ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بنظام الإنقاذ في الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩م، وجدت قبولاً وتعاطفاً وأبهرت العالم بسلميتها، وكيف أن صمود شباب الثورة المناشد بالسلام والحرية والعدالة وصل إلى مبتغاة في سلمية غير مسبوقة وعقب السقوط فتحت أبواب السودان على مصراعية للعالم الإقليمي والدولي المؤيد والمساند لتحقيق الشعب السوداني لمطالبه وتطلعاته وتقاطرت تبعاً لذلك وفود المسؤولين الدوليين والإقليميين خاصة أولئك الذين كانوا في عداء و قطيعة مع نظام الإنقاذ البائد وبذلت حينها وعود وتعهدات بتقديم المساعدات لحكومة الثورة حتى تتمكَّن من تخطي المرحلة الحرجة التي يمر بها السودان .
زادت وتيرة الانبهار ومنح صكوك الوعود بعد تولي الدكتور عبد الله حمدوك رئاسة مجلس الوزراء، حيث زار السودان عدد كبير من الوزراء الأوربيين ومن دول الجوار والمحيطين العربي و الأفريقي وكانت بالطبع الولايات المتحدة في المقدمة.
وبرغم الإنجازات الكبيرة التي تحققت إبان فترة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المتمثلة في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بعد ثلاثة عقود ورفع العقوبات الاقتصادية وجدولة الديون، إلا أن تقاعس المجتمع الدولي في الإسراع بتقديم الدعم لحكومة الثورة الوليدة لم يمكنها من القيام بأعبائها، فضلاً عن وجود أسباب أخرى داخلية مرتبطة بحاضنة الثورة قوى الحرية والتغيير والخلافات التي ضربت أكبر تجمع سياسي في تاريخ السودان الحديث، بالإضافة إلى انتشار جائحة “كورونا” ما ترتب على ذلك من انهيار للاقتصاد العالمي، كل ذلك أفضى إلى إفشال حكومة الثورة في تحقيق حلم الشباب وانتهت بانقلاب الفريق البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر، ليعود السودان مرة أخرى لمربع العزلة الدولية.
خذلان
صحيفة “فورين بوليسي” اتهمت الولايات المتحدة والأمم المتحدة بخزلان السودان عن طريق القيود المفروضة على المساعدات الدولية وخداع الذات في التعامل مع ملف السودان.
وأشارت الصحيفة وفق ما أوردته “اليوم التالي” إلى أن تأخر المساعدات الأمريكية بسبب معركة إزالة السودان من قائمة الإرهاب إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي استمرت لمدة عام كامل، إضافة إلى جائحة “كورونا” التي تسببت في حرمان رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك من الحصول على المساعدات النقدية التي كان في أشد الحاجه لها، فضلاً عن ربط واشنطن للمساعدات برفع اسم السودان من قائمة الدول الرعية للإرهاب ومضت الصحيفة للتأكيد على أن الدكتور عبد الله حمدوك لم يحصل على أي مبالغ من المساعدات التي تزيد عن مليار دولار، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة والدول الغربية و الدول الأخرى إلى صرفها عبر البرامج التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وأن البرامج كانت تشمل أنظمة مراقبة العنف وشراء القمح وسداد أجور موظفين.
الواجهات اليسارية
الدكتور عبد الرحمن أبو خريس، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات اتفق على كل ما أورته “الفورين بوليسي” وقال لـ(الصيحة) إن الغرب عموماً هزم وخذل الثورة باعتبار أن حكومة الثورة أتت بعد نظام الإنقاذ الذي كان يعاني أزمة اقتصادية، وكانت حكومة الثورة في أشد الحاجة للمساعدات، ويضيف أبو خريس: إن الاحتياج لم يكن كبيراً حوالي أربعة مليارات دولار، لإنجاز التحوُّل الديموقراطي في السودان وقد شهدنا تقديم دعم لأنظمة دكتاتورية بأكثر من ذلك و قال إن الغرب قدَّم فقط (٥٠٠) ألف دولار .
