يتأزم المشهد السياسي والأمني في السودان، مع استمرار غليان الشارع، وخروج تظاهرات في مناطق متفرقة للمطالبة بالحكم المدني، وإبعاد المكون العسكري عن المشهد.
وأصيب العشرات من المتظاهرين، بعد إطلاق قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم بمحيط القصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم، السبت، وفقا للجنة الأطباء المركزية.
بدورها أعلنت القوات الأمنية السودانية عن إصابة 58 من عناصرها خلال التظاهرات، وقالت إنها اعتقلت 114 من المحتجين، الذين وصفتهم بـ”المتفلتين”.
هذا السيناريو الذي يتكرر باستمرار في السودان، يسلط الضوء على سبل الخروج من حالة الانسداد بين الشارع والسلطة، وفرص تلبية مطالب المتظاهرين بالحكم المدني وإبعاد العسكر عن السلطة.
ويقول الباحث السياسي، الرشيد إبراهيم إن “استمرار التظاهرات يعني أن هناك تيار لا يمكن تجاوزه في العملية السياسية، وهذا التيار صاعد وسط انقسام (بين المدنيين والعسكريين)”.
وأوضح إبراهيم في حديثه لموقع “الحرة” أن “الشارع الذي يمثل الثوار والمستقلين ولجان المقاومة يتقدم الآن على الكيانات والأحزاب السياسية (…) لكن المكون العسكري هو الذي يتحكم في المشهد”.
وفي هذا الإطار توقع إبراهيم أن يكون هناك “حوار بين العسكريين وقوى الثورة، يمكن أن يؤدي إلى إفراز قيادات تشارك في بناء سلطة مدنية، بعيدا عن الأحزاب”.
الحوار هو الحل
وأكد الباحث السياسي السوداني أن “الحوار هو الحل”، مشددا على ضرورة إفراز قيادات من لجان المقاومة والثوار، باعتبار أنهم الآن أثبتوا قوتهم (في الشارع)”.
ورغم ذلك ألمح إبراهيم إلى وجود تحديات في وجه أي اتفاق، لأن هناك جهات قد تكون غير مستفيدة وتحاول عرقلة عملية الإنقاذ، ومنها من يرفع شعارات رافضة للشراكة والتفاوض والحوار”.
وبدأ المحتجون في التفرق بعد حلول مساء السبت، من أمام القصر الجمهوري، مقر السلطة الانتقالية التي يترأسها قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان.
وللوصول إلى الحكم الديمقراطي، أشار إيراهيم إلى أنه “لا بد للفترة الانتقالية أن تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة، والانتخابات ستعيد ترتيب الموازين بين القوى السياسية، وتعيد العسكر إلى ثكناتهم”.
“ولكن هناك بعض الشروط لتتم الانتخابات، مثل التعداد السكاني، ووجود قانون للانتخابات، واستقرار سياسي، وهذه أمور غير حاليا بالسودان”، كما يقول إبراهيم.
وبعد إدانة عدة دول لسيطرة العسكريين على السلطة، أعاد البرهان رئيس الوزراء المدني حمدوك إلى منصبه، لكن السودان ما زال من دون حكومة، وهو شرط لاستئناف المساعدات الدولية للبلد الذي يعد من الأفقر في العالم، وفقا لفرانس برس.
وبالإضافة إلى ذلك، وعد البرهان بإجراء أول انتخابات تعددية منذ عقود في يوليو 2023، لكن هذا لم يقنع أنصار السلطة المدنية في بلد عاش تحت حكم الجيش تقريبا دون انقطاع طيلة 65 عاما بعد الاستقلال.
وأعلن المحتجون أنهم سيتظاهرون مجددا في 30 ديسمبر، موضحين أنهم عملوا مع الجيش عام 2019 لتحسين الأوضاع، إذ يعاني السودان من ركود سياسي، ومن تضخم تجاوز 300 في المئة، لكنهم يريدون العودة بسرعة إلى حكم مدني صرف.
وقال المحلل السياسي عمسيب عوض، إن “الثوار أصبحوا متمرسين على الخروج إلى الشوارع، منذ نحو 3 سنوات”، عندما أطاحت ثورة 2019 بعمر البشير الذي حكم البلاد لـ 26 عاما.
وتوقع عوض في حديثه لموقع “الحرة” ألا يتراجع الشارع، بل قد يتم رفع سقف المطالب، وقد تصل إلى حد المطالبة بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين.
التصعيد مستمر
وفي إشارة إلى صعوبة حل الأزمة القائمة في السودان، أضاف عوض أن “هناك أطراف لا تريد التفاوض والشراكة، وهذا يعمق الأزمة، لأن المشكلة في السودان لا يمكن أن تحل إلا عن طريق التفاوض”.
ولمح عوض إلى أن إغلاق الجسور وبعض الطرق وقطع الإنترنت والاتصالات، وهو ما حدث بالتزامن مع مظاهرات الأمس، يشير إلى وجود أزمة حقيقية متصاعدة.
ويعتقد عوض أن مطلب الشارع بتسليم السلطة للمدنيين “لا تفاوض عليه، وهو مطلب أساسي”، ولكن في المقابل يشير إلى أن تسليم العسكريين السلطة للمدنيين “هو أمر غير وارد، والدليل القمع المستمر للاحتجاجات”.
ولحل الأزمة بين السلطة والشارع، يرى عوض ضرورة “تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين”، وهو أعلى سلطة في البلاد حاليا، وتم تشكيله لإدارة المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بالبشير، متوقعا استمرار التصعيد في الشارع والقمع من قبل القوات الأمنية.