لا بيع ولا شراء.. الكآبة سمة التجار..مخاوف من استمرار شلل المؤسسات الاقتصادية الحكومية وارتباك تطبيق الإصلاحات..النشاط الاقتصادي مُكبل بغياب القرارات التنفيذية
يتصاعد تذمر الأوساط الاقتصادية والتجارية السودانية يوما بعد يوم في ظل الشلل الحكومي الذي انعكس في شكل غياب قرارات تنفيذية وأدى في نهاية الأمر إلى تكبيل الأعمال بينما لا يزال البلد يعاني من أزمات مركبة دون بروز رؤية واضحة لحلها.
ويمر السودان منذ قرابة شهرين بحالة من الفراغ التنفيذي بسبب الارتباك في المشهد السياسي الذي ظهر في شكل تداول يومي للإدارات الحكومية نتيجة عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة لتصريف أعمال البلاد.
وحتى مع الاتفاق على عودة عبدالله حمدوك ليتولى الحكومة الانتقالية في أواخر الشهر الماضي لم يتم تعيين سوى ستة وزراء للمالية والرعاية الاجتماعية والنقل والمعادن والزراعة والتنمية العمرانية من 27 وزارة تم إعلانها، فيما ظلت الأخرى شاغرة.
وطفت آثار المشكلة على السطح وانعكست بصورة واضحة في غياب بعض الخدمات المقدمة للقطاع الاقتصادي في ظل غياب واضح للإجراءات والترتيبات المنظمة لعمليات الاستيراد والتصدير.
ويخشى محللون سودانيون من استمرار شلل المؤسسات الاقتصادية الحكومية وارتباك تطبيق الإصلاحات التي تتعالى المطالب بضرورة الإسراع في تنفيذها للاستجابة للتحديات والأوضاع السياسية والاقتصادية الجديدة.
وأكد السر عبدالله، مدير شركة لاستيراد الدقيق، الأثر السلبي الكبير للفراغ التنفيذي على مجمل حركة الاقتصاد، قائلا إنه “لا يمكن العمل في ظل غياب تنفيذي طويل كالذي يحدث هذه الأيام”.
الصادق حاج علي: الارتباط الوثيق للأعمال بأجهزة الدولة أوجد حالة من الشلل
وأضاف عبدالله لوكالة الأناضول أن “عمليات الاستيراد لا تخضع لضوابط طويلة المدى، وتتعرض للتغيير بصورة مستمرة مما يربك عمليات الاستيراد”.
وكشف عن عدم مقدرة شركته على الاستيراد منذ شهر أكتوبر الماضي بسبب ضبابية الرؤية وعدم وجود وزير للتجارة، متوقعا أن تتأثر سوق الدقيق بسبب هذا الغياب.
ويواجه البلد العديد من الصعوبات من بينها توقف العديد من المصانع عن العمل، إلى جانب افتقاره إلى المصانع ذات الإمكانيات العالية بسبب الحظر التجاري الأميركي الذي كان مفروضا على البلاد لنحو عقدين من الزمن.
ويقر العضو السابق باتحاد أصحاب العمل الصادق حاج علي بالآثار السلبية المترتبة على قطاع الأعمال والنشاط الاقتصادي نتيجة للفراغ في الجهاز التنفيذي حاليا.
ويقول إن الارتباط الوثيق لمجمل النشاط الاقتصادي للبلد من صناعة وتجارة وخدمات ونقل وزراعة وغيرها بأجهزة الدولة التنفيذية أوجد نوعا من الشلل بسبب عدم تعيين وزراء على رأس الوزارات المختلفة وعدم البت في تعيين مديرين للمصالح الحكومية ما شكل عبئا إضافيا على السوق المحلية.
وأوضح حاج علي أن هناك إشكاليات تتطلب تدخل الوزير أحيانا، إضافة إلى عدم القدرة على معالجة الكثير من المشاكل والتحديات الموجودة حاليا في قطاعات كالصادرات، والتي تحتاج إلى تدخل مباشر من الوزراء.
وتكبد المصدرون خسائر هائلة خلال الأشهر القليلة الماضية وسط توقعات باتساع رقعتها خاصة بعد إعلان بعض شركات الشحن الكبيرة عدم قدرتها على استئناف عمليات شحن الصادرات قبل فبراير المقبل.
ويرى المحلل الاقتصادي علي الله عبدالرازق أن استمرار الفراغ التنفيذي سيدفع الاقتصاد إلى مشاكل وانهيار وشيك، وخسارة كافة المكتسبات من سياسات إصلاح واتفاقيات مع مؤسسات تمويل دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وقال إن “غياب العمل التنفيذي المحكم مؤسساتيا مقترنا مع فقدان رؤية اقتصادية وبرامج متكاملة للتعافي الاقتصادي يضع القطاعات والمؤسسات الاقتصادية على المحك”.
وأشار إلى أن الفراغ يؤدي إلى تبني قرارات أحادية مستعجلة وغير مدروسة، تنعكس آثارها على حياة المواطنين المنهكين أصلا.
وأكد عبدالرزاق أن الاقتصاد بحاجة ماسة إلى معالجة أمرين، هما السيطرة على منابع التضخم المتنامية، وتحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف.
وتظهر الأرقام أن معدل التضخم بلغ في أكتوبر الماضي أكثر من 350 في المئة مقارنة بنحو 365 في المئة قبل شهر.
كما أن سعر صرف الدولار مرتفع كثيرا أمام العملة المحلية، إذ يبلغ في السوق السوداء نحو 452 جنيها بينما يصل سعره في السوق الرسمية إلى 436 جنيها.