمن الإفريقي في الثاني من نوفمبر الجاري إن الآلية الرباعية أصبحت تمثل آلية موازية للآلية الثلاثية الرسمية، واتهم محمد بلعيش الآلية الرباعية بالتعاطف مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، مشيراً إلى أنها تتعامل مع الأزمة السودانية بالازدواجية وعدم الحياد.
ولكن المتحدث باسم المكتب التنفيذي للحرية والتغيير شهاب إبراهيم الطيب، يرى أن الآلية الثلاثية في وقت من الأوقات أضعف دورها بصورة كبيرة وجود الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد وقال: (ساهموا كثيراً في أن تتخذ قرارات لاحقاً عطلت الوصول للحل، لأنه لم يكن هناك اختلاف داخل الآلية الثلاثية حول المنهجية والتعامل مع حل الأزمة وانهاء الانقلاب بأي حال من الأحوال، ونحن كنا واضحين بأن الحل لا يكون بشكل أغراق للأطراف، لكن كان إصرار ممثلي الاتحاد الإفريقي وايقاد على ذلك).
ويعتقد شهاب أن دخول الرباعية أسهم بشكل كبير في تقليل دور الاتحاد الإفريقي، وبعد ذلك أصبحت الأمم المتحدة جزءاً اساسياً من الثلاثية، وقادرة على ان تتحرك بمنهجية منسجمة، لأن الرباعية ــ على الأقل الولايات المتحدة وبريطانيا ــ لديها موقف استراتيجي من موضوع الانقلاب، وأضاف قائلاً: (اعتقد يمكن ان يتم حل الآن بوجود الرباعية والثلاثية، ويكون حلاً منتجاً، لكن هذا يتوقف على تصور قوى الحرية والتغير).
ورأى أن الصيغة التوافقية لا تأتي من الثلاثية أو الرباعية، قائلاً: (نحن نعتقد ان الدور الأكبر يتمثل في أن يتم الضغط على الانقلابيين لكي يقدموا تنازلات أكبر، وما طرح عبر اللجنة التسييرية لنقابة المحامين أساس معقول لتوافق عدد من القوى المدنية المهتمة بعملية استعادة مسار التحول المدني والديمقراطي).
وذكر أن المطلوب من الثلاثية أو الرباعية أن تضغطا على المكون العسكري بحيث يقدم تنازلات وينهي الانقلاب.
تحليل عميق
وتقرير السفير يظهر حالة العجز في الآلية بسبب عدم انسجام مكوناتها حول الرؤية السياسية لإدارة العلمية وأطرافها, وطرح ودلباد علمية سياسية تضم الجميع عدا المؤتمر الوطني المحلول، بينما يتمسك فولكر بإبعاد شركاء النظام البائد، وهو ما أدى إلى تفجر الأوضاع داخلها وانسحاب الاتحاد الإفريقي منها مؤقتاً.
وقال الممثل الخاص للاتحاد الافريقي لدى السودان محمد بلعيش: (إن الاتحاد الإفريقي لا يمكن أن يواصل في مسار لا يتبع الشفافية والصدق وعدم الإقصاء واحترام كل الفاعلين ومعاملتهم على قدم المساواة، والاتحاد لا يطلب أي دور ولا يعترض على أية طريقة يختارها السودانيون لترتيب بيتهم وحل أزمتهم، وقررت بناءً على توجيهات القيادة الإفريقية أنه مستقبلاً لا داعي لحضور اجتماعات التمويه والمراوغة وعدم الشفافية في جو إقصائي).
حديث السفير لم تمض عليه أيام حتى أعلن عودة الاتحاد مرة أخرى للآلية، لكن يؤكد فرضية أن الآلية بها إشكاليات واختلاف بين مكوناتها وليست على قبل رجل واحد.
أول امتحان للآلية الثلاثية كان في الثامن من يونيو الماضي، عندما عقدت جلسة إجرائية لملتقى الحوار (السوداني ــ السوداني) قاطعتها القوى الفاعلة، قبل أن تضطر لتعليق جلساته لأجل غير مسمى عقب لقاء بين الحرية والتغيير مع المكون العسكري، وقالت (قحت) وقتها إن الآلية الثلاثية ارتكبت خطأ كبيراً. وفي ذات الإطار أبلغت لجان المقاومة الآلية تمسكها بإسقاط الانقلاب العسكري ورفضها المشاركة في أية عملية سياسية تبقي على المكون العسكري في المشهد السياسي وتمسكت باللاءات الثلاث.
انحياز واضح
وبالمقابل تؤكد المحللة السياسية أسمهان اسماعيل لـ (الانتباهة) أن مبادرة الآلية الثلاثية المكونة من الاتحاد الافريقي وبعثة الامم المتحدة لدعم الانتقال والايقاد تسعى لتقريب الشقة بين الأطراف السودانية دون الانحياز لاية جهة، لتكوين حكومة مدنية شاملة تدعم الاستقرار في السودان، وقد تكون واجهت الثلاثية عقبات متمثلة في عدم اتفاق الفرقاء السودانيين حول مسألة الحوار في ما يتعلق بمسألة الحكم المدني، ولكن مع ذلك لم تتوقف الآلية وكانت ومازالت تبحث عن الحلول للم شمل السودان، ولكن بدون أية مقدمات تكونت مبادرة رباعية بتحالف كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية، وهي تحمل نفس أهداف الثلاثية، ولكن تميل بصورة واضحة لجماعة قوى التغيير، وتصر على تنفيذ برامجهم وطرحهم خاصة دستور لجنة المحامين، وهذا الانحياز الواضح للمبادرة الرباعية الذي استنكرته الآلية الثلاثية لن يقدم اي حال ناجع للبلاد، بل يعمق الهوة اكثر بين أطراف الشعب السوداني، وسيقسم المجتمع بين رافض ومؤيد، وهذا يعني استمرار أزمة الحكم كما هي.
وتشير أسمهان إلى أنه في حال ابتعدت الرباعية ستقوم الآلية الثلاثية بادارة حوار شامل بأقصى حد من التوافق وحتما سيقود لاستقرار البلاد. اما تدخلات الرباعية فلن تفضي لشيء سوى تعقيد الوضع السوداني وزيادة حدة عدم الاستقرار.