تدفع خلافات المدنيين والحركات المسلحة في السودان نحو تعقيد مسألة تشكيل الحكومة برئاسة عبدالله حمدوك الذي يسعى لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة بخلاف ما تنص عليه بنود ملف السلطة والثورة لاتفاق جوبا للسلام على مستوى تمثيل الجبهة الثورية الموقعة على الاتفاق في السلطة التنفيذية.
تحول اتفاق جوبا للسلام إلى قنبلة موقوتة تواجه ما سمى بالاتفاق السياسى مع مساعي عبدالله حمدوك لتشكيل حكومة اطلق عليها كفاءات مستقلة، في وقت تنص فيه بنود ملف السلطة والثروة على تمثيل الجبهة الثورية الموقعة على الاتفاق في هياكل السلطة التنفيذية، ما يمثل عقبة في طريق الخروج من نفق المحاصصة السياسية التي قادت إلى تعقيدات المشهد الحالي.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن حمدوك بدأ مشاورات مع عدد من القوى السياسية وقادة الحركات المسلحة للاتفاق على تشكيل حكومي جديد دون الاعتماد على الوجوه التي انخرطت في الخلافات السابقة، ولن تكون مقبولة لدى قطاعات شعبية واسعة، مستهدفا طرح أسماء توافقية تسهم في تهدئة الشارع الرافض للاتفاق السياسي المُوقع في الحادي والعشرين من نوفمبر الجاري.
وأكدت المصادر ذاتها أن حمدوك يسعى لإقناع قادة الحركات بالتوافق على شخصيات ذات كفاءة في مجالات إدارية واقتصادية، على أن يسبق ذلك تقديمها مبادرات تعيد الثقة المفقودة بينها وبين المكون المدني، بما يسمح بتشكيل حكومة على أسس متفق عليها بين الجميع، وسيُجري مشاورات موسعة مع كفاءات داخل مؤسسات أكاديمية وبحثية للوصول إلى أسماء مقبولة من الحركات المسلحة والقوى السياسية.
وأعلن حمدوك البدء في مشاورات لتشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، وأنه التقى مدراء الجامعة السودانية وجرت محادثات لتشكيل حكومة من كفاءات وطنية مستقلة.
وتواجه مهمة حمدوك مشكلات يتوقع أن تقود إلى عرقلة خروج حكومته الجديدة إلى النور قريبا، لأن الحركات التي انحاز بعضها بشكل ضمني والآخر بشكل صريح لقرارات قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي ترفض التنازل عن مكتسباتها في السلطة، حيث خسرت جزءا من شعبيتها في الولايات، وتعول على أن يكون وقوفها مع الجيش مقدمة لتصبح حاضنة سياسية بدلاً من قوى الحرية والتغيير.
ويرى مراقبون أن قادة الحركات يدركون أهميتهم في المعادلة الحالية لأن اتفاق جوبا للسلام يحظى بدعم دولي، كما أن الجيش أو القوى السياسية لن تجازف بالعودة إلى المربع الأول للتفاوض، كما أنها طرف يمتلك سلاحا وسط رخاوة أمنية وسياسية في البلاد.
ودفع ذلك قائد حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي إلى التهديد أخيرا بالعودة إلى أوضاع الحرب عندما قال “إن شراكة الحركات المسلحة مع الجيش مبنية على اتفاق جوبا للسلام وإذا انفضت هذه الشراكة فإن هذا يعني الحرب الشاملة”.
ولن يكون سهلاً على حمدوك معالجة الجراح الغائرة بين المدنيين والفصائل المسلحة، لأن حركات الجبهة الثورية المنضوية تحت لواء قوى الحرية والتغيير هيأت الأوضاع لانقلاب الجيش على السلطة بعد أن انسحبت من التحالف الحكومي وقادت اعتصام القصر الذي وظفه الجيش للعودة إلى نقطة الصفر.
ولا تحظى توجهات حمدوك نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة بقبول القوى السياسية التي تسعى للعودة الكاملة إلى أوضاع ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر، ومتوقع أن تكون ردة فعلها قوية حال فشل في إقناع الحركات المسلحة بالتخلي عن الوزارات المخصصة لها في الحكومة السابقة.
وتمتلك الحركات المسلحة ست وزارات في الحكومة السابقة، ووزارة سابعة من نصيب مسار الشرق لم يجر التوافق حول تسميتها ما يمثل ثلث الحكومة تقريبًا، فيما سيطرت قوى الحرية والتغيير على 17 وزارة، ويعد ذلك السبب الرئيسي لتمسكها برفض حل الحكومة السابقة.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم محمد خليفة صديق إن الحركات المسلحة بيدها نزع فتيل الأزمة القائمة بترشيح كفاءات ليست لها عضوية رسمية داخلها على أن تكون محسوبة عليها في النهاية، أو يكون اختيار رئيس الوزراء نفسه لشخصيات أكاديمية ومهنية معروفة بولائها لحركات مسلحة
هل تحافظ الأطراف السياسية على الاتفاق
وأضاف لـ”العرب” أن حمدوك سيكون أكثر تشدداً في مواقفه الساعية لوقف حالة الحزبية المسيطرة على الحكومة، لكنه يصطدم برفض حزبي واسع وستكون هناك فجوة في التفاهمات بين الحركات المسلحة والقوى المدنية، الأمر الذي يتطلب المزيد من الحصافة السياسية في اختيار المرشحين، وأن تكون هناك شخصيات لديها خبرات إدارية وسياسية وليست كفاءة مهنية فقط.
وأوضح أن الوضع الراهن بحاجة إلى تنازلات من القوى السياسية لينصب تركيزها على التمثيل الواسع في المجلس التشريعي، والقيام بأدوار رقابية على الحكومية، بجانب إمكانية مشاركتها في المفوضيات والحكومات المحلية في الولايات والمدن والبلديات والتي تقوم بأدوار مهمة على مستوى التواصل مع قواعد شعبية كبيرة.
ويشير متابعون إلى أن إبعاد قوى الحرية والتغيير عن الوثيقة الدستورية في ظل بقاء اتفاق جوبا للسلام يجعل هناك نوعا آخر من المنافسة السياسية بين الطرفين، بعد أن كانت الأولى تحظى بالقدر الأكبر من المكاسب، وأن غياب التوازن المطلوب بينهما يقود إلى مزيد من المشكلات في الفترة المقبلة، لأن الشارع ينظر إلى الحركات المسلحة باعتبارها طرفًا داعمًا للانقلاب العسكري، ولا تمثل القوى الثورية التي تنشط على نحو واسع وتقود حراكاً قويًا ضد السلطة القائمة.