ربما يتصور البعض أن الحديث عن وجود تعاون أمريكي مع أوكرانيا في مجال الأبحاث البيولوجية مرتبط بالهجوم الروسي على أوكرانيا فقط أو حتى بالأزمة الأوكرانية نفسها، التي هي في الأصل أزمة جيوسياسية بين روسيا وحلف الناتو، إلا أن جذور القصة ترجع إلى ما قبل ذلك بكثير وتتخطى أيضاً حدود الأزمة الأوكرانية.
وكانت وسائل إعلام قد وجهت، قبل سنوات، اتهامات لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بإجراء تجارب على فيروسات قاتلة ضمن برامج بيولوجية تتم في معامل على أراضي دول بأوروبا الشرقية، منها جورجيا ودول في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
وكانت الصحفية البلغارية ديلانا غيتاندجيفاقد أجرت تحقيقاً استقصائياً حول تلك القصة، زعمت فيه أن الجيش الأمريكي لا يزال ينتج الفيروسات القاتلة والبكتيريا والسموم، في انتهاك لاتفاقيات الأمم المتحدة، بحسب تقرير نشرته وكالة سبوتنيك الروسية عام 2019.
وخلص التحقيق إلى أن البنتاغون لديه برنامج عسكري للتجارب البيولوجية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وكشفت وثائق قالت الصحفية إنها تخص البنتاغون، عن قيام العلماء العسكريين تحت الغطاء الدبلوماسي باختبار فيروسات مصطنعة في مختبرات البنتاغون في 25 دولة، وقالت إن مئات الآلاف من الناس يصابون بانتظام بالتهابات ويعانون من مُسببات الأمراض والأمراض الخطيرة، من بين الدول التي فيها المختبرات جورجيا وكازاخستان وأوزبكستان وأرمينيا.
ويتم تمويل برنامج المختبرات الحيوية الأمريكي من قِبل وكالة DTRA العسكرية، بموجب برنامج تبلغ ميزانيته 2.1 مليار دولار، ويشمل برنامج التعاون البيولوجي المشترك، مع بلدان الاتحاد السوفييتي السابق (جورجيا وأوكرانيا) والشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وإفريقيا. لكن البنتاغون رفض تلك الاتهامات ووصفها بالادعاءات، وقال إن التعاون مع تلك الدول أهدافه علمية بحتة.
ظهرت وثائق على الموقع الرسمي للبنتاغون حول افتتاح مختبر “level-3 bio-safety” في عام 2010 في أوديسا لدراسة الجمرة الخبيثة والتولاريميا وحمى “Q” و “مسببات الأمراض الخطيرة الأخرى”. تعود خطط بناء المنشأة إلى عام 2005 ، عندما دخل السناتور باراك أوباما في شراكة مع مسؤولين أوكرانيين.
تمتلك الشبكة أيضًا تسجيلًا لبث جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ من رويترز وفي 47 دقيقة يسأل السناتور الجمهوري ماركو روبيو نائبة وزير الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند سؤالًا مباشرًا: “هل تمتلك أوكرانيا أسلحة كيميائية أو بيولوجية؟”
إجابتها:
“أوكرانيا لديها مرافق أبحاث بيولوجية ، و نحن الآن قلقون تمامًا من القوات الروسية التي يمكن ان تسيطر عليها، لذلك نحن نعمل مع الأوكرانيين على كيفية منع وقوع أي من هذه المواد البحثية في أيدي الروس “.
مع كل هذا ، لا تزال الصحافة الأمريكية لا تعتبر حوار روبيو مع نولاند جديرًا بالاهتمام للتغتطية. هذا الموضوع يتم تكتمه بكل الطرق الممكنة من قبل وسائل الإعلام العالمية ، على الرغم من مبادئ الدول الغربية بأن حرية التعبير هي حق غير قابل للتصرف لأي شخص ، وأن هذه الوسائط نفسها هي مصدر معلومات موثوقة وصادقة. يستمر الغرب في خداع الناس العاديين كما استمر في ذلك في الماضي. الولايات المتحدة ليست مهتمة على الإطلاق بأي شيء بخلاف مصالحها الخاصة.
ويرى الأمريكيون أن تلك الادعاءات تأتي في إطار نظريات المؤامرة، التي شهدت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة، لأسباب متعددة، منها منصات التواصل الاجتماعي، التي ساهمت بقصد أو بدون قصد في انتشار مثل تلك النظريات.
ومنذ تفشي جائحة فيروس كورونا حول العالم قبل أكثر من عامين، تبادلت الصين والولايات المتحدة الاتهامات بشأن أصل الفيروس وطبيعته، فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سماه “الفيروس الصيني” وروّج نظرية كونه تسرَّب من معمل بيولوجي في مدينة ووهان الصينية، ثم جاء جو بايدن وروّج أيضاً تلك النظرية. الصين من جانبها تقول إن فيروس كورونا تسرَّب من معمل بيولوجي في ولاية فيرجينيا الأمريكية، أي إن بكين وواشنطن تتهم إحداهما الأخرى بتصنيع سلاح بيولوجي.