السودان والولايات المتحدة يضعان أسس شراكة عسكرية وسياسية

بدأ السودان والولايات المتحدة وضع أسس شراكة عسكرية وسياسية بينهما وبات جليا أنه يوما بعد يوم يقترب البلدان بشكل مضطرد، خاصة بعد اكتمال عملية رفع اسمه من لائحة الإرهاب من قبل الإدارة الأمريكية السابقة التي دعمت عملية التغيير التي جرت والرئيس ترامب في سدة الحكم، وهو الذي لم يعق الرياح الدولية من ان تهب في أشرعة حكومة الشراكة بين السياسين والعسكريين،

وارتفعت وتيرة العلاقة مع قدوم الإدارة الجديدة التي استمرت في دعم الخرطوم سياسيا وعسكريا، لدرجة استقبال الخرطوم لنائب القوات الأمريكية في أفريقيا السفير اندرو يونغ، الذي كتب الأسبوع الماضي في الموقع الرسمي للخارجية الأمريكية في مقاله الذي عنونه «استكشاف شراكات أمنية جديدة مع السودان» واصفا السودان بانه شريك عسكري ومدني للولايات المتحدة. وقال يونغ في مقاله الاستراتيجي «جنبًا إلى جنب مع الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون في السودان، نسعى جاهدين لبناء شراكة بين جيوشنا ونمذجة أهمية التعاون المدني العسكري».

القرض التجسيري:

وقالت الخزانة الأمريكية «تقديراً للتقدم الذي أحرزه السودان، قدمت وزارة الخزانة الأمريكية، تمويلاً تجسيرياً في نفس اليوم بنحو 1.15 مليار دولار لمساعدة السودان على سداد متأخراته في البنك الدولي، من دون أي تكلفة على دافعي الضرائب الأمريكيين. وتعد خطوة مهمة في تطبيع علاقة السودان مع المجتمع الدولي، ‏وستحفز الجهود المبذولة لدفع تخفيف الديون في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، مما يضع الأساس لنمو اقتصادي مستدام طويل الأجل لصالح الشعب السوداني».
بينما قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين: «تستحق الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية في السودان الثناء على قيامها بإصلاحات صعبة ولكنها ضرورية لاستعادة عقدها الاجتماعي مع الشعب السوداني».
وأضافت: «تسوية المتأخرات المستحقة للبنك الدولي، إجراء من شأنه أن يدفع السودان خطوة أخرى نحو تأمين تخفيف عبء الديون ‏الذي تشتد الحاجة إليه ومساعدة الأمة على الاندماج في المجتمع المالي الدولي».
وأكدت أن وزارة الخزانة الأمريكية ستواصل العمل مع الشركاء الدوليين لدعم أجندة الإصلاح في السودان والجهود ‏المبذولة لتأمين تخفيف الديون في عام 2021.

ثمار الإصلاحات

وقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في الحفل الذي أقامه البنك الدولي أمس الأول عبر الفيديو كونفرنس «الآن بدأنا نجني ثمار الإصلاحات، ومنها على سبيل المثال استقرار في سعر الصرف، والآن البدء في عملية إعفاء الديون وسداد المتأخرات. وها نحن نستشرف العهد الذي ننعم فيه بمزايا عديدة كانت مسلوبة، ونتمتع بحقوق متنوعة كانت محجوبة، ويمنحنا مثل هذا الإعفاء الذي يدخل حيز النفاذ الآن، الفرصة لفعل ذلك، وبزيادة تواصلنا مع العالم بشفافية ووفق شراكات واضحة يكون الفتح المرتقب في ربط الاقتصاد بالأسواق العالمية كمدخل لزيادة الاستثمار المحلي والأجنبي والإنتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل خاصة للشباب» وتابع حمدوك «الشكر أجزله لحكومة وشعب الولايات المتحدة الأمريكية والذي ساهم بالقرض التجسيري والذي يبلغ مليار ومئة وخمسون مليون دولار تتيح للسودان الحصول على إثنين مليار دولار كمنحة من وكالة التنمية الدولية ويفتح آفاقا للتعاون مع المؤسسات المالية العالمية الأخرى، والشكر أيضاً للبنك الدولي على المنحة القيمة والتي استخدمت في سداد القرض التجسيري». وزاد «هذا الدعم الكبير والمتواصل في مجالات عدة من الولايات المتحدة ومن البنك الدولي ومن شركائنا وأصدقاء السودان هو نتاج لنضال الشعب السوداني وثورته الملهمة نحو الحرية والسلام والعدالة والتي مهدت الطريق لاستعادة كرامة ومكانة الشعب السوداني واحترامه لدى العالم وها هي الأبواب تفتح باباً تلو الآخر لعودة السودان كعضو فاعل في المجتمع الدولي».

