شهدت العاصمة الخرطوم عدد من الإعتصامات المتفرقة بعد موكب 30 يونيو الحاشد وكان في ذهن منظمي هذه الإعتصامات أنها ستكون حاشدة وتؤدي لإسقاط النظام كما حدث في أبريل ٢٠١٩ إعتصام القيادة العامة ، لقد كان موكب ٣٠ يونيو قد وصل إلى ذروة النشاط الثوري ولكن تداعياته كانت محبطة للذين راهنوا عليه ، فالحزب الشيوعي انشغل بخطة منع الحرية والتغيير وإقصائها من التكسب بموكب ٣٠ يونيو وأصدر بياناً نارياً هاجم فيه الحرية والتغيير وأتهمها ببيع المواكب على مائدة المفاوضات بينها والمجلس العسكري وردت أحزاب قحت على الحزب الشيوعي واتهمته بشق الصف الثوري.
في هذه الأجواء الانقسامية الملتهبة جاءت الدعوة للإعتصامات في المدن الثلاثة وبالفعل قامت إعتصامات في مستشفى الجودة وفي محطة سراج في الفتيحاب وبالقرب من صينية الزعيم الأزهري في أم درمان وفي محطة المؤسسة بالخرطوم بحري.
لقد لاحظ عدد من المراقبين ولا سيما مراسلي القنوات الفضائية الأجنبية ضعف الإقبال على هذه الإعتصامات وكتب مراسل البي بي سي في الخرطوم تقريراً كشف فيه قلة المشاركين في إعتصام المؤسسة بالذات.
لقد اجتمعت عدة عوامل ساهمت جميعها في فشل الإعتصامات الأربعة وتفرقها في النهاية بطريقة عشوائية وغير منظمة وهي :
١. العامل الأول هو عدم حماس الجهات الأجنبية التي تدعم المواكب من وراء ظهر الحكومة ولم يعد ما يسمى بالمجتمع الدولي والجهات الداعمة للثوار متحمسة للدعم ولم تعد تراهن على إسقاط السلطة القائمة حالياً عبر التظاهرات بسبب عدم نجاعة هذا السيناريو واستحالة تحققه على أرض الواقع لكنها تعمل مع النظام الحاكم بسياسية “سهر الجداد ولا نومه”، إذن العامل المهم هو سحب المجتمع الدولي لدعم المواكب لكونه أقتنع أخيراً بأن هذا المواكب لا نهاية لها ولا تحقق نتائج سياسية مرجوة.
٢. العامل الثاني هو الإنهاك والإحباط الذي بدأ يتسلل لنفوس القائمين على المواكب والإعتصامات بعد ثمانية أشهر من الحراك المتواصل والذي كانت نتائجه عكسية إذ يتعزز موقف السلطة يومي وتكسب أنصاراً جُدد فيما يقل عدد المشاركين في التظاهرات يوماً بعد يوماً.
٣. العامل الثالث والمهم هو الإنقسامات وسط “قوى الشارع” ، فالحزب الشيوعي لا يقبل بالحرية والتغيير ولجان المقاومة لا تقبل بهما الإثنين ، وداخل اللجان هناك في صراع بين ما يسمون ب”كدايس الأحزاب” والثوار المستقلين ، وتصاعد الخلاف داخل الثوار بين ما يسمون ب”غاضبون” و”الفمنست” وتبادلوا الإتهامات في الوسائط وهناك تبادُل اتهامات بين منظمي اعتصام “الجودة” والحزب الشيوعي وجاء في الأخبار ، نهار يوم الثلاثاء ، أن الحزب الشيوعي بالعاصمة يتأسف على ما ورد في بيان تنسيقية لجان مقاومة الديوم الشرقية بإتهامه بالضلوع والتحريض على رفع اعتصام الجودة ، ويتهمها بالتناقض والتخبط وانعدام المسؤولية ، وكتبت أحد الناشطات مستاءة من فشل اعتصام “الجودة”
(إعتصام الجودة إترفع حرفياً قبل ساعتين ، لكن موضوعياً إترفع لما الناس إتخلت عنه و شالت بقجها و مشت ، بلغة تانية في ناس شالت خيمتها و خلتنا في السهلة ، الله شايف و الله عارف).
وهكذا أنتهى الزخم الثوري إلى حالة من التلاوم والإتهامات المتبادلة بين القوى التي تسمي نفسها قوى الثورة ، كل هذا والمواطن المسكين يكتوي يومياً بإغلاق الطرق وبالنزاع العدمي بين هذه المجموعات المتفرقة وقوات الإحتياطي المركزي.
٤. العامل الرابع و المهم هو رفض المواطنيين والتجار في الديم وفي المؤسسة وفي صينية أزهري وفي محطة سراج للإعتصامات واستياءهم من تعطل مصالحهم.
ختاماً.. لم تكن ثورة ديسمبر بهذا القبح والبؤس ولكن حين انحرفت وأصبحت نشاطاً للعاطلين عن العمل ومُنفذاً لأجندات التخريب الأجنبية عافتها نفوس المواطنيين والثوار الصادقين فأصبحت مرتعاً للضلال والقبح والبؤس .