عن ملحمة القيادة العامة .. لا تخدعونا، فالشعب تفطّن وانتصر

الكاتب : عماد الدين ميرغني

عن ملحمة القيادة العامة

الجزء الاول.. لا تخدعونا، فالشعب تفطّن وانتصر

الخرطوم : عماد الدين ميرغني

تمر علينا ذكرى الأسبوع الملحمي الذي كان في محيط القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، والذي بدأ من السادس من أبريل.

 وهو اليوم الرمزي في تاريخ السودان الذي سقط فيه جعفر نميري في ثورة 1985، والذي تم اختياره ليكون يوماً مفصلياً في ثورة ديسمبر بتوجه الثوار نحو القيادة العامة.

والحقيقة أن ثورة ديسمبر كانت بمثابة منعرج في مسيرة الدولة، إذ أن هذه المواجهة أخذت طابعاً أكثر سخونة. كان ذلك بطبيعة تراكم آخر 10 سنوات في عمر النظام البائد للجيل الفاعل في ثورة ديسمبر.

الحفر على صخر الشوارع بالهتاف

هذا التراكم بدأ منذ عام 2011 عندما بدأ فكرة سقوط النظام في الظهور والإنتشار شيئاً فشيئاً بعد إعلان إستفتاء مواطنو جنوب السودان لصالح الإنفصال.

 وكان المحرك لنشر دعوى الخروج ضد النظام هي تلك الثورات التي سُميت بالربيع العربي؛ والتي بدأت من تونس ومن ثم إندلعت في مصر.

لم يتوانى النظام في إخماد شرارة الحراك في عام 2011، ثم جاء حراك عام 2012 الذي كان عقب إعلان رفع الدعم عن المحروقات في منتصف ذلك العام.

 وحشد ذلك الحراك كم أكبر من البشر مقارنةً بالحراك الذي كان في عام 2011، ونجح النظام في إجهاضه بأجهزته الأمنية القامعة.

هبة سبتمبر

أما حراك 2013 والذي سُمي ب“هبّة سبتمبر” فهو الحراك الذي حشد بقدر كبير في عدد من المدن، وكانت تلك الهبّة قد هزت النظام بشكل حقيقي.

 وكان سيؤول للسقوط لولا العثرات التي تسببت في تراجع الحراك بجانب القمع الشديد الذي حدث من جرائم قتل مارستها الأجهزة الأمنية في ذلك الوقت، وقُتِل فيها مئات المتظاهرين بحسب ما أُعلِن عنه، وما خفي كان أعظم!.

بعد ذلك شهد السودان حدثاً من نوع آخر ضمن أشكال المقاومة ضد النظام البائد، وهو العصيان المدني الذي كان في نوفمبر 2016، والذي نجح في أيامه الأولى؛ وتسبب في هزة للنظام.

كل ذلك التراكم كان رصيداً للشعب في الثورة الأخيرة التي إنطلقت في ديسمبر 2018؛ والتي كانت شرارتها في مايرنو والدمازين وسنار والفاشر، وكان انفجارها في عطبرة في يومي 18 و19 ديسمبر.

 وهو الإنفجار الذي شهد حرق دار المؤتمر الوطني، الأمر ذي كان بمثابة إشارة للجميع أن موجة الغضب في هذه المرة ستكون أقوى على البشير وسلطته.

الخرطوم تسجيب

وبالفعل، كانت الإستجابة بشكل مباشر في الخرطوم بتاريخ 20 ديسمبر 2018، والذي شهد خروج عدد كبير من أحياء العاصمة، إضافةً للتظاهرات الحاشدة التي كانت في قلب الخرطوم، في محيط السوق العربي.

كل الحراكات التي خرجت في التجارب السابقة قبل ثورة ديسمبر الأخيرة؛ عندما كانت تبدأ بشكل عفوي.

 فإن الكم البشري الذي يثور في الشارع يكون هو الأكبر؛ فيتقلص مع مرور الزمن، وهنا كانت تظهر قلة الخبرة والتجربة في تنظيم الحراك والعمل على زيادة الحشد، هذا بجانب القمع الشديد الذي كان يحدث من قِبل القوات الأمنية.

والحقيقة تقول أنه عندما خرج السودانيون في ديسمبر 2018 وبحكم التجارب السابقة، كانوا يعلمون أنهم يواجهون ذات الأجهزة الأمنية التي تقمع وتضرب بلا هواده.

 لكن الغضب وصل إلى تلك الدرجة التي بات يفكر فيها الإنسان أن الحياة والموت سيان.

التنظيم هو العصا السحرية

لكن الغضب وحده لم يكن ليؤدي لإسقاط النظام، فالتنظيم والمثابرة في العمل على إنجاح الثورة أمرٌ مطلوب، هنا ظهر الدور الفعّال الذي لعبه تجمع المهنيين السودانيين إبتداءً من تاريخ 25 ديسمبر 2018 وحتى السادس من أبريل 2019.

والكل يعلم أن أول إعلان ظهر بإسم تجمع المهنيين السودانيين هو تسليم مذكرة للبرلمان والمطالبة بتعديل الأجور.

 ومن ثم تم تعديل الإعلان إلى الموكب الذي سيصل القصر الجمهوري لتسليم مذكرة تنحي النظام، وذلك بعد خروج جموع الشعب المطالبة بإسقاط النظام.

دور تجمع المهنيين

وهنا تسلّم تجمع المهنيين السودانيين زمام قيادة الشارع السوداني وإلهامه كل طرق تنظيم الحراك، وكان هو التحدي الصعب في مواجهة جهاز الأمن والمخابرات السوداني.

