تداولت الوسائط بكثافة فائقة أمس، أحاديث (عودة الجنرال قوش) أحد ألمع جنرالات الأمن خلال ثلاثين عاماً عمر نظام الانقاذ والمؤتمر الوطني، وربما صار قوش الاسم الأبرز بين من تقلدوا موقع مدير جهاز المخابرات لفترات طويلة.. والسبب ما شغله من حيز خلال تلك السنوات، وما نفذه من مهام، وما أمسك به من (ملفات).. بغض النظر عن توصيف تلك الأعمال بانها اعمال جليلة، او غير ذلك، وبغض النظر عن مواقفنا ازاءها بالرفض او القبول أو المعارضة.
اهم تلك الملفات في تقديري ان (الجنرال قوش) كان على رأس المجموعة التي دعمت التغيير في (٦) ابريل ٢٠١٩م، تماماً مثلما كان أبرز حماة النظام السابق في سنوات خلون، ودور (قوش) ومن معه من ضباط اللجنة الأمنية، خلال واثناء ثورة ديسمبر، مازال في (صدور منفذيه) وهو أولهم، وقد قال قوش في تصريحات سابقة، ان الحديث عن هذه الأدوار لم يحن بعد.
عودة الجنرال قوش للسودان اثارت جدلاً في قروبات التواصل والفيسبوك، والفكرة برزت من منطقته في الولاية الشمالية ومسقط رأسه ــ منطقة نوري/ البلل ــ وذلك عندما دعا بعض اهله ومريديه ــ وللعلم هي الدائرة السابقة التي ناصرته في الانتخابات ــ دعوة الأهل لا غبار عليها، وأي انسان له وسط أهله مكرمات.. حتى ان فنان الشباب ذائع الصيت النصري قال انه سيكون من أوائل المشاركين في عودة الجنرال، وواجه النصري سيلاً من الهجوم والتنمر بسبب هذا التصريح، ولكنه حقه في ان يناصر من يشاء وكيف شاء، حيث لا احد يجرم أحداً لمجرد أفكاره ونوازعه الايمانية.. سنجد ــ شئنا ام أبينا ــ أن لقوش مناصريه ومريديه، سواء من اهله أو غيرهم، ولا احد يستطيع ان يحاسب أحداً على فكره او مواقفه، فالناس أحرار في ما يتخذون من مواقف، طالما ان هذه المواقف لا تنقص حريات الآخرين.
وهناك مجموعة لديها آراء ناقدة ورافضة للجنرال، واول هذه الأصوات (اخوانه/ في الحركة الاسلامية)، الذين صدرت عن بعضهم تصريحات بأن هناك (خيانة) تمت لازاحة البشير، وهذه لا تزيد عن كونها آراء شخصية، أما رأي المؤسسات فلم يصدر بعد، وان هناك لجنة تنظيمية قد شكلت لهذا الأمر.. ومهما أراد البعض (تسويق) مفردة الخيانة ليدمغ بها قوش ومعاونيه، ستظل مجرد آراء تحتمل الخطأ، ما لم يصدر ذلك عن لجنة تنظيمية كالتي شكلت.
بعض الاسلاميين لا يؤمنون بمفردة الخيانة ولهم في ذلك فلسفتهم، وهؤلاء كانت غالبيتهم غير موافقة على تمديد ولاية جديدة للبشير، وقد صدع بعضهم برأيه أيام سطوة نظام البشير، وسيظل هؤلاء مؤمنين بأن التغيير الذي جرى تم لأسباب داخلية عديدة لم يكن تصرف اللجنة الأمنية سوى حلقتها الأخيرة.
أيضاً من الرافضين لعودة الجنرال كل مجموعات الحرية والتغيير ــ ما عدا قلة ربما كانوا على وفاق مع الجنرال وربما (تنسيق وتخطيط) لحصد ثمار اللحظة الفارقة، ثم غلب أخيراً رأي إبعاد قوش والمطالبة بملاحقته قضائياً، وذلك سبب استبدال قوش بآخرين مثلما استبدل ابن عوف بالبرهان.
عودة الجنرال الى ارض الوطن بعد غياب السنوات الأخيرة، تظل فكرة يتحمل وزرها وحده، وإن زينها له الآخرون ــ لأنه من يتحمل تبعاتها، سواء كانت تنظيمياً داخل حركته الاسلامية أو قضائياً بملاحقات قانونية او غيرها.. فهل يعود الجنرال متحملاً كل تلك التبعات ليروي ما لم يروَ بعد، أم يظل مستمتعاً بجميل الضيافة المصرية؟