▪️العالم دخل مرحلة بالغة الخطورة والتعقيد نتيجة الصراع الاستراتيجي الذي يجسد ظاهره الحرب الروسية الاوكرانية وباطنه الصراع الاستراتيجي بين الغرب والشرق، والذي تجلى في استخدام أدوات الردع الاستراتيجي ومنها الحرب الاقتصادية في أخطر ملفاتها بما في ذلك حرب الطاقة والغذاء فضلاً عن حرب النظام النقدي ودخول عملات وأنظمة جديدة للتعامل المالي الدولي بحانب العملة الرقمية والتهديد باستخدام الأسلحة الاستراتيجية والحروب الذكية وغير ذلك مما يشكل ضربة البداية لتغيير موازين القوى دولياُ، ونهاية السيطرة المالية والسياسية لصالح البعض، وهو وضع من الخطورة بمكان بحيث لا يمكن التعاطي معه دون رؤية استراتيجية..
▪️إن الموقع الجيوسياسي للسودان مقرونا مع إمكاناته الكبيرة لإنتاج ونقل الغذاء والطاقة والمعادن الصناعية والاستراتيجية، في ظل هذه الأوضاع المذكورة، تشكل فرصة ماسية للسودان للقفز بالزانة وتعويض سنوات الفشل وإحداث اختراق كبير للخروج من الازمة نحو وضع اقتصادي يضع السودان ضمن قوى جيوسياسية اقتصادية مؤثرة، والخروج من محاولات الوصاية عليه عبر مدخل الابتزاز الناجم عن سلسلة أدوات الصراع التي مورست ضده ومنها العقوبات الآحادية ومنهج صناعة الأزمة وغيرهما، التي تجعل السودان دائما أسيراً تحت ضغوط التردي الاقتصادي وضغط الشارع والإغراء بتوفير المال والسلع الاستراتيجية.
▪️كل تلك التحولات التاريخية تجري حولنا ولا زالت الساحة السياسية تنتهج ذات منهج التفكير التقليدي مشغولة بذات الأجندات والمصالح الضيقة والصغيرة .. لا زالت دون رؤية، تبحث عن المال في الخارج، تطالب باستحقاقاتها من الموارد ولا تعرف كيف تصنع الموارد، لا تزال بعض القوى السياسية المسنودة بدعم خارجي، تسعى للاستمرار في تخطي الإرادة الشعبية والسعي لإعادة اختطاف الثورة السودانية وفرض أجندات لا علاقة لها بالثورة ولا بمصالح السودان، لا تزال واقعة في فخ الابتزاز.
▪️آن الأوان لأن نستفيق ونستوعب المشهد الدولي وان نستوعب بأن العالم لا تحكمه الملائكة وان نخرج من دائرة البراءة السياسية تجاه الحلول والتدخلات الخارجية وأن ندرك بان العديد من الأدوات الفاسدة ظلت تستخدم من قبل البعض لتخطي الإرادة السودانية وتجهيز الدولة للابتزاز والسيطرة على مواردها فضلاً عن إتمام عملية إعادة هيكلة للسودان بمرجعيات فكرية خارجية تعبر عن أجندات ومصالح خارجية.
▪️إن ضخامة المصالح الخارجية في السودان وسبل تحقيقها لصالح الأجنبي تتقاطع في كثير من الجوانب مع وجود رؤية وطنية واعية والتحام وطني يعزز قدراتنا التفاوضية، يعزز ذلك إنهيار السياج الأخلاقي والقيمي الذي بدا واضحاً للعيان في الساحة الدولية في السنوات الماضية.
▪️وعلى العكس تماماً فإن ضخامة المصالح الوطنية التي يمكن أن يحققها السودان
تفرض حتمية حل الأزمة والتأسيس لصناعة المستقبل السوداني في الداخل بإرادة سودانية، كما أن تعقيدات المسرح الدولي والإقليمي وما يفرزه من مصالح استراتيجية ضخمة، يعزز من حتمية الحل في الداخل.
▪️علينا أن نثق في أنفسنا كسودانيين وأن نتوافق على أن مبدأ حل الأزمة السودانية عبر السودانيين هو أمر يتعلق بالأمن القومي وأمن المستقبل.
وأن ندرك بأن بلورة الإرادة الوطنية لا يمكن أن يتم بعون خارجي، وأن ندرك كذلك بأن المحاولات السابقة ( لحل ) الأزمة والتي أضرت بالسودان كثيراً، قد تمت في ظروف وحيثيات تاريخية معينة، فالواقع الحالي مختلف ويضع القلم في أيدي السودانيين ليقوموا وبإرادتهم بكتابة وثيقة مستقبلهم وتحديد مصالحهم.
▪️لن ينتهي هذا العقد إلا واستقر نظام عالمي جديد بتوازنات دولية جديدة وقواعد جديدة للعلاقات الدولية، وبالرغم من أن أحداً لا أحد يعرف على وجه الدقة شكل النظام الذي بدأ تشكله حاليا، إلا أن الحقيقة غير القابلة للنقاش هي أن إفريقيا ستكون في قلب التوازنات الدولية الجديدة، فإما أن يبادر الأفارقة ونحن منهم برؤى جدية ومحكمة ويضعوا هذه القارة الفتية في الموقع الذي تستحق، أو يبادر الآخر برؤيته هو ومصالحه هو، وتستمر المأساة… الخيار خيارنا والحل بأيدينا.
⭕ أمام السودان الآن فرصة ذهبية للانطلاق السريع نحو تحقيق نهضة شاملة والعبور فوق الفقر والضعف والهوان.. انطلاق سريع يقوم على:
▪️إنتاج الغذاء.
▪️عملة قوية محمية بالذهب.
▪️إنتاج الطاقة.
▪️وإدارة ذكية للموقع الجغرافي.
⭕ يفصل بيننا وهذه الفرصة التاريخية:
▪️ الخروج من حالة الانهزام النفسي وتعزيز ثقتنا في أنفسنا وفي حكماء وعلماء وخبراء ومبدعي السودان .
▪️ تغيير منهج التفكير
▪️إعمال تفكير كبير يناسب مواردنا البشرية والمادية والمزايا الجغرافية،
▪️ومن ثم التوقف عن الأجندات الصغيرة وصراع الكراسي.
▪️ تأسيس العقل الاستراتيجي للدولة.
⭕ ولعل المدخل المناسب لتحقيق ذلك هو بلورة الإرادة السودانية وعقد العزم من خلال الالتفاف حول المبادرة الوطنية الشاملة لمجلس حكماء السودان.
أ.د. محمد حسين أبوصالح
أستاذ التخطيط الاستراتيجي القومي
11 مارس 2022