ضرورات طرد مُرْسَال ” سياسة الإخضاع والاستتباع ”
في عقد السبعين من القرن الماضي كانت سيارات مكاتب الإعلام تجوب المدن بمكبرات الصوت وهي تدعو العمال للذهاب للجزيرة للقيط القطن ، وهي تنادي : ” أكل مجاني وشراب مجاني ومصاريف حتى منطقة العمل ” ويا لبؤس ما كان يأكله العمال ويشربون آنئذ . ” يا حليلم ” لم يروا ما أصبح يأكله منتسبو ” يوناميد ” UNAMID في دارفور ، هؤلاء كانت تأتيهم أطعمتهم شُرّعاً من كل مكان : نعم ، كانت الكونتينرات تأتيهم باللحم مبرداً من البرازيل ، وكانت تأتيهم بالسالمون مبرداً من اسكاندنيڤيا ، وكان الزبادي المُحلى بأصناف الفاكهة يأتيهم من أوروبا. وكانت الأطعمة تفيض عن حاجتهم للحد الذي يطلبون من الحكومة السماح لهم بدفن ما تقادم كل بضعة شهور !!!
ولم يكن نمط العيش الذي نَعِمَت به يوناميد في دارفور بِدَعَاً عما تنعم به قوات حفظ السلام الأممية في كل العالم.
كانت ميزانية يوناميد تزيد قليلاً عن مليار دولار سنوياً. وكان تَمَكّن حكومة البشير من توقيع استراتيجية خروج Exit Strategy معها معجزة ، فقوات السلام الدولية لا تخرج عادة من أي بلدٍ تدخله.
صرّح وكيل الخارجية وقتها أن قيادة قوات يوناميد طلبت كتابةً أن تقوم الشرطة السودانية بحراسة معسكراتها !!!
وكانت قوات يوناميد لا تخرج لطواف إلّا إن رافقتها قواتنا المسلحة !!!
قوات يوناميد ما كانت تقاتل حتى دفاعاً عن نفسها. وفي مرات كانت تخرج في طوافها من غير مرافقة الجيش ، لترجع مُجرّدةً من كامل سلاحها وأغلب سياراتها المصفحة !!! مما جعلها محط اتهام أنها تسلم سلاحها وعتادها للحركات المسلحة المتمردة!!
وأجد أن ذلك الاتهام كان منطقياً ، فمن مصلحتها إطالة أمد الصراع لتُطيل أمد بقائها ، لتنعم بالعيش الرغيد وألوف الدولارات لعناصرها وهي آمنة سالمة مطمئنة.
وكان غريباً قرار حمدوك تأجيل خروج ما تبقى من قوات يوناميد !!!
وأشد منه غرابةً استبدالها ببعثة ڤولكر ، مع جعل ولايتها Mandate تشمل التدخل في صياغة الدستور ، والزعم بإصلاح القضاء والخدمة المدنية ، وإعادة هيكلة الجيش والقوات الأمنية ( تُقرأ تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية ) ، وغيرها كثير ، كأن دولة السودان بلا مؤسسات وبلا كفاءات .
وفي بيانه الأخير لمجلس الأمن قال ڤولكر ما لم يقله مالكٌ في الخمر . ثم اعتذر للبرهان أن بيانه الذي قرأه هو كتبه مكتبه !!! وقَبِلَ البرهان اعتذاره رغم أنه هدد بطرده !!!
وظل ڤولكر يجوس خلال ديارنا ، لكنه لم يُقَرّب إلّا القحاتة . وملأ مكتبه بشيوعيين وعلمانيين بما في ذلك من أدانته المحكمة بضرب زوجته مِراراً ، وَمَنْ أغلق الصحف وشرد الصحفيين وأغلق محطات التلفزة والإذاعات (.. ) . ثم اتخذ ڤولكر مجلساً زعم انهم شخصيات بارزة ، جلهم من الشيوعيين والعلمانيين ، أو باختصار من قوم قحت ، ولاستدرار التعاطف والتّعْمِية أضاف له بعض ذوي ( الشهداء ) . وهم من نفس الرهط الذي خاطب الكنجرس مؤخراً مطالباً بتوقيف واحضار البرهان للمحكمة الجنائية الدولية . وطالبوا بعقوبات مثل تلك العقوبات التي فُرضت على السودان ، ويتفاخر أحمقهم وأشقاهم ( عمر قمر الدين ) أنه أحد من كتب العقوبات بأيدي آثِمَة .
