كان من المفترض أن تعمل الأحزاب السياسية السودانية، خلال الفترة الانتقالية، على إعادة تأسيس علاقتها مع بعضها، وأن يتجاوز التعاون تحديات الفترة الانتقالية قصيرة المدى، لمواجهة تحديات انتقال السلطة وإقامة دولة مدنية ونظام ديمقراطي بتسريع عملية الانتخابات، لكن بسبب عدم التعاون بين العساكر والمدنيين ادت الي ضعف الشراكة بين المؤسسات الحزبية وضعف دور بعضها أظهرا تخليها عن التركيز على مهددات الديمقراطية. وبين اتهام المدنيين بعدم الحماسة لتنظيم الانتخابات، واتهام الحزب الشيوعي الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري بالتآمر على حركة الجماهير، تتعالى لغة ثورية جديدة. ولا تقف تداعيات تذبذب الحزبين من تحمل المسؤولية بفشل الفترة الانتقالية وعدم حسم القضايا العالقة، عند طول أمد الأزمة الاقتصادية وتأخر تكوين المجلس التشريعي تهيئة للانتخابات المقبلة واستيعاب التعديلات القانونية، بل امتدت لتشمل إعادة النظر في تنظيم العملية الانتخابية نفسها وبما يؤسس لأزمة مقبلة تواجهها الحكومة الانتقالية.على الرغم من تعاطي حزبي الأمة والشيوعي مع كل النظم العسكرية في السودان، فإن الترويج لذلك في ظل الحكومة التي جاءت بها ثورة ديسمبر (كانون الأول) لشباب معظمهم بلا انتماءات سياسية إلى أي من الحزبين التاريخيين، لا يمكن أن يمر من دون ضجة؛ فالحزبان معروفان بشكلهما الحالي منذ استقلال السودان ولم يتغير الارتكاز على شخصيات مؤسسيهما، فهما يستمدان عناصر الحياة من بعض الخصوصيات والمرجعيات التاريخية، ولم تتطور برامجهما السياسية وآلية تعاطيهما السياسي مع الجمهور من جهة والحكومات المختلفة، سواء أكانت عسكرية طويلة أو ديمقراطية قصيرة من جهة أخرى.وتعمل الاتهامات التي أطلقها الحزبان في اتجاهين، الاتجاه الأول هو أن هذه الاتهامات استنفرت الحالة الثورية للشارع السوداني، وهي ورقة ضغط الحزب الشيوعي، فتعالت شعارات “الثورة مستمرة” وغيرها، بينما يفضل حزب الأمة ممارسة السياسة ودوره المتوائم مع الحكومة الانتقالية ويتقرب في الوقت ذاته من القوى الثورية. الاتجاه الثاني، تستبطن هذه الاتهامات الانقلاب العسكري، وهو هدف بعيد عن أن ينادي به الحزب الشيوعي، ولكنه يبدو متقبلاً فكرة تحول العسكريين إلى مدنيين للدخول في انتخابات يتنافسون فيها ضمن القوى السياسية الأخرى، بينما يستطيع حزب الأمة العيش تحت جناح الحكم العسكري والمحافظة على خطه الثوري في آنٍ واحدٍ. وعلى الرغم من مشاركة الحزبين في الحكومة الانتقالية، فإن رضا حزب الأمة يغلفه بانتقادات تتعلق بشكل الممارسة السياسية وأداء الحكومة مهماتها، في الوقت الذي ينتهج الحزب الشيوعي لغة مصادمة وينادي باقتلاع هذه الحكومة والمجيء بأخرى. والإشارة إلى الخوف من الانقلاب هنا جاءت في سياق ردود فعل كانت ذروتها كأنها حالة من الخلافات على صعيد العلاقات وليست اختلافات مبدأية تحركها رؤى وطنية وسياسية.اصطدم مجتمع ما بعد الثورة، الذي كان يطمح إلى تغيير جذري، بأداء الأحزاب ذات التفضيلات الأيديولوجية والانتماءات الطبقية أو الإثنية والتعيين بالتوريث. وجاء اعتراض القوى الثورية عليها من واقع أدائها العام وفي ظل الحكومة الانتقالية، إذ بدا غير منسجم وغير كافٍ لبناء دولة ديمقراطية نظراً لتضاد أفكاره مع التعددية، وإعاقتها مشروع التحول الديمقراطي. وخلقت حالة ما بعد الثورة مجتمعاً شديد التباين، ولكنه يتفق على تحسين أداء الحكومة الانتقالية، وصولاً إلى انتهاء الفترة بنظام ديمقراطي. لم تكن الانقلابات العسكرية خياراً له في يوم من الأيام، بل إن الانقلابات كلها تمت بمباركة الأحزاب السياسية، والانقلاب العسكري الأول في السودان نفذه الفريق إبراهيم عبود، بدعم كامل من حزب الأمة، ثم انقلاب العقيد جعفر النميي بدعم من الحزب الشيوعي، وانقلاب العقيد عمر البشير في يونيو بدعم كامل من حزب الجبهة الإسلامي.والشاهد في ذلك عدم تعاون كل الاطراف السياسيه في خلق بيئه مناسبه لمواجهة التحديات والعمل بالدستور المقر غير ان الاختلافات تؤدي للتفكك وعدم الاستقرار وبالتالي يصعب الخروج من المازق التي تمر به البلاد