كان النفط هو المصدر الرئيسي للإيرادات العامة والدولار الأمريكي الذي يستخدم لسداد ثمن الواردات في السودان، لكن السودان فقد ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي حين انفصل جنوب السودان في 2011، ولتعويض هذا النقص الشديد في مداخيل الدولة ركزت الحكومة السوداني علي التقيب في مجال الذهب إحدى أكبر ثروات السودان الحيوية، حيث يُعتَبر البلد الشمال أفريقي أحد أهم مُنتجي المعدن النفيس في القارة باحتلاله المرتبة الثالثة في إنتاج الذهب بعد جنوب أفريقيا وغانا، ورغم كل هذا مازال اقتصاد البلاد يعاني من هشاشة وتدهور ملحوظ يرجح الكثير من الخبراء سببه إلي انتشار عمليات التنقيب العشوائي والغير مرخص في البلد وتهريبه عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، ولمحاربة هذا العامل المضر بالإقتصاد الوطني اتجهت السلطات السودانية إلي تطبيق حزمة من القوانين الصارمة لمعاقبة الأشخاص المتورطين في هذا النشاط المضر عبر تشديد الرقابة علي كل المناطق المتربعة علي الذهب وإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة هؤلاء الأشخاص، وعلي الرغم من كل هذه التدابير والإجراءات المتخذة إلا ان عمليات التنقيب العشوائي والغير قانوني تشهد انتشارا كثيفا في ولاية نهر النيل وبالأخص في منطقة دار مالي.
وخلال الأيام القليلة السابقة صرح الخبير الأمني اللواء محمد عبد الحميد بوجود جماعات في دار مالي تقوم بالتنقيب والإستخلاص غير الشرعي للذهب مستعينة أيضا بأشخاص علي صلة بالشركة السودانية للموارد المعدنية يقومون بنقل مخلفات التعدين أو ما يسمي شعبيا بالكرتة من منطقة العبيدية إلي دار مالي أين يتم استخلاص الذهب فيها وفي المقابل يحصل هؤلاء الأشخاص علي نسبة من الذهب تقدر بحوالي 20 % من الذهب المستخلص، وأفاد نفس الخبير أن هذه الجماعات هي في الحقيقة تابعة لإحدي الحركات المسلحة التي تعتبر جزءا من الحكومة الحالية، والتي تستعمل الذهب المستخلص في تمويل قواتها والصرف علي حاجياتها، وأضاف ان الشركة السودانية للموارد المعدنية حاولت الدخول للموقع الذي تعمل فيه هذه الجماعات في دار مالي لكنهم لم يسمحوا لها بذلك.
لذا فقد حث الخبير الأمني محمد السلطات السودانية علي البدء بالتحرك للقضاء علي هذه الأنشطة المضرة باقتصاد البلاد وبيئته، وذلك من خلال معاقبة الأشخاص الممارسين لهذه الأنشطة والحجر علي كل الخلاطات والغسالات المستعملة في عمليات الإستخلاص.
كما حذر من مأساة حقيقية قد تحدث في المستقبل فيما يتعلق ببيئة وصحة الإنسان، حيث أن الجماعات الواردة الذكر تقوم برمي نفايات الإستخلاص كالزئبق والسيانيد في الأراضي الزراعية والمناطق الرعوية والسكنية، وهوما قد يحدث كوارث بيئية وصحية في المنطقة مثل تلوث الهواء ومصادر المياه، وتدمير التربة، والغطاء النباتي، إضافة إلى التعرض للغبار وذرات السليكا المسببة للتليف وسرطان الرئة، فضلاً عن أبخرة الزئبق المستخدم في عملية استخلاص الذهب المسبب لسرطان الدم والكبد.