إن السبب الأول والرئيسي لإندلاع الحرب الراهنة في السودان والتي أدت لدمار وتخريب السودان وتقتيل أبناء الشعب البسيط، هو تمسك البرهان بالحكم والسلطة في السودان وعدم إفساحه المجال لرجال السياسة المدنيين لتسيير الحكم فيها، ولم يكن حبه في السلطة طموح برز بعد الثورة المجيدة، بل كان ينمو في نفسه رويدا قبيل الإطاحة بالبشير، فهو من القادة العسكريين الذين خططوا للإطاحة بالبشير من خلال تأزيم الوضع وإدخال البلد في نفق الأزمات بهدف دفع الشعب السوداني للخروج للشارع والمطالبة بتخلي البشير عن الحكم، حيث خرجت فعلا جماهير حاشدة أحاطت قصر البشير من كل الجوانب مطالبة برحيله، وهنا جاء دور القادة العسكريون أمثال عبد الفتاح البرهان وصلاح قوش وعوض ابن عوف للإطاحة بالبشير وهو ما حدث فعلا في 11 من أبريل 2019، وما لبث عوض ابن عوف أن تسلم السلطة حتى انقلب عليه البرهان في 12 من أبريل 2019 وسعى خلف القبض على صلاح قوش لولا فراره لمصر، وبقى البرهان آنذاك منفردا بالسلطة من دون منازع، إلا أن برزت شخصية حميدتي قائد قوات الدعم السريع للسطح إبان مظاهرات ثورة ديسمبر المجيدة وذلك من خلال انحيازه لصوت الشعب وانتفاضته في وجه البشير، وهو ما خلق تكافؤا في ميزان القوة في البلاد، فمن جهة قائد الجيش البرهان الذي يريد الإنفراد بالحكم ومن الجهة الثانية حميدتي قائد قوات الدعم السريع الذي يريد إشراك المدنيين في الحكم.
وتم فعلا بضغط من حميدتي، إشراك المدنيين في الحكم، وتقاسم المجلس الإنتقالي المكونين العسكري والمدني وتم تعيين عبد الله حمدوك كرئيس للوزراء في صيف 2019، وهنا بدأ البرهان بالعمل على تعزيز وتقوية مكانته في السلطة ليقوم بانقلابه ضد الحكومة المدنية، وفي نفس الوقت ليتخلص من قوات الدعم السريع حينما تسنح له الفرصة، وباشر في إجراء اتصالات مع القاهرة بحكم أن مصر هي القوة العسكرية الوحيدة في المنطقة التي تستطيع تقديم الدعم له، وبالرغم من أن البشير كانت له وجهة نظر أخرى، فهو كان يرى بأن الخطورة الحقيقية على السودان تتمثل في مصر، إلا أن البرهان منح في الثاني من مارس 2021 امتيازات لم تكن الحكومة المصرية لتحلم بها، من خلال توقيع اتفاقية عسكرية بين قائدي أركان الدولتين تمنح الحق لمصر في استعمال مطار مروي متى احتاجت لذلك، إضافة إلى وضع يدها على منطقتي حلايب وشلاتين المتنازع عليها، وفي المقابل تقدم مصر الدعم العسكري الكامل للبرهان من أجل إبقاءه في السلطة.
وبعد إتمام التوقيع على الإتفاقية، لم تمر ستة أشهر حتى قام بالإنقلاب على حكومة حمدوك، وهو الأمر الذي رفضه حميدتي جملة وتفصيلا وصرح بهذا علنا مؤخرا، غير أنه في 25 من شهر أكتوبر 2021 لم يستطع فعل أي شيء لإيقاف البرهان، لأنه كان يخشى المواجهة العسكرية التي تودي بحياة الأبرياء وتدمر البلد.
وبقى البرهان في الحكم منفردا إلى أن جاءت مبادرة الإتفاق الإطاري من واشنطن وحلفاءها، وتم الدفع به لأحزاب المجلس المركزي، فلم يستطع البرهان رفض المبادرة لأن الأمر يتعلق بواشنطن، وقام بالتوقيع على الإتفاق وهو صاغر، وفي نفس الوقت كان يخطط في سرية تامة لعملية الإنقلاب على الإتفاق الإطاري وقلب الطاولة على المدنيين مرة أخرى، فلم يجد هذه المرة غير حجة تسريع دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، رغم أن حميدتي قائد قوات الدعم السريع لم يكن ضد فكرة الدمج وكان قد صرح مرات عديدة بأنه مع فكرة تعيين حكومة مدنية في أقرب وقت لأنه يعلم أن البرهان سيفسد الأمر.
وهو ما حدث في 15 من شهر أبريل الفارط حين باغتت قوات الجيش السوداني قوات الدعم السريع وقامت بقصفها والهجوم عليها، ليخرج الوضع في السودان عن السيطرة، وهو ما أسفر عن سقوط أكثر من 600 قتيل مدني لحد الآن وإصابة أكثر من 5127 أخرين حسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية.