حذرت وسائل إعلام غربية من أن الخلافات العميقة بيت مكونات الحكومة الانتقالية تهدد بعرقلة التحول الديمقراطي، منبهة في ذات الوقت من تراجع شعبية الحكومة الانتقالية في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية، فيما توقعت تقارير سيناريوهات لمواجهة محتملة بين مؤيدين للحكومة المدنية وآخرين يدعمون المكون العسكري.
وحذرت شبكة “بي بي سي” الاخبارية في تقريرها بعنوان “المتظاهرون السودانيون المتنافسون ينزلون إلى شوارع الخرطوم” من ان الانقسامات العميقة بين القادة العسكريين والمدنيين تهدد بعرقلة الانتقال إلى الديمقراطية.
واشارت الوكالة في تقريرها الى ارتفاع التوترات عقب الاعلان عن محاولة الانقلاب الفاشلة التي نسبت الى اتباع الرئيس البشير.
ولفت التقرير الى تراجع الدعم للحكومة الانتقالية في الأشهر الأخيرة حيث أدت الإصلاحات الاقتصادية التي قادها رىيس وزراء الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك إلى خفض دعم الوقود وارتفاع التضخم.
مواجهة محتملة:
من جانبها قالت شبكة “فرانس 24” في تقريرها بعنوان “السودان: التحول الهش للديمقراطية على المحك بينما تستعرض المعسكرات المتنافسة عضلاتها”، ان أنصار الحكومة الانتقالية السودانية دعوا إلى مسيرات حاشدة في الخرطوم يوم الخميس وسط مخاوف من أن الجيش يخطط لسحب دعمه لاتفاق “غير مستقر” لتقاسم السلطة ، بعد أكثر من عامين من انتفاضة شعبية أدت إلى الإطاحة بالنظام السابق. معتبرة ان الدعوة للاحتجاج تمهد المسرح لمواجهة محتملة بين المعسكرين المتناحرين في العاصمة السودانية، حيث نظم أنصار الحكم العسكري اعتصامًا أمام القصر الرئاسي منذ يوم السبت، مطالبين بحل الحكومة الانتقالية في البلاد.
وتشير شبكة الاخبار الفرنسية الحكومية التي تعكس الرأي الغربي ان الاحتجاجات تأتي في الوقت الذي تجتاح فيه السياسة السودانية انقسامات بين الفصائل التي تقود الانتقال الصعب عقب ثلاثة عقود من الديكتاتورية في عهد الرئيس عمر البشير، الذي أطاح به الجيش في إبريل 2019 بعد أسابيع من الاحتجاجات الجماهيرية.
انتشار الفوضى:
في ذات السياق حذرت مجلة ”ذا ويك“ البريطانية من ان السودان على شفا الفوضى، في ظل تعمق الخلافات بين شقي الحكومة المدني والعسكري، ونقلت المجلة البريطانية عن، محلل الشأن الإفريقي في بي بي سي، مجدي عبد الهادي أنه مع وجود العديد من المجموعات التي تريد أن يكون لها الصوت العالي في مستقبل البلاد، فإن البحث عن توافق يبدو بعيد المنال بشكل خطير. حيث تهدد المظاهرات الأخيرة، التي بدأت السبت، بدفع البلد ” الى حافة الهاوية” واحداث مزيد من “الاستقطاب”.
ولفت عبد الهادي الى ان الشيء الوحيد الذي تم الاجماع حوله هو اسقاط النظام، مع “إجماع ضئيل حول كيفية المضي قدمًا بعد ذلك”.
فيما قال مستشار التحرير في إندبندنت البريطانية، والصحافي المختص في شؤون الشرق الأوسط، أحمد أبودوح، إن السودان يقف على “مفترق طرق” ، حيث يسعي الشريكان الحاكمان لتحقيق مكاسب سياسية” في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالبشير – من السلطة. لافتا الى أن العديد من المدنيين ما زالوا “قلقين من انتزاع السلطة من قبل شركائهم العسكريين في الحكومة”، مع تصاعد التوترات نتيجة جهود الجانبين “لتعبئة الجماهير للسيطرة على الشارع”.
العودة للاستبداد
من جانبه جادل الصحفي والباحث في صراعات الشرق الأوسط “جوناثان فينتون” هارفي جادل في مقال حديث له بأن “الأحداث الأخيرة تظهر مخاطر عودة السودان إلى الاستبداد”، فضلاً عن “عواقب السماح بالإفلات من العقاب للشخصيات العسكرية المسؤولة عن جرائم الحرب الماضية”.
وأعتبر ان الانقسام داخل تجمع المهنيين يسلط الضوء على الانقسامات الحادة داخل الحكومة والمجتمع المدني” ، بينما “من الواضح أن الجيش حريص على استغلال المظالم من الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد”. لافتا الى أنه على الرغم من وعود الديمقراطية، “هناك معارضة متنامية للحكومة السودانية المؤقتة حيث تكافح لتلبية توقعات العديد من الناس”. منبها الى ان عناصر عسكرية تسعي الى استغلال الموقف والسيطرة على السلطة.
وقال أبودوح من الإندبندنت إن الخلافات الداخلية بين النخبة الحاكمة أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل في السودان. مشيرا الى أن منتقدي الحكومة “يصرون على أنها تتبنى سياسات خاطئة، وعدم كفاءتها تسبب في نقص الوقود والخبز والأدوية الأساسية”..واعتبر أبودوح ان الازمة في الشرق واغلاق ميناء بورتسودان فاقم من هذه الازمة الاقتصادية.
حيث أدى الحصار الى “تعطّل تجارة بقيمة 126 مليون دولار”، وفقا لوكالة بلومبيرج الاخبارية.
الموقف الأمريكي:
ومع استمرار المواجهة، تضغط الولايات المتحدة على السودان لاستكمال انتقاله، محذرة من أن “الفشل في إحراز تقدم” في التحول “إلى الحكم المدني قد يعرض الدعم السياسي والاقتصادي من واشنطن للخطر” ، بحسب وكالة رويترز.
لكن الباحث البريطاني في سياسة النخبة الإفريقية، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية اليكس دي وال يرى أنه سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن السودان سيحقق الوحدة الوطنية بهذه السرعة بعد 60 عامًا من الانقسام السياسي والعرقي. وقال وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية ، “أفضل ما يمكن للمرء أن يأمله في الوقت الحالي، هو أن السودانيين وافقوا على الاختلاف في الأقوال وليس الأفعال – واستمرارهم في المحادثات لتجنب العنف”.
وضع أكثر تعقيداً
في ذات الاتجاه مضت وكالة صوت المانيا حيث نقلت عن خبراء تحذيرهم من ان الوضع اكثر تعقيدا، وقالت انه على الرغم من اتفاق السلام لعام 2020 والوعد بإجراء انتخابات، فقد تصاعد العنف وتزايدت وتيرة التظاهرات المناهضة للحكومة. لكن الخبراء يقولون إن الوضع معقد وأن حدوث انقلاب عسكري أمر غير مرجح.
ونقلت عن دان واتسون ، الباحث في جامعة ساسكس في المملكة المتحدة، الذي ألف العديد من تحليلات للنزاع المسلح بالسودان ان الوضع الحالي يرتبط بمحاولة الانقلاب الفاشل التي اعلن عنها، الا انها لا تحظى بمصداقية كافية، وفقا للكثيرين، مشيرا الى ان الجيش لا يزال يحتفظ بمعظم السلطة على الأرض. ويظل القادة العسكريون منخرطين بعمق في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد.
