الخرطوم- وجد المكون العسكري في حل أزمة شرق السودان مدخلاً مهمًا يمكن أن يساعده على تقديم نفسه كطرف حقيقي يسعى للحل السياسي وإنهاء عثرات الفترة الانتقالية، ما انعكس على حجم الجهود التي بذلها في الملف الذي يحظى باهتمام إقليمي ودولي، وتشكل قدرته على التعامل مع الشرق انتصاراً معنويًا في مواجهة قوى مدنية تظهر كطرف رافض للحوار وتتعرض إلى مشكلات لعدم قدرتها على توحيد مواقفها.
أدت لجان المجلس الأعلى للإدارات الأهلية بشرق السودان والمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة ولجنة الوساطة والمسهلين، الخميس، القسم أمام نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي رئيس اللجنة العليا المشكلة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) لإيجاد حل ناجع للوضع في الشرق لمباشرة المهام والاختصاصات الجديدة.
وأكد دقلو أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد خطوات جادة وعملية تصبّ في مصلحة أهل الشرق، وتعهد بالوقوف على الحياد تجاه كل الأطراف للحفاظ على الروابط والعلاقات التي تجمع أبناء شرق السودان بعيدا عن أيّ مؤثرات.
وتعد الخطوة مقدمة لجلوس الأطراف المتصارعة في الإقليم منذ التوقيع على مسار الشرق ضمن اتفاق جوبا للسلام على طاولة مفاوضات واحدة للوصول إلى صيغة تقبل بها كافة المكونات القبلية والسياسية، وتفتح الباب أمام إمكانية إدخال تعديلات على المسار بالتوافق بين كافة القوى الفاعلة.
لم يصدر عن الجبهة الثورية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مواقف مؤيدة أو معارضة للاتفاق، ويعبر ذلك عن اتجاه سائد داخلها يقضي بالتوجه نحو الحفاظ على المكتسبات التي حققتها القوى الموقعة عليه مع منح مكاسب جديدة للقيادات الأهلية والمجلس الأعلى لنظارات البجا، الأمر الذي يجعل هناك واقعية في قبول إدخال تعديل على الاتفاق الموقع في أكتوبر عام 2020.
يرى مراقبون أن الوصول إلى تفاهمات مع الجبهة الثورية التي تشارك مع المكون العسكري في السلطة الحالية وقبوع قياداتها على رأس عدد من الوزارات وحضورهم في المجلس السيادي أسهل كثيراً من التوافق مع القوى المدنية والثورية في الشارع.
وبات الذهاب باتجاه حلحلة أزمة الشرق أمرا ممكنا، خاصة عندما تكون هناك صيغة ترُضي الأطراف القبلية والإدارات الأهلية التي لديها مواقف مؤيدة للجيش منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي الذي اعتبرته بمثابة “مسار تصحيحي”.
وتعتقد دوائر قريبة من المكون العسكري في السودان أن تهيئة البيئة المواتية لحل أزمة الشرق تدعم ثقته في أصحاب المصلحة والقبائل ذات الثقل الاجتماعي في الإقليم، وتستقطب فئات لديها رغبة في الخروج من المأزق السياسي بأقل الخسائر، كما أن القسم أمام نائب رئيس مجلس السيادة يمنح مشروعية للسلطة العسكرية الموجودة حاليًا والتي تقبض على زمام أمور متعددة.
وتدعم جهود حل أزمة الشرق حال نجاحها رؤية القادة العسكريين الذين يُصرّون على أن يكون هناك حوار سياسي بين القوى والأحزاب الفاعلة في المشهد باستثناء حزب المؤتمر الوطني المنحل بما يخلق وضعًا تفاوضيًا يخدم تمرير ما تبقى من المرحلة الانتقالية على أسس قاموا بوضعها للبقاء على رأس السلطة إلى حين إجراء الانتخابات.