شراكة استثمار:

ومن الواضح جدا ان الولايات المتحدة رمت بكل ثقلها خلف عملية التغيير التي تجري فصولها على أرض السودان بقيادة المدنيين والعسكريين وهو الأمر الذي بدأ يتجاوز مسألة رفع العقوبات الاقتصادية والمساهمة في خروج الاقتصاد السوداني – كان تداعيه أحد أسباب خروج السودانيين للشارع في ثورة عظيمة للإطاحة بالبشير- عبر الاستثمار الأمريكي في هذا التغيير بتحويل السودان إلى شريك سياسي وعسكري للولايات المتحدة

ووفق ما كتب السفير اندرو يونغ في مقاله المشترك مع مارك شابيرو، مستشار السياسة الخارجية للقوات البحرية الأمريكية في أوروبا وأفريقيا. يقول الكاتبان في مقالهما في موقع الخارجية الأمريكية الأربعاء الماضي الذي حمل عنوان «استكشاف شراكات أمنية جديدة مع السودان»: «تواجه حكومة السودان تحديات أمنية كبيرة أثناء السير في الطريق الصعب نحو الديمقراطية والحكومة التي يقودها المدنيون؛ تعكس زيارتان أخيرتان قام بهما دبلوماسيون من وزارة الخارجية تم تكليفهم بالقيادة الأفريقية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (أفريكوم) اهتمام الولايات المتحدة بتطوير شراكات أمنية جديدة بينما يعمل القادة السودانيون على بناء أساس حكومة ديمقراطية محورها المواطن». وتابع اندرو يونغ «أرست اتفاقية جوبا التاريخية للسلام، الموقعة في 3 تشرين الأول/اكتوبر 2020 الأسس المهمة لإنهاء النزاعات المستمرة منذ عقود في السودان. وفي الوقت نفسه، تقدم فرصًا جديدة للشراكات الأمريكية السودانية،


وأوضح يونغ في المقال نفسه «أثناء وجودنا في الخرطوم، التقينا برئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقادة من المجتمع المدني السوداني. كما التقينا مع كبار القادة العسكريين السودانيين بمن فيهم رئيس الدفاع اللواء محمد عثمان الحسين، ووزير الدفاع اللواء ياسين إبراهيم ياسين. ركزت مناقشاتنا على جهود السودان لبناء جيش بقيادة مدنية أكثر قدرة وشفافية وخضوعا للمساءلة». وزاد «من بين الأدوات الرئيسية التي ناقشناها لتطوير شراكة عسكرية مستقبلية مع الولايات المتحدة البرنامج الدولي للتعليم والتدريب العسكري IMET.

هذا البرنامج، الذي تموله وزارة الخارجية وتنفذه وزارة الدفاع، يجلب القادة العسكريين الواعدين إلى الولايات المتحدة لبرامج التعليم العسكري. في يوم من الأيام قريبًا، قد يمول معهد التعليم والتدريب العسكري الأفراد العسكريين السودانيين للدراسة في الولايات المتحدة حول قضايا مثل القضاء العسكري والسيطرة المدنية على الجيش وإدارة الموارد الدفاعية. سوف يدرس الطلاب السودانيون أيضًا جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الأمريكيين في دورات التعليم العسكري المهنية ويتعلمون أفضل الممارسات. تبني IMET علاقات شخصية ومهنية طويلة الأمد يمكن أن تفيد العلاقات الدبلوماسية لعقود قادمة».

مشاركة بحرية أمريكية مع السودان

وركز مارك شابيرو، مستشار السياسة الخارجية للقوات البحرية الأمريكية في أوروبا وأفريقيا بدوره في المقال على المرحلة اللاحقة لزيارة اندرو يونغ حيث يقول «بعد زيارة السفير يونغ، كان المكون البحري لأفريكوم، القوات البحرية الأمريكية في أوروبا وأفريقيا (NAVAF) قام بأول مشاركة بحرية أمريكية مع السودان منذ أكثر من 30 عامًا. تضمنت هذه المشاركة زيارات سفينة إلى بورتسودان من قبل يو إس إن إس كارسون سيتي، تليها يو إس إس ونستون إس. تشرشل». وتابع «جنبًا إلى جنب مع الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون في السودان، نسعى جاهدين لبناء شراكة بين جيوشنا ونمذجة أهمية التعاون المدني العسكري. خلال زيارة الميناء، انضممت إلى وفد من القادة العسكريين الأمريكيين بقيادة الأدميرال مايكل بايز، مدير المقر البحري لـ NAVAF الأسطول السادس للولايات المتحدة، الذي واصل المحادثات التي بدأت خلال زيارة السفير يونغ لمزيد من استكشاف فرص العمل معًا وإرساء أساس من أجل علاقة ملتزمة بالأمن والاستقرار الإقليميين». وأضاف «رحب بنا مضيفونا السودانيون بحرارة وأعربوا عن التفاؤل بشأن الوعد بعصر جديد في التعاون الأمني لتعزيز الأمن البحري في البحر الأحمر. ناقشنا الخطوات التالية لتوسيع التعاون، بما في ذلك تعهد السودان بحضور تمرين Cutlass Express متعدد الأطراف في وقت لاحق من هذا العام بصفة مراقب».

ومن ما سبق يظهر ان الولايات المتحدة راغبة للغاية في الدخول مع شراكة مع السودان لتعزيز وجودها في المنطقة إلى جانب إخراج غريمتيها روسيا والصين اللذان تمددا في وسط وشرق أفريقيا في سنوات حكم البشير الذي كان يناصب واشنطن العداء. لكن مسؤولا عسكريا كان على هامش اللقاءات مع القيادات الأمريكية التي زارت الخرطوم بكثافة الشهر الماضي قال لـ»القدس العربي» الأسبوع الماضي «واشنطن أبدت رغبة كبيرة في ان يكون لها وجود على ساحل البحر الأحمر وتحديدا في (ميناء عقيق) الواقع على الجنوب من ساحلنا الطويل، ونحن طالبنا ان نعرف ما الذي سينوبنا من هذه الشراكة ومن هذا الوجود على أراضينا؟ هم لم تكن لديهم إجابات واضحة ما أوقع كثيرا من الربكة»