يستحضر المغرب مسار عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي، حين تستحضر الأمم مسارات سيداتها المؤثرات في الثامن من مارس، وهي التي صنفتها صحيفة “الغارديان” البريطانية عام 2011، واحدة من النساء المائة الأكثر تأثيرا في العالم.
ورغم مرور أكثر من 5 أعوام على رحيلها، إلا أن سيرة “شهرزاد الثائرة” لا تزال حاضرة في كل المناسبات والمنتديات المتعلقة بالنضال النسوي. وكرست الكاتبة وعالمة الاجتماع، المعروفة عربيا وعالميا، حياتها في مناصرة قضايا المرأة و الدفاع عن المساواة بين الجنسين. وتميز طرحها بالجرأة والمزج بين الواقع والتراث.
وأغنت المكتبة المغربية والعالمية، بـ15مؤلفا قيما، بينها “الحريم السياسي”، و”نساء على أجنحة الحلم” و”الإسلام والديمقراطية”، و”سلطانات منسيات”، وبعض هذه الكتب نشرت في دور النشر العالمية، كما ترجمت إلى العديد من اللغات.
وبداية من مجتمعها المصغر داخل الأسرة، قدمت فاطمة المرنيسي تشخيصا ونقدا معمقين للسطة الذكورية في المجتمعات العربية والإسلامية.رورغم أن العديد من مؤلفاتها ومحاضراتها تعتبر مرجعا أساسيا للحركة النسوية المغاربية والعربية، إلا أن عالمة الاجتماع المرموقة، لا تصنف ضمن خانة مناضلات الحركات النسوية التي تعمد إلى إقصاء الرجل كقاعدة من أجل إثبات الذات، بل إنها انتقدت مرارا هذا التيار السائد في الغرب، على الخصوص.
كما انتقدت نظرة الغرب إلى المرأة، وقدمت قراءة فيما وراء “الحجاب” للنظرة الطوباوية التي يصدرها إلينا العالم الغربي.
طفلة الحريم.. عالمة المستقبل:
وولدت فاطمة المريسي بمدينة فاس عام 1940، وترعرعت بين نساء العائلة في وسط وصفته بـ”الحريم”، وهنا اطلعت الطفلة باكرا على جانب من حياة المرأة في المجتمع المغربي، ومن خلال روايتها “نساء على أجنحة الحلم” التي تعد شبه سيرة ذاتية، تكشف عالمة الاجتماع بالإبداع الأدبي الحدود بين الرجال والنساء،وكيف يمارس الرجال سلطة مطلقة داخل البيت، على عكس النساء اللاتي لا تستطعن الإدلاء برأيهن. وسمعت عن جدتها وأمها حكايات “ألف ليلة وليلة”، وأعجبت بالدور الرائد الذي لعبته شهرزاد، كما تعلمت من عمتها معنى الحرية.
في هذا الصدد، تقول في الرواية، إن عمتها حبيبة التي طلقها زوجها دون سبب، كانت تخبرها دائما أن “كل شخص يمكن أن يمتلك أجنحة ليحلق، لكن التحليق لن يتحقق إلا بشرطين، وعي الشخص بأنه محبوس داخل قفص، وتوفره على الإرادة لكسر القفص”. وبالنسبة للمرنيسي لا بد للنساء أن يكسرن حاجز الصمت، أن يتكلمن ويحكين مثل شهرزاد. لقد أدركت، وهي التي التي كانت من أوائل المغربيات اللاتي يدرسن في مدارس خاصة وليس في مدارس الاستعمار، أن الكتابة هي وسيلة عظيمة للمرأة من أجل التحرر من قيود المجتمع.
مسار نضالي إلى جانب الرجل:
ورسمت، أيقونة النضال النسوي في المغرب، مسارا مختلفا عن الحركات النضالية التي تؤمن بإقصاء الرجل، بل إنها اعتبرت دوما أنها تنتمي إلى تيار نضالي عربي يضم “رجالا مستنيرين”، يؤمنون بقضايا المرأة ويعملون من أجل تمكينها من حقوقها “المسلوبة”.
ولعل في هذا ما يفسر استحضار المرنيسي باستمرار لبعض الرجال الذين عرفوا باستماثتهم في الدفاع عن قضايا المرأة، حيث لم تخفي يوما إعجابها بالسياسي المغربي علال الفاسي الذي كان من أوائل المغاربة، الذين دافعوا عن قضايا المرأة بعد استقلال المغرب، أو بالتنويري المصري قاسم أمين، الذي عرف بدفاعه عن تحرر المرأة.
وتؤكد المفكرة التي حصلت على الدكتوراه في علم الاجتماع بالولايات المتحدة، أنها ترفض التيار السائد في الغرب، حيث الحركات النسوية هناك خالصة ولا مكان فيها للرجل، بل إن وجودها يقوم أساسا على إقصاء الجنس الآخر. ومع ذلك لم تتوان المرنيسي يوما، عن توجيه سهام نقدها للسلطة الذكورية في المجتمع المغربي والمجتمعات العربية، إذ رفضت دوما ما وصفته في كتاباتها “بالسلطة الذكورية” ونادت بالمساواة بين الجنسين.
ولعل هذا ما يفسر اختيارها لمصطلح “الحريم” بكل ما يحمله من تمثلات في التراث العربي والإسلامي، كمدخل لتسليط الضوء على قضايا المرأة، وإبراز معاناتها.
شهرزاد ترحل إلى الغرب:
وكما انتقدت المفكرة الكبيرة، وضعية النساء في العالم الإسلامي، فإنها كانت على نفس القدر من الحدة في انتقادها لنظرة الغرب إلى المرأة؛ فاعتبرت أن مفهوم الحريم لا يصلح لقراءة التراث الإسلامي فقط، بل أيضا يفيد في قراءة تراث الفكر الغربي حول النساء.
ففي كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب” تعتبر أن دونية المرأة إرث مشترك بين الشرق والغرب. بل إن مفهوم الحريم في الغرب أشد احتقارا للمرأة من مفهوم الحريم في الشرق.
وبحسب ما جاء في إحدى فقرات الكتاب الذي أثار ضجة كبيرة، “فإذا كان الحريم في الشرق يحيل على واقع تاريخي ومتخيل للنساء قوة فيه، وأبعد ما يكون عن الشهوانية والفراغ والعري، فإنه في الخيال الغربي يحيل على نساء خاضعات ومستسلمات مرتعا للهو، وهو ما تجسد في لوحات الرسامين الذي كانوا يستمتعون برسم نساء سجينات، ناسجين رباطا لا مرئيا بين المتعة والاستعباد”.
وتعضد المرنيسي هذه النظرية في كتاب آخر بعنوان “هل أنتم محصنون ضد الحريم”، حيث تكشف فيه عن الجانب المظلم لنظرة الغرب للمرأة، في وقت ينظر فيه بتعال وبنوع من الشفقة للمرأة المسلمة، ولا يصدر سوى صورة مشرقة عن المرأة الغربية التي تتمتع بحقوق داخل الأسرة والعمل والمجتمع ككل.
وفي كتابها، تقول عالمة الاجتماع إن “ما يميز الرجال الأوروبيين عن غيرهم أنهم يظنون أنفسهم متحضرين ومحصنين ضد رؤية المرأة الجارية الخانعة، ولكن فيروس المرأة الجارية يهاجم الجميع ويكفي أن نلقي نظرة على الإعلانات الغربية”، في إشارة إلى عرض جسد المرأة كمروج للسلع الاستهلاكية.