لِنتمعّن في أحاديث السياسيين والذين يدّعون التحليل وبعض الأوساط الصحفية عن وجود قوى كبرى تسعى للتغيير في السودان وإحداث إنقلاب في نظامه السياسي، ونسأل ذلك السؤال الذي لم نجد من يُجيبنا عليه رغم كل المحن والمآسي التي هبطت على الشعب السوداني منذ العام 2019 ولغاية الآن على يد تلك القوى الكبرى التي كانت بقيادة اجنبيه مجهوله لإحداث ذلك التغيير المزعوم من نظام الحزب الواحد إلى متعدد كما يزعمون، ومن حكم محاصصي إلى حكم شامل يضم كل اطياف الطيف السوداني، ولماذا ذلك الإيحاء بأن التغيير يجب أن يأتي دائماً من الخارج؟ وهل هي لإيصال رسالة بأن الشعب السوداني وصل إلى مرحلة الإستسلام أو الخنوع فإرتضى بمن يحكمهم كائناً من يكون؟ فإن كان هذا صحيحاً فهذا يعني أنه أصبح بحكم القاصر الذي يحتاج إلى من يرعى مصالحه لحين بلوغه السن القانوني، لكن المشكلة هو متى يبلغ الشعب ذلك السن القانوني وهو الذي جرّب مافعلته به تلك القوى من تدمير وتخريب وصلت إلى مكونات شخصية المواطن السوداني طيلة الأعوام السابقة؟ ولماذا يعجز شعب تأريخه اكثر من (5000) سنة في أخذ زمام المبادرة من الداخل دون الإستعانة بالقوى الخارجية؟.
إيحاء السياسيين بأن التغيير سيأتي من الخارج هو لقناعتهم أو الإعتراف المُبطّن بأن السودانيين وصلوا إلى مرحلة الهدوء والإستسلام للأمر الواقع، وربما إلى درجة (الداجن) الذين لا هم لهم سوى الأكل والنوم والإبتعاد عن فريضة التفكير وهو منطق كارثي بكل ماتحمله من معاني إن صَحّتْ هذه الكلمة لِشعب إعتاد الآخرون في التحكم بمصيره والتلاعب بمقدراته ومزاجه، ثم كيف سيكون حجم السوء أو المصيبة لذلك التغيير القادم من الخارج دون أن يستوعب الشعب ذلك الدرس البليغ الذي احدثته ثورة سبتمبر المجيده وتضحية الشباب بارواحهم والمليونيات والتروس التي كانت بمثابة الزلزال الذي هدّم البشر والحجر في البلد وجعله مُتخلفاً إلى الوراء لعشرات السنين؟ وربما سيُعيد السؤال نفسه بصيغة أخرى وهو… هل بات الشعب السوداني مستعداً لتكرار التجربة بتدخل خارجي آخر أو حكاية مريرة أخرى قد تكون أقسى من السابقات؟.
تصريحات بعض السياسيين عن إحتمالية حدوث تغيير بتدخل خارجي ربما هو ناقوس خطر يدّق أجراسه للأصوات الوطنية وأصحاب الغايات النبيلة للوطن أن يكون التغيير على أيديهم لا بأيادي الغير، والبديل القادم سيكون سودانيا خالصاً تحت ماركة صُنِعَ في السودان وليس من وراء الحدود لكل من يُريد تبيان مفعول تجربته، فالسودانيين ليسوا فئران أو حقول تجارب لمحاولات الآخرين .
أما السلطة الحاكمة وهي تسمع وترى هذه التصريحات والأقاويل دون أن تحرك ساكناً وتقول لنفسها الأمارة بالسوء كفى، فيبدو أنها لم تتعلم من تجارب السابقين الذين حكموا عندما كانت نهاياتهم على الأغلب مأساوية، خصوصاً عندما يكون الشعب هو صاحب القرار في تلك النهايات وذلك القصاص، إمّا السحل أو الإعدام أو الشنق…وليت الحُكّام الجُدد يتعلمون من ذلك.
أَرى قدمي، أَراقَ دَمي
وَهانَ دَمي، فَها نَدَمي …
أرى قدمي، أَراقَ دَمي
وَهانَ دَمي، فَها نَدَمي
(هبه بت عريض)