المعلن من المبادرة التي طرحتها لجنة إصلاح قوى الحرية والتغيير أنها تستهدف توسيع قاعدة الانتقال، باصطحاب القوى السياسية التي لم تُجرم في حق الشعب السوداني داخل مواعين السلطة الانتقالية بمكوناتها الثلاثة، كما ترمي المبادرة إلى إقرار ميثاق وطني جامع، يقوم على الالتزام الصارم بالوثيقة الدستورية، لتأمين واستكمال عملية الانتقال.
تضمنت المبادرة الدعوة إلى إرساء دعائم التحول الديمقراطي، والتداول السلمي للسلطة، واستكمال عملية السلام، وترسيخ أسس الحرية والعدالة والمساواة والتمييز الإيجابي للشباب والمرأة، وتأسيس دولة المواطنة، والاهتمام بقضايا المُهمشين، والتوزيع العادل للموارد.
بتناول أكثر تفصيلاً طالبت المبادرة بتوسيع قواعد الحكم، والإسراع في تكوين المجلس التشريعي الانتقالي، وصيانة مبدأ استقلال القضاء، وتكوين المحكمة الدستورية، والمجلس الأعلى للقضاء، والمجلس الأعلى للنيابة، وباحترام نصوص وثيقة الحريات والحقوق، المدرجة في الوثيقة الدستورية.
مطالب عادلة وموضوعية، تتفق تماماً مع الشعارات التي رفعتها ثورة ديسمبر الخالدة، فما الذي يدعو المجلس المركزي للحرية والتغيير إلى رفضها؟
السبب الوحيد للتعنت في رأينا هو (حرص مَرَضي) على احتكار السلطة بواسطة مجموعة صغيرة، اختطفت البلاد، وهمينت على مقدراتها، وانتهكت غالب نصوص الوثيقة الدستورية، حتى حولتها إلى أسمالٍ بالية.
تقلصت القاعدة الضخمة التي كانت تستند إليها قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) من بضعةٍ وسبعين مكوناً إلى أربعة أحزاب فقط، منها ثلاثة ضعيفة السند، هزيلة القواعد، نالت سلطةً لا تحلم بها، ولا تتناسب مع قدراتها المتواضعة، فأساءت توظيفها، حتى أوردت بها البلاد موارد الهلاك.
كما ذكرنا من قبل فإن استمرار الوضع الحالي مستحيل، إذ لا يمكن لأي عاقل أن يتوهم ولو للحظة واحدة أن الأوضاع الحالية يمكن أن تقود البلاد إلى شواطئ النجاة، أو تساعد حكومة الفترة الانتقالية على استكمال مهامها الواردة في الوثيقة الدستورية.
واضح من تعنت مجموعة المجلس المركزي أنها أدمنت السيطرة على السلطة، وتريد أن تستمر في تلك الهيمنة السالبة، من دون أدنى مراعاة للمخاطر التي ستحيط بالبلاد نتاجاً لتلك الأنانية المهلكة، والهيمنة غير المبررة.
تمر بلادنا بأزمة سياسية خانقة، وحالة تشرذم غير مسبوقة، وأزمة اقتصادية متمددة، وحالة انهيار أمني مرعبة.
نحن حالياً إزاء دولة مفككة، تستند إلى حكومة تنفيذية ضعيفة الأداء، وتخلو من أي سلطة رقابية (المجلس التشريعي)، مثلما تفتقر إلى المحكمة الدستورية، والمجلس الأعلى للقضاء.. دولة من دون رئيس للقضاء، ولا نائب عام، ولا مجلس أعلى للنيابة، ولا مفوضية للانتخابات.
معظم مؤسسات الدولة معطلة، والخدمات العامة المتعلقة بالصحة والتعليم والمياه والكهرباء والرعاية الاجتماعية منهارة، والفقر متفشٍ، والغلاء قصم ظهور الناس وأوهى جَلَدهم.. والسبب ضعف الأداء الحكومي.
وزارة التربية والتعليم بلا وزير لقرابة العام، واثنتان من ولايات الشرق الثلاث بلا واليين، والشرق نفسه مغلق ومهدد بالانفصال.. والميناء مقفول.
على صعيد المجلس السيادي الاجتماعات معلقة، والتفاهم معدوم، والتشاكس سيد الموقف.
شركاء الحكم متنازعون ومنقسمون حتى على مستوى تحالف قوى الحرية والتغيير.
من يتوهم أن هذا الوضع الجنوني المرعب يمكن أن يستمر على ما هو عليه ننصحه بمراجعة أقرب مصحة للأمراض العقلية!!
ولو تم تصحيح الأوضاع المختلة ستحتاج الدولة السودانية إلى تكوين لجنة جديدة لإزالة تمكين أحزاب الاختطاف، واسترداد الأموال العامة، ومكافحة الفساد الجديد!!