تنشط في السودان جماعة شبابية تسمى ”غاضبون بلا حدود“ في قيادة الاحتجاجات على طريقتها الخاصة، فهي غاضبة من الكل، ”أحزاب سياسية وقوى عسكرية“، وترى أن الجميع شركاء في ضياع تحقيق أهداف الثورة السودانية.
وتصب الجماعة جام غضبها على أطراف المشهد السياسي في السودان، وترفع هتافات مناهضة للكل، وهي فقط تمجد ”الشهداء“ ضحايا الاحتجاجات، وتطالب بالقصاص لهم من قاتليهم، كما لا تتردد في مبادلة الأجهزة الأمنية العنف بالعنف خلال المظاهرات.
وحذر محللون من تحول هذه الجماعة إلى تنظيم مسلح في وجه الدولة حال استمرت السلطات في مطاردة عضويته واعتقالهم وتعذيبهم وتلفيق الاتهامات لهم، مثلما حدث مع عضو المجموعة البارز محمد آدم توباك، الذي تحتجزه السلطات، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي؛ بتهