يبدو أن الماضي الأسود لحركة النهضة التونسية عاد ليلاحقها من جديد بعد أن أعلن القيادي المستقيل منها، عبد الحميد الجلاصي، عن تحمله مسؤولية أحداث باب سويقة الإرهابية التي وقعت في تونس في التسعينيات، وتورطت فيها الحركة. وقال الجلاصي في حوار مع تلفزيون “التاسعة”، إنه يعتذر للتونسيين، ويتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية فيما حصل بغض النظر عن مواقفه آنذاك، وذلك باعتباره كان قياديا فيها في أواخر الثمانينيات.
وتأتي هذه الاعترافات على خلفية الشهادة التاريخية التي أدلى بها أحد المنتمين للحركة سابقا، كريم عبد السلام، في حوار لراديو “شمس فم” في تونس، وكشف فيها كيف صنّعت الحركة الأسلحة في أواخر الثمانينيات، وهاجمت مقر الحزب الحاكم وقتها وتسببت في حرقه، ومقتل الحارس داخله، وحمّل زعيمها راشد الغنوشي المسؤولية، وطالبه بالاعتذار للشعب التونسي.
عملية باب سويقة وحركة النهضة:
الشهادة التاريخية الصادمة التي أدلى بها أحد أعضاء حركة النهضة كريم عبد السلام، مهندس ومخطط ما يعرف بعملية “باب سويقة الإرهابية”، أثارت جدلا واسعا ورجحت لدى المراقبين والمحللين والرأي العام فرضية توجه حركة النهضة للعنف كل ما ضاق عليها الخناق سياسيا.
ورأت الأستاذة الجامعية والكاتبة ألفة يوسف في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الشهادات على دموية حركة النهضة كانت في السابق تأتي من خارج حركة النهضة في شكل اتهامات من معارضيها، وقد أصبحت اليوم ترد في شكل “نوع من أنواع الاعتراف بالذنب والخطأ و يتم كشفها من الداخل، حتى أن هذه الشهادات تأتي اليوم من داخل الحزب من شخصيات قامت بمراجعة ذاتية لمواقفها وأيديولوجيتها والأفعال التي ارتكبوها، وتأتي في مرحلة تعرف فيها الحركة الإخوانية ضعفا وتراجعا كبيرا في شعبيتها بعد فشلها خلال عشر سنوات من الحكم في تونس”.
وبدوره أكد الناشط السياسي وأمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي أن ماضي حركة النهضة يلاحقها وقد استعملت فيه العنف من أجل الوصول إلى أهدافها السياسية، منبها إلى عدم استحضار تلك الأحداث العنيفة التي تورطت فيها النهضة لتصفية حسابات سياسية حالية في هذه المرحلة الدقيقة من الانتقال الديمقراطي، لأن ذلك من شأنه أن يغرق البلاد في مزيد من الفتن الداخلية.
ومن جهتها أوضحت الأستاذة في تحليل الخطاب السياسي سلوى الشرفي في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الإشكالية مع حركة النهضة والإخوان كانت دائما معلقة بالجانب العنيف والسري الذي تنتهجه، فضلا عن عدم كشف قياداتها عن حقيقة الجهاز السري لحركة النهضة الذي يبدو أنه مازال ينشط منذ ثلاثين عاما ويتورط في أحداث عنف، فضلا عن ارتكاب الاغتيالات. وبيّنت الشرفي أن إصرار النهضة على نفي ماضيها العنيف يعني أنهم لا ينوون التغيير في أساليبهم، وسيلجأون للعنف كلما اضطرهم الوضع إلى ذلك.
الغنوشي يرد:
من جانبه اعتبر رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي أن كل ما ينشر من حقائق تاريخية “محاولات لتحويل حركة سياسية إلى قضية أمنية وربطها بالإرهاب من قبل من فشلوا في مواجهة الحزب السياسي بصناديق الاقتراع”.
ويعتبر مراقبون أن النهضة لم تغير سياساتها العنيفة رغم ما تدعيه من كونها حركة مدنية، فبعد سنوات من تورطها في جريمة باب سويقة مازال العنف قائما في خطابات عدد من منتسبيها وقواعدها وجناحها ائتلاف الكرامة، وتلاحقها التهم بالتحريض والتكفير وممارسة العنف.