ويرى أن الغرب في الأول والأخير ينظر إلى مصالحه، لافتاً إلى الولايات المتحدة وهي تمتلك أكبر سفارة لها في القارة الأفريقية في الخرطوم ظلت تتعاطى مع الملف السوداني الوكلاء ممثلين في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات و هي دول لا ترغب نجاح نظام ديموقراطي في السودان لأنه يهدِّد الأوضاع السياسية داخلها.
ذكر أن الإحجام عن تقديم الدعم لم يهزم حكومة ثورة ديسمبر فحسب، بل كل الأنظمة الديموقراطية شهدها السودان منذ استقلاله. وانتقد تعويل الداخل واعتماده على الدعم الخارجي، وقال: القوى السياسية اعتبرت مجرَّد إزاحة نظام البشير الإسلامي المعادي للغرب، فإن الغرب سيقبل على السودان ويتبارى في تقديم الدعم ووضعت قوى الثورة كل السلة الغرب، وأضاف: غير أن ما قدَّمته السفارات الغربية للثورة لم يتجاوز المشاركة في الاحتجاجات والاعتصامات ولم يقدَّموا أي دعم سخي . وقال: إن للغرب حساباته كذلك وينظر إلى مصالحه عبر وكلائه في المنطقة، أضف إلى ذلك قوى الثورة لم تقدِّم واجهات ديموقراطية، إنما عمدوا لتقديم عناصر محسوبة على اليسار والحزب الشيوعي وللغرب حساباته في هذا الصدد، فقد دعم سيسي مصر رغم أنه عسكري .
مؤتمرات صفرية
على ذات النسق مضى الخبير الدبلوماسي الطريفي كرمنو، بالتأمين على ما أوردته “الفورين بوليسي” وقال: إن حكومة حمدوك كانت محتاجه لعشرة ملايين دولار، للعبور، وأشار إلى أن كل المؤتمرات التي عقدت لم تقدِّم المطلوب من احتياجات عاجلة، أضف إلى ذلك حكومة الثورة أتت أرهقت بدفع تعويضات ضحايا الإرهاب ورغم أن المبلغ ضئيل بالنسبة للولايات المتحدة ( ٣٤٠) مليون دولار، غير أنه كان مهماً للحكومة. أضف إلى ذلك طبقاً للسفير كرمنو، فإن الأمريكان غير راضين عن دخول بعض عناصر أحزاب اليسار خاصه الشيوعي واعتبر عدم تقديم المساعدات أثر سلباً على حكومة حمدوك، ونبَّه إلى أن الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوربي صرفت مليارات على الحرب الأوكرانية التي نتائجها الدمار و أحجمت عن دفع المساعدات عن السودان للتنمية والإعمار.
قطع الطريق
لكن السفير والخبير الصادق المقلي كذَّب ما أوردته “الفورن بوليسي” وقال: إن التقرير غير دقيق، وأشار إلى أن مؤسسات التمويل الدولية متعدِّدة الأغراض لديها برامج محدَّدة لتقديم المساعدان منح، قروض نجسيرية، و مشروعات تنمية، ولفت إلى واشنطن منحت السودان قروضاً تجسيرية مهدَّت لتطبيع علاقاته مع المؤسسات الدولية و قطعت حكومة حمدوك بفضل المساعدات الفرنسية شوطاً بعيداً فى إعفاء الدول عبر مبادرة الهيبك وكانت في الطريق مبالغ كبيرة عبارة عن منح من أمريكا وفرنسا وغيرها لمشروعات تنمية، وأضاف: صحيح هنالك بعض البطء وأن تلك المؤسسات لديها معايير تخضع الدول للمراقبة فيما يتعلق الوضع السياسي والإصلاح الاقتصادي والسلام وغيره، غير أن الأمر كان يمضي بوتيرة جيِّدة وحمِّل المقلي الانقلاب مسؤولية قطع الطريق أمام المساعدات وإعادة السودان مرة أخرى للعزلة الدولية والإقليمية. وأكد أن كل مشاريع المساعدات توقفت تماماً بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر