في وقت لا يزال البعض يذكر الحركة الشعبية جناح “عقار” والشعبية جناح “الحلو” في سياق توضيح الفرق في الحركة التي انقسمت في العام 2017 ولم تنجح الثورة التي أطاحت بالبشير في إعادة توحيدها، من الممكن أن يجد البعض نفسه قريبًا وهو يردد الحركة الشعبية جناح “عرمان”.
منذ صباح الإثنين تشتعل معركة البيانات والبيانات المضادة في وسائل الإعلام وفي الأسافير وهي بمنزلة مقدمة لانشقاق بات وشيكًا تحركه هذه المرة المواقف المتباينة من الانقلاب ومن مركزي الحرية والتغيير .
مقدمة انشقاق
صباح الإثنين استيقظ الجميع على بيان ممهور بتوقيع مالك عقار قال فيه إن الشعبية لم توفد أيًا من عضويتها لاجتماعات المجلس المركزي للحرية والتغيير وأن من يشاركون في اجتماعات التحالف المطالب بإسقاط الانقلاب لا يعبرون عن مواقف الحركة الشعبية وإنما يمثلون أنفسهم .
قال رئيس الحركة الشعبية، مالك عقار، إن الحركة لم توفد أياً من أعضائها للمشاركة في اجتماعات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، موضحًا أن أي عضو شارك فهو يمثل نفسه وليس الحركة.
وأضافت الحركة في بيان لها، إن موقفها وعلاقتها مع أي تنظيم أو مبادرة يحددها موقف ذاك التنظيم أو السلطة من اتفاق سلام جوبا دون تجزئة وتنفيذ بنودها. ومنذ انقلاب 25 أكتوبر الذي نفذه قائد الجيش الفريق أول البرهان واحتفظ في المقابل لرئيس الحركة الشعبية مالك عقار بمنصبه في عضوية السيادي، انخرط نائب رئيس الحركة ياسر عرمان في المعسكر المقاوم للانقلاب حيث تم اعتقاله مع قيادات الحرية والتغيير في ظل صمت كامل من رئيسه في الحركة وبعد خروجه من المعتقل تبنى خيارات الإسقاط مع رفاقه في تحالف التغيير وهو ما جعل وكأن الشعبية تتبنى موقفين متناقضين من قضية واحدة .
تمسك بالحرية والتغيير
منتصف نهار الإثنين كان عرمان وممثلو الحركة الشعبية في مركزي الحرية والتغيير يردون على رئيس الحركة عبر بيان قالوا فيه ” إن الحركة جزءٌ أصيلٌ من قوى الثورة السودانية، وإنها من المؤسسين لقوى الحرية والتغيير 2019، وأحد الموقعين على إعلان قاعة الصداقة في أغسطس الماضي، مؤكدين في المقابل تمسكهم القاطع بكل ما حققته اتفاقية جوبا للسلام وكل ما حققته من مكاسب لشعوب المناطق التي عانت من ويلات الحرب، وان اتفاقية السلام مرتبطة عضويًا بتحقيق التحول المدني الديمقراطي مضيفين منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر 2021 حتى الآن أن الحركة الشعبية لتحرير السودان ممثلة في جميع هيئات الحرية والتغيير ولجانها المتخصصة ولن يتغير ذلك.
وأكد أنها ستظل مع الشارع السوداني المناهض للانقلاب أمس واليوم ولا حياد في الاختيار بين الجماهير والشارع والانقلاب، وأنها ستستمر في مقاومة الانقلاب وفي العملية السياسية التي تؤدي إلى سلطة مدنية ديمقراطية وتحافظ على ما تحقق من سلام وتنفيذه واستكماله.
وأشارت إلى أن البيان المنسوب لمالك عقار مؤسف ولن يحظى بتأييد الغالبية الساحقة من قيادات وأعضاء الحركة الشعبية وجماهيرها وأصدقائها وندعوهم للتعبير عن رأيهم علنًا ولكل حادثة حديث.
استقالة وزيرة
صبيحة الثلاثاء بدأت وزيرة الحكم الاتحادي والقيادية في الحركة الشعبية “بثينة دينار” وكأنها تفك شفرة “أن لكل حادثة حديث” التي وردت في البيان وقالت دينار أنها تعتزم التقدم باستقالتها من منصب وزيرة الحكم الاتحادي، وقالت وزيرة الحكم الاتحادي، بثينة دينار، إنها سوف تتقدم باستقالة مسببة من منصبها. وعزت دينار التي شغلت المنصب استنادًا على اتفاق جوبا للسلام، ممثلة للحركة الشعبية لتحرير السودان شمال برئاسة مالك عقار، استقالتها لما وصفته بــ”الانحياز لقضايا الثورة ومطالب الشعب في السودان. وقال بيان مقتضب صادر عنها إن الاستقالة سيتم توجيهها إلى الدولة والحركة الشعبية. وسبق لرئيس مجلس السيادة أن احتفظ لوزراء الحركات المسلحة بمناصبهم بعد قرارات إصلاح المسار ومن بينهم دينار التي تمثل الشعبية .