أما ما لجأ إليه الشارع السوداني مع ظهور تجمع المهنيين هو ضرورة الوعي بكل صغيرة وكبير لإنجاح الحراك.

 وهذا ما ساعد على تنظيم الشارع بشكل أكبر، من ناحية التحرك ومن ناحية الحفاظ على الحشد، بالرغم من مواجهة القمع الشديد من مختلف القوات الأمنية التي كانت تقمع المواكب.

بدأ العمل تدريجياً بالمواكب المركزية، موكب ميدان أبوجنزير ومن ثم موكب صينية القندول، ومن ثم موكب البرلمان في أمدرمان.

 وبعد ذلك موكب بحري. وبالتزامن مع هذه المواكب، بدأت بعض الأحياء في الحراك بشكل نشط، لكنها كانت قليلة جداً.

مواكب الاحياء

فكانت أحياء بري هي التي نشطاً مبكراً من بين أحياء الخرطوم، والعباسية وبانت هي الأحياء التي نشطت مبكراً في أمدرمان، والشعبية والمزاد هي التي نشطت مبكراً في بحري.

 عِلماً بأن أحياء شمبات لديها تاريخ في الحراكات، وكان نشاطها عقب الشعبية والمزاد بمثابة دفعة قوية لبحري في المواكب التي استمرت 3 أشهر قبل الوصول للقيادة.

ومع إعلان بعض المواكب المركزية في الأشهر الثلاث؛ والتي كانت تنطلق في جاكسون للوصول إلى القصر، إلا أن حراكات الأحياء وُضِعت ضمن الخطة للحفاظ على إستمرارية الحشد واتساع دائرة الثورة في العاصمة المثلثة.

 وكانت بعض المواكب التي يتم الإعلان عنها بتسمية أحياء بعينها مثل مواكب بري والكلاكلة والعباسية وغيرها من الأحياء في العاصمة المثلثة.

نشاط الأحياء بشكل مستمر زادت من حشد الأحياء الأخرى، ففي الأحياء المتاخمة على شريط شارع الستين نشطت مع مرور الزمن كل من أحياء إمتداد ناصر والجريف وأركويت والمعمورة، على غرار بري التي كانت إحدى الأحياء الملهمة.

وفي ناحية أخرى؛ نشطت كل من أحياء جبرة والصحافات والديم في الخروج والتي كانت تلتحم مواكبها مع بعضها البعض، كذلك الحال بالنسبة لأحياء الشجرة والعزوزاب والكلاكلات.

وفي أمدرمان نشطت كل من أحياء ود نوباوي وحي العمدة وأبروف وبيت المال والتي كانت تلتحم مواكبها مع بعضها البعض، بجانب أمبدات التي كانت تملك حشود كبرى تعادل حشود أحياء مع بعضها، إضافةً إلى بانت والعباسية والموردة والعرضة وغيرها من أحياء أمدرمان.

وفي بحري؛ واصلت كل من الشعبية والمزاد وشمبات إستمرارياتها في الحراك، أشعلت معها كل من الحلفايا والدروشاب، إضافةً إلى أحياء الحاج يوسف في شرق النيل التي نشطت هي الأخرى بشكل قوي.

التجهيز ل6 ابريل

وكانت كلمة السر في زيادة حشد الأحياء واستمراريتها في الحراك ما تُعرف بلجان الأحياء، والتي نشطت بإلهام من تجمع المهنين، وإن كانت بعضها قد نشأت قبل ثورة ديسمبر وبعضها تأسست أيام هبّة سبتمبر، بحسب ما تم تداوله في أوساط العمل الميداني.

كل هذا التسلسل يوضح السبب الرئيسي في نجاح مليونية 6 أبريل في وصوله للقيادة العامة، إذ أن تزايد الحشد بشكل منتظم في مواجهة الأجهزة الأمنية كان هو التحدي الذي نجح فيه الشعب السوداني في ثورة ديسمبر.

 عِلماً أن الحشد الذي كان في السادس من أبريل أكبر بكثير من حشود الأحياء التي كانت تخرج باستمرار.

 ويرجع نجاح الحشد إلى العمل الإعلامي المكثف بمختلف الآليات (والذي بدأ قبل أسبوعين من تاريخ المليونية)، سواء مواقع التواصل الاجتماعي.

 أو من قِبل الأفراد بإقناع مجموعة من الآخرين للخروج في هذا اليوم تحديداً؛ أو بالكتابة على الجدران في كل مكان؛ وهي التي عكست صورة واضحة وقوية لسيطرة الشعب على الشارع.

الاغلبية الصامتة

وهنا كان خروج ما تُسمى ب”الأغلبية الصامتة” في ذلك اليوم تحديداً، شكّلت الكتلة التي فاجأت الجميع بما فيها الثوار أنفسهم الذي كانوا يمنون أنفسهم بنجاح الحشد والوصول للقيادة العامة.

والحقيقة تكمن في أن الحشد الكبير كان هو السبب الرئيسي في ارتباك الأجهزة الأمنية التي كانت قائمة على قمع التظاهرات.

إذ أن القوات التي تواجدت في الشوارع لم تكن كافية لقمع هذه الجموع الغفيرة والحد من تحركها صوب القيادة العامة، وتظل هي الحقيقة الواقعية والتي كانت واضحة أمام مرأى ومسمع الجميع مهما ذُكِرت أسباب أخرى غير واضحة للعيان وتظل مجرد “أقاويل متناقلة” بين الألسن.

وللحديث بقية….