أستقيظ السودانيون صباح الأمس الاثنين على نبأ غاية في الخطورة تمثل في محاولة إغتيال رئيس الوزراء السوداني في الحكومة الإنتقالية، د/ عبدالله حمدوك وذلك بإستهداف موكبة عبرعبوة ناسفة بالقرب من جسر القوات المسلحة بالخرطوم بحري، وكان رئيس الوزراء يتوجه الى مكتبة الكائن بمجلس الوزراء بوسط الخرطوم حينما انفجرت عبوة ناسفة بالقرب من موكبه إلا محاولة الإغتيال باءت بالفشل وأسفرت فقط عن اصابة أحد مرافقي حمدوك باصابات طفيفة، وتم نقل حمدوك من كان الحادث سريعا عبر سيارة تتبع للجيش.
بعد الحادث بساعتين كتب رئيس الوزراء تغريده يطمئن فيها الشعب السوداني على صحته ويؤكد أن ما حدث لن يثنيه وحكومته من إكمال مسيرة العمل في انجاز التحول الديمقراطي وفي خلق واقع سياسي واقتصادي يليق بالشعب السوداني وثورته العظيمة.
سابقة خطيرة
وتمثل محاولة الإغتيال هذه سابقة خطيرة في تاريخ المشهد السياسي السوداني، إذ لم يسبق تاريخيا ان تم استهداف شخصية رفيعة في الدولة بهكذا طرق، إذ ظل نموذج التصفية الجسدية المباشرة للخصوم السياسيين أمر لم يألفه الواقع السوداني عبر تاريخه إلا في مرات نادرة إبان حكم الجبهة الإسلامية الذي امتد لثلاثين عام قبل سقوطه بثورة في أبريل من العام الماضي، وكانت غالبية هذه الاغتيالات تتم في السجون والمعتقلات السرية عن طريق التعذيب.
تبادل الاتهامات
وتجئ محاولة إغتيال د/حمدوك لتفرض واقعا سياسيا وامنيا جديدا في السودان، إذ تقاذفت الأطراف السياسية الإتهامات المباشرة بشأن الجهات المسؤولة عن تنفيذ هذا المخطط الخطير، ويمكن قراءة هذه الإتهامات في سياقيين رئيسين، السياق الاول والذي تتبناه مكونات قوى الحرية والتغيير والسواد الأعظم من شباب وشابات ثورة ديسمبر المجيدة والتي اطاحت بنظام الرئيس عمر البشير.
ووجهة النظر هذه تشير بالاتهام الى النظام البائد والأحزاب التي تنتمي للجبهة الإسلامية كاحزاب المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن والتيارات الأسلامية الأخرى. وهو اتهام يقوم على فرضيات منطقية باعتبار ان الجبهة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني والجماعات الإسلامية، تضررت كثيرا من عملية التغيير التي طالت السودان بعد ثورة ديسمبر، اذ حُجمت مصالحها وخسرت الامتيازات التي كانت تحظى بها واقتلعت منهم السلطة والثروة وتمت ملاحقة قادتها وزجوا بالسجون، وتم اقصائها من المشهد السياسي والمشاركة في هياكل السلطة الإنتقالية وتمضى الآن حكومة الفترة الانتقالية برئاسة د/ حمدوك في تفكيك النظام البائد.
وبالتالي تظل هذه الفئات هي المستفيد الأول من عملية اغتيال رئيس الوزراء وهي تستهدف بذلك ليس حمدوك في شخصه انما الفترة الانتقالية وإعاقة عملية التحول الديمقراطي التي تجرى الآن في السودان واجهاض الثورة عن طريق خلق الفوضى ونسف الحكومة الانتقالية.
الاسلاميون يهاجمون
اما السياق الآخر فتتبناه التيارات والأحزاب الاسلامية نفسها والتي تم اقصاءها من المشاركة في حكومة السودان الانتقالية، فهولاء يتهمون أحزاب من داخل قوى الحرية والتغيير المكونة للحكومة الإنتقالية، بوقوفها وراء عملية الإغتيال، ويقول هولاء أن قوى الحرية والتغيير قامت بعمل ” مسرحية الإغتيال ” وهى ترمى بذلك ان الفعل ليس جدي وانما مصطنع من اجل غرضيين اساسيين، الأول هو استثارة حث التعاطف من قبل الشارع السوداني تجاه حمدوك وحكومته ولإعادة الشعبية لرئيس الوزراء والتي تراجعت بسبب الأزمات الاقتصادية التي يعيشها المواطن السوداني في ظل ندرة كبيرة في السلع الحيوية والاستراتيجية ” الوقود، الخبز، الدواء “.
وبالتالي اعادة اللحٌمة والتناغم من جديد بين الشارع وحكومة الثورة، اما السبب الآخر هو التخلص من الخصوم الاسلاميين بوصفهم ” المتهم الاول” والزج بمن تبقى منهم في السجون وحظر انشطتهم السياسية واقصاءهم نهائيا من الساحة، لا سيما وانه بُعيد المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء نادى العديد من قادة قوى الحرية والتغيير وبعض النشطاء بضرورة تفكيك نظام الاخوان المسلمين عاجلا وليس آجلا.
وما بين وجهتي النظر هذه لا يمكن بالمرة تجاهل فرضية أن تكون جهات خارجية متورطة في عملية الاغتيال، اذ ان هناك محاور اقليمية كثيرة ظلت تتدخل في الشأن الداخلي السوداني وهذه المحاور تضررت مصالحها وفقدت امتيازاتها بعد التحول الذي حدث في السوداني بفعل الثورة وزوال النظام الاستبدادي الآحادي، الذي كان يؤمن لها مصالحها، وهذه القوى الخارجية الاقيليمة لن تتوانى لحظة في إفشال الفترة الانتقالية وخلق الفوضى، وبالتالي تقديم السلطة على طبق من ذهب للجيش بوصفه حينها الضامن الوحيد للأمن.
رد الفعل الرسمي،اعتقال مشتبه بهم
وأكدت مصادر أمنية سودانية أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على شخصين أجنبيين، من دون أن يكشف عن جنسيتهما، في إطار التحقيقات الجنائية حول محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك .
كما أشار المصدر إلى أنّ الأجهزة الأمنية باشرت تحقيقاتها في محاولة الاغتيال. وكانت مراسلة العربية والحدث في السودان أشارت إلى أن السلطات اعتقلت عدداً من الأشخاص بينهم أجانب مشيرة إلى تعالي الأصوات الشعبية المطالبة بتعزيز الأمن في البلاد.