يعود ذكر قضية سد النهضة مرة أخرى على خلفية الخبر الذي صدر خلال اليوم بالإتصال الذي أجراه السيد رئيس الوزراء، الدكتور عبدالله حمدوك، بوزير الخزانة الأمريكي، السيد ستيفن مينوتشن.
وعد فيه الدكتور حمدوك بزيارة للقاهرة ولأديس أبابا لحث الطرفين للعودة إلى التفاوض بشأن هذه القضية.
والمعلوم أن الموقف السوداني ليس ضد إقامة المشروع بأي حال من الأحوال، بل إن الموقف الحالي للسودان على مشروع سد النهضة سيعود عليه بالنفع باتفاقات المصالح المشتركة بين البلدين على توزيع الموارد والطاقة.
التحفظ على قرار جامعة الدول العربية
وهذا ما جعل السودان يتحفظ على قرار جامعة الدول العربية بالوقوف مع مصر في قضية السد النهضة، والمعلوم أن الموقف المصري تجاه سد النهضة هو موقف تخوف من قيام السد الذي سيؤثر على حصة مصر من مياه النيل.
الموقف السوداني يتمثل في تعبيره عن أنه ليس من مصلحة الدول العربية أن تصطف خلف مصر في هذه القضية تحديداً، على اعتبار أن الموقف الراهن هو موقف الدول الثلاث “أثيوبيا، السودان، ومصر” والذي لابد أن يحدث فيه توافق شامل بين الأطراف الثلاث حول هذا المشروع.
والحقيقة تقول أن الموقف الذي اتخذته دولة السودان هو موقف أكثر عقلانية، على اعتبار أن السودان نفسه جغرافيا يقع في الوسط بين الدولتين.
وبالتالي فإن الموقع الجغرافي بالتأكيد سيكون له التأثير الإيجابي من المصالح التي سيستفيد منها من مشروع السد تحديداً، أولها الطاقة الكهربائية التي سينتجها السد.
الموقف المصري
أما الموقف المصري؛ فيتمثل في حصة مياه النيل؛ والتي باتت الهاجس الأكبر من نقصان سيطرأ على حصة مصر في مياه النيل، وهي الدولة التي تملك تعداداً سكانيا يصل إلى 100 مليون نسمة.
والمعلوم أن إنسحاب مصر في آخر جلسة تفاوض مع النظير الأثيوبي كان بسبب الاعتراض على ملأ السد من قِبل أثيوبيا دون اتفاق نهائي يضمن لمصر حصتها في مياه النيل والتي ينبغي لها أن تكون كافية.
والموقف السوداني، هو ما جعل الدكتور عبدالله حمدوك يمنح الوعد لوزير الخزانة الأمريكي لحث الطرفين “الأثيوبي والمصري” للعودة إلى طاولة التفاوض بشأن قصية السد.
والحقيقة تكمن في أن السودان قد وضع نفسه لاعب الدور المحوري في وصول الطرفان لاتفاق نهائي بشأن اكتمال مشروع سد النهضة.
وهو دور له أهميته الكبرى بالنسبة للسودان على المستوى السياسي في المنطقة، وبذلك يُقبِل السودان على كتابة تاريخ جديد في المنطقة.
وللنظر في أهمية الموقف السوداني الحالي في هذه القضية، فإن الأمر يتطلب العودة بالزمن إلى الوراء، والنظر إلى الدور الذي لعبه رئيس الوزراء الأثيوبي الحالي “أبي أحمد”، وهو الدور الذي دخل به التاريخ من أوسع أبوابه.
ابي رجل السلام
نجح أبي أحمد داخلياً في خلق توافق عام على مستوى دولة أثيوبيا والتحام الجميع نحو مستقبل جديد للدولة في اتجاه النهضة بعد عهود تاريخية مظلمة عاشتها أثيوبيا طيلة السنوات الماضية.
ومن ثم أقدم على الخطوة التاريخية بإنهاء الأزمة مع الجارة أريتريا والوصول لاتفاقات جديدة تقتضي دعم السلام بين الطرفين وبداية تبادل مصالح مشتركة. كما كان له الدور كوسيط في إنهاء أزمة الصراعات في الجنوب.
ولا ينسى الجميع دوره في تدخله المباشر في السودان بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بعد فض الاعتصام والاتجاه الذي سار فيه لعودة الطرفين للمفاوضات.
وحرصه على وصولهما لاتفاق نهائي لتشكيل السلطة المدنية الإنتقالية، وكان أحد الحاضرين مراسم التوقيع على الوثيقة الدستوري في السابع عشر من أغسطس في العام الماضي.
هذه الخطوات التي منحته جائزة نوبل للسلام؛ عكست الحرص الشديد لآبي أحمد على الإستقرار ليس على مستوى أثيوبيا فحسب، بل حتى على مستوى المنطقة ككل؛ تحديداً الدول الجيران.
والسودان في الوقت الحالي في فرصة تكاد تضعه في دور مماثل لدور أبي أحمد، بلعب دور محور في استقرار المنطقة ككل.
بوصول الطرفين “المصري والأثيوبي” لاتفاق يقتضي بالتوافق على بنود محددة لتشغيل سد النهضة، وبالتأكيد هذا الإتفاق سيتضمن مصالح مشتركة بين الأطراف الثلاث “أثيوبيا، السودان، مصر”.
والحقيقة تقول أن هذا الدور تحديداً به شيء من التعقيد نظراً لهاجس نصيب مياه النيل لكل دولة. ما يعني أن وصول كل الأطراف لحل مشترك هو تاريخ جديد لشبكة جديدة من المصالح على مستوى المنطقة التي تضم كل من أثيوبيا والسودان ومصر.
فرصة ذهبية
الوصول لاتفاق في هذه القضية تحديداً والسعي لتحقيق الإستقرار؛ هو بمثابة فرصة على طبق من ذهب بالنسبة للسودان إذا ما حرص أن يكون هو اللاعب الأساسي في هذا الأمر.
إذ يضع السودان كلاعب مهم في المنطقة في ظل التقاطعات الإقليمية، وبذلك يستعيد السودان عافيته من الغياب القسري الذي كان في العهد البائد عن لعب مثل هذه الأدوار.
وهذا ما قد يمنح السودان الدور الأكثر أهمية مع دول القرن الأفريقي التي يشترك معها في بعض الحدود، الأمر الذي يعني أن للسودان مستقبلاً كبيراً على مستوى أفريقيا في إدارة شبكة المصالح المشتركة لهذه المنطقة المستقرة.
والتي بدأت في النمو على المستوى الإقتصادي، ما يعني أن قضية سد النهضة هي الفرصة على طبق من ذهب بأن يكون السودان هو اللاعب المحور لاستقرار المنطقة بحكم موقعه الجغرافي وموارده ومصالحه مع الجيران.