واستقالة السيدة المبررة بدعم خيار التحول الديمقراطي تشير إلى نقطة أخرى مفادها أن رئيس الحركة قد اختار الطريق المناقض لتوجهات السودانيين ما بعد ديسمبر وتؤكدالاستقالة في المقابل أن دينار أقرب لمعسكر المجلس المركزي للمقاومة وهو المعسكر الذي يقرأ أنه معسكر “عرمان” في المعركة التي بدأت بوادرها تلوح في الأفق
مواجهة عقار وعرمان
ولا تبدو مواجهة “عرمان عقار” بعد قرارات أكتوبر هي الأولى حيث سبق وأن هاجم عرمان رئيسه في الحركة على خلفية تصريحات كان قد أطلقها قلل من خلالها من حراك ومقاومة الشباب في الشوارع للانقلاب وقال عرمان يومها موجهًا حديثه لعقار “نحن في الخرطوم بسبب نضالات ومقاومة هذا الجيل” وأن علينا احترام كفاحه في سبيل الوصول لسودان الحرية والسلام والعدالة
ويبرر عقار مشاركته في السلطة عقب الانقلاب على الوثيقة الدستورية بأنها رغبة في المحافظة على اتفاق السلام وهروبًا من العودة مرة أخرى لميادين الحرب وأن غرضها الأساسي هو تنفيذ الاتفاق ومبدأ الترتيبات الأمنية وهو أمر يرتبط عضويًا بالتواصل مع الجيش وقياداته محذرًا في الوقت نفسه بأن انهيار الاتفاق يعني انهيار عملية السلام وبالتالي العودة مرة أخرى لمربع الحرب بكل ما فيه من مآسي . وربما لهذا السبب فسر البعض صمت رئيس الحركة على اعتقال نائبه بواسطة الأجهزة الأمنية عقب الانقلاب بأن عقار لم يكن يرغب في مقايضة حرية عرمان باتفاق السلام وبالمزايا التي حصلت عليها الحركة بمجرد التوقيع عليه.
الداعمون لعقار
وتعزيزًا لحالة الانقسام في صفوف الحركة الشعبية “عقار” أصدر اللواء صديق المنسي باسل قائد الجبهة الثانية – مشاة في منطقة أولو- إقليم النيل الأزرق بيانًا أكد من خلاله دعم الجيش الشعبي لمالك عقار ودعم ما جاء في حديثه حول العلاقة مع قوى الحرية والتغيير وبحسب البيان فإن قيادة الجيش الشعبي ستقف سدًا منيعًا أمام محاولة البعض اللعب بمكتسبات السلام أو استخدامه في الكسب السياسي أو محاولة تعطيل تنفيذه بالادعاءات الباطلة؛ فأولئك الذين لم يذوقوا ويلات الحرب لا يعرفون عظمة أن يتوقف البارود ونزيف الدم؛ ولا يعرفون شظف العيش في الخنادق ولا عظمة الفقدان.
وهو البيان الذي يعزز فرضية أخرى وهو فرضية الانقسام بين العسكريين والسياسيين في بنية الحركة وهو نزاع سبق وأن حسمه عقار في وقت سابق لصالح المقاتلين في الميدان حين حدثت اختلافات بين عرمان والجنرال أحمد العمدة رئيس أركان الجيش الشعبي وحاكم إقليم النيل الأزرق وقتها اختار عقار العمدة على حساب عرمان .
الداعمون لعرمان
وأصدرت مكاتب وتنظيمات المهجر بالحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بيانًا حول بيان رئيس الحركة بخصوص المشاركة في تحالف قوى الحرية والتغيير قالت فيه يجب ألا تدير الحركة الشعبية ظهرها للشعب ووصفت التحالف مع الانقلابيين وتثبيت الانقلاب بمنزلة جسر لانقلاب الإسلاميين القادم وحددت مكان الحركة الطبيعي هو في مقدمة الصفوف بين بنات وأبناء شعبنا الثائرين في مواجهة الانقلاب.
واضافت الحركة الشعبية لا تملك رّفاهية تكرار أخطاء الماضي؛ ومصداقية مشروعها الآن على المحك مؤكدة لا سلام في ظل الدكتاتورية، ولا ديمقراطية بلا سلام وفي ظل الحروب.
وكشف البيان عن حالة انقسام، ظل لفترة غير معلّن، نتيجة للاختلاف حول الموقف من الانقلاب العسكري منذ يومه الأول؛ بين الغالبية االساحقة من أعضاء الحركة الشعبية داخل وخارج السودان التي ترى أن مكان الحركة الطبيعي هو في الوقوف مع الشارع وقوى الثورة المدنية والسياسية في مواجهة الانقلاب، وبين رئيس الحركة وبعض مؤيديه والذين يرون الاستمرّار في الشرّاكة مع الانقلابيين بدعوّى تنفيذ اتفاقية السلام .
مواجهة الانقلاب
كل الدلائل والأحداث الراهنة التي انطلقت ببيان رئيس الحركة والذي أعقبه الرد من ممثليها في قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” مع خطوة الوزيرة دينار في اتجاه تقديم الاستقالة من السلطة وبيان الدعم الصادر عن قيادة الجيش لعقار وبيان المهجر الذي كشف بعض من التفاصيل تؤكد على فرضية واحدة وهي أنه وبعد طول انتظار وبعد أن تبرأ مالك عقار من قادة الحركة المشاركين في تحالف الحرية والتغيير المناهض للانقلاب، في وقتٍ تمسك نائبه ياسر عرمان بالبقاء في التحالف لتصبح معركة الانقلاب ومواجهته هي الثقاب الجديد الذي سوف يحرق وحدة الحركة الشعبية المنقسمة على نفسها بين “الحلو وعقار” وهو أمر من شأنه أن يعزز حالة الشقاق العام في سودان ما بعد الانقلاب ويضع الجميع في مواجهة تعريفات جديدة “الحركة الشعبية جناح الحلو” والحركة الشعبية جناح “عرمان المنشقة عن الحركة الشعبية جناح مالك عقار