وأكد القيادي بالجبهة الثورية التوم هجو، أن بدء عمل لجان حل أزمة شرق السودان مقدمة لإحداث انفراجة سياسية في الإقليم، وتشير إلى تقدم في الاتجاه الصحيح، على الرغم من الدخان الكثيف حول استحالة تحقيق الاستقرار هناك، ما يؤكد وجهة النظر التي ترى أن ما جرى في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي خطوة تصحيحية نتيجة تجاذب الأجندات ووصولها إلى مرحلة متقدمة في الصراع على السلطة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المكون العسكري يبعث وراء إلقاء ثقله السياسي لحل أزمة الشرق برسالة مفادها أن عراقيل الوصول إلى تفاهمات بين المكونات سببها الأجندات الخاصة بالقوى السياسية التي هيمنت على الحكومة السابقة، والتأكيد على أن التقدم الحاصل في الشرق قابل للتكرار في كافة قضايا السودان العالقة وصولاً إلى مرحلة إجراء انتخابات نزيهة يشرف عليها العالم كله لقطع أيّ تشكيك في نتائجها.
التوم هجو: بدء عمل لجان حل أزمة شرق السودان مقدمة لإحداث انفراجة سياسية في الإقليم
يمكن النظر إلى قرار تشكيل قوات مشتركة في ولايات دارفور كمقدمة لإيجاد مخرج لأزمات الغرب أيضَا، وهناك قناعة لدى المكون العسكري أن دمج قوات الحركات المسلحة داخل الجيش النظامي مع توظيف العناصر التي جرى تسريحها في مناصب إدارية وإنتاجية داخل الجيش كفرصة مواتية لتهدئة دائمة للتوترات.
وتشير تطورات الأوضاع في السودان على مستوى إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بادين تعيين سفير في الخرطوم لأول مرة منذ فترة، وتجدد الخلافات في صفوف تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، مع انسحاب تحالف القوى المدنية، إلى حالة من الانتشاء تسيطر على المكون العسكري تجعله أكثر حماسا لحصار أزمات الهامش، مستفيدا من هذه الأجواء التي يعمل على استثمارها.
وأعلن البيت الأبيض، الخميس، عن ترشيح جون غودفري، القائم بأعمال مبعوث مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، لشغل منصب السفير الأميركي في السودان، في الوقت الذي تمضي فيه الأمم المتحدة عبر بعثتها الدبلوماسية للوصول إلى تفاهمات بين المدنيين والعسكريين لإجراء حوار مباشر بين الطرفين من دون الإطاحة بأيّ طرف شارك في المرحلة الانتقالية منذ ثورة ديسمبر وإسقاط نظام عمر البشير.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن حل أزمة الشرق يصب في مصلحة السودان بوجه عام، ويحقق مصالح وأهداف قوى إقليمية ودولية لديها رغبة في تهدئة الصراعات على ساحل البحر الأحمر مع وجود قبائل تنتشر على طول 300 كيلومتر على الساحل، وفي الموانئ المطلة على هذه الممر الحيوي، إلى جانب حدود إقليم الشرق مع مصر وإريتريا وإثيوبيا، ما يجعل هناك رغبة خارجية للحل.
وترى المصادر نفسها أن المشكلة بين مكونات الشرق ليست كبيرة وهناك إمكانية للتوافق بين الهدندوه والبني عامر اللذين يشكلان الجسم القبلي الأساسي داخل نظارات البجا، وأن المعضلة الأساسية تتمثل في أن البني عامر لديهم حضور أكبر داخل إريتريا وليس السودان، ما أدى إلى بعض الحساسيات التاريخية، غير أن وجود جنسيات مختلفة في ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف والانفتاح الحاصل فيما بينها من العوامل التي تُسهل من عملية التسوية السياسية.
وقد يصبح الوضع الحالي في السودان أفضل من بلدان عديدة في المنطقة الأفريقية لأن التناقضات القبلية والعرقية والجهوية والأيديولوجية تظهر على السطح حسب الأزمات وليست هناك قضايا خلافية عميقة، وثمة معرفة كاملة بالمرض الذي يعانيه السودان وبدء حوار حقيقي بين المكونات الطبيعية في الداخل يقود إلى الحل سريعا.