حافة السكين
، كبير الباحثين في المجلس الأطلنطي كاميرون هدسون والدبلوماسي الأمريكي السابق والمسؤول السابق في البيت الأبيض، في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، قال فى حوار نشره موقع الراكوبة إن السودان يقف الآن على حافة السكين، ومستقبل الثورة، بل والبلد كله في الميزان، مشيراً إلى أن ما يدور، هو صراع بين قوى التغيير الحديثة وقوى النظام القديم، وكلا الجانبين يتلقى دعمًا من الخارج – من فاعلين دوليين يسعون إلى تشكيل نتائج الثورة والتأثير فيها والتلاعب بها، بما يتناسب مع مصالحهم وليس مصالح الشعب السوداني.
ونبه إلى أن اللافت أن قوى التغيير شديدة الوضوح والشفافية في مطالبها وفي رؤيتها. وخطاب رئيس الوزراء الذي طرحه عبر التلفزيون القومي الأخير، ، كان واضحاً جداً، وكذلك، مطالب المحتجين في الشوارع كانت واضحة للغاية. لكن الجيش، وقوات الأمن والمخابرات، والقوى الإسلامية، كلها تعمل في الظل. يقولون شيئًا واحدًا علنًا، ويفعلون شيئًا آخر على انفراد. لا يمكنهم الفوز في معركة الأفكار، لذلك هم يعملون في الظل للبقاء على قيد الحياة، ويستخدمون المعلومات والأخبار الكاذبة لمساعدتهم في ذلك، لكن أعتقد في نهاية المطاف أن الناس سيرون الحقيقة.
وأكد هديسون على ضرورة أن تظل الولايات المتحدة إلى جانب الشعب السوداني، وقال “تم تحذير حمدوك، إذا انحاز إلى جانب الجيش وحل مجلس الوزراء، فسوف يفقد دعم الولايات المتحدة، و يجب ألا يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تدعم فصيلاً سياسياً على آخر. لكن يمكننا، أن نختار إلى من ننحاز في المعركة الأيديولوجية”.
عدم اليقين والشك
وشدد على أن الولايات المتحدة في هذه المعركة، تقف إلى جانب الحكم المدني والديمقراطية. هذا ما تريده الغالبية العظمى من السودانيين.
وأوضح أن الانتقال دائمًا في خطر. وتابع “لقد كان هناك خطراً منذ البداية ولم تكن أي من هذه القوى المتصارعة جديدة على الساحة، لقد كانوا هناك منذ بداية الفترة الانتقالية. ومع ذلك، كانت خلافاتهم معلنة”، مشيراً إلى أن الانتقال لا يزال في بدايته،وحتى يتمكن السودان من حل هذه الأسئلة الأساسية حول أي نوع من البلدان سيكون، أي نوع من النظام السياسي سيكون لديه، وما هو الدور الذي سيلعبه الجيش؟ وإلى أن يتم اتخاذ قرار بشأن ذلك، فإن السودان سيكون دائمًا في مرحلة انتقالية، ويعيش في ظل سحابة من عدم اليقين والشك. في هذه الحالة، لن يزدهر أحد ولن يكون أحد في سلام.
وأشار إلى أن خطاب حمدوك الأخير ” قال بوضوح إننا بحاجة إلى عملية منفتحة وشفافة، لا ألعاب. إذا تمكنا من إجراء هذه العملية، فأعتقد أنه يمكن إحراز تقدم، ويمكن أن يكون هناك مكان في السودان الجديد للجميع”.
وطالب أعضاء الحكومة الانتقالية بالنزول إلى الناس في الشوارع والاستماع إليهم واستغلال طاقاتهم ومطالبهم للدفع من أجل التغيير. فأطراف العملية الانتقالية ليسوا منتخبين وكذلك الجيش، إنهم يستندون إلى شرعية الشارع ولا تتمتع بالشرعية، إلا إذا رأى الناس أنها شرعية. يجب أن يكسبوا تلك الثقة من خلال ترجمة مطالب الناس إلى أفعال ونتائج