ثم هدد البرهان للمرة الثانية بطرد ڤولكر .
واسمح لي سيدي الفريق أن أذكرك ببيت كُثير عزة الذي يقول :
ضِعَاف الأُسْدِأكثرها زئيراً وأصرمها اللواتي لا تَزِيرُ
وأنت تعلم أن أهلنا يحمدون الرجل الفَعّال ويذمون القَوّال ، فيسخرون منه قائلين إنه “بِهَدِر بارك”. وإنّي لك من الناصحين :
لا تَركَنَنَّ إِلى مَن لا وفاءَ لَهُ الذِئبُ مِن طَبعِهِ إِن يَقتَدِر يَثِبِ
واسمح لي أن أُذكّرك أن بيتر بروك قال :
” إنّ القيادة الفاعلة ليست هي إلقاء الخُطب أو تحقيق الاستحسان . ما يُعرّف القيادة الحقيقية ليست هي المواصفات ، بل هي تحقيق انجازات ونتائج وأنت تعلم أن القائد الحقُ هو من يتركُ أثَرَاً ويُحدِثُ تأثيراً .
لم يستنكر المسؤول الدولي ڤولكر الفساد الذي شهدت به فورين بوليسي ( عدد 3 مايو الجاري ) ، فساد لجنة التمكين الذي سارت به الركبان ، لأن مقترفيه هم : الأحبة ما قتلوا وما سرقوا
لم يستنكر المسؤول الأممي انتهاكات حقوق الإنسان والزج بالمئات في السجون دون محاكمة، أو فصل ألوف الموظفين، بما فيهم العمال .
لم يَدْأب ڤولكر في جلب منح أو معونات أو استثمار كما نَصّت ولايته ، بل ظلّ يَخْلُصُ نجيّاً لنفس الزُمْرَة التي اصطلى الشعب بنَيْرِ حكمها ، ولازال شعبنا “شايل رفات قلبو الحِرِق” . يفعل ڤولكر ذلك بدفع من الدول التي لازالت تشتريهم بشهادة نائبة مدير المعونة الأمريكية . والأنباء تترى عن دولارات ألوف يدفعها ڤولكر لما يُسمّى لجان المقاومة لتتظاهر وتُخَرّب وتسد الطرقات . ويدافع ڤولكر وسفراء الترويكا عن الفوضويين ، حتى فقدنا أماننا ،يدعون أنها حرية التعبير !!!
هذه الزُمرة، هي وسيلته الفعالة للتغيير القيمي والاستلاب الثقافي ، وهذا يمثل أولوية في الأجندة غير المعلنةً. تغيير واستلاب كفيل باخضاع السودانيين واستتباعهم لقيم وثقافة أخرى .
لن يغادرنا ڤولكر طائعاً مختاراً ليفقد نعيم المرتب الفخيم والمخصصات المهولة ، ولن تقبل الدول التي نظمت بعثته وأنفقت على برنامج وصايتها علينا ، ولن يرضى مغادرته المُتَكَسّبُون على حساب معاناتنا من لَدُن حمدوك إلى أصغر قحاتي . وليس مهماً تفكك الجيش ، وتفرّق جمعنا شَذَرَ مَذَرَ
سيقول المُرَغّبُون المُرَهّبون : أرجعوهم وسنمدكم بمال.ويكذبون. لماذا لم يعطوهم له حين حكموا ؟؟!! ثم إننا لسنا أوكرانيا لتُصب علينا المليارات صبّا .
يمارس ڤولكر وباعِثوه المكائد والحِيَل والضغوط المتوالية لتعود أربعة طويلة بادعاء أنها تمثل الحكم المدني ، وذلك لأن أربعة طويلة هي المؤتمنة على تنفيذ ما أُسَمِيّهُ “سياسة الإخضاع والاستتباع ” Subjugation and Subordination Policy ، وهكذا أصبحت صِيَغ الاستعمار الجديد .
ڤولكر هو مُرْسَال الفرقة والفتنة والاستعمار الجديد ، الذي سيسفّه أحلامنا .
اطردوا هذا الخواجة القبيح مع بعثته ، أُكرر مع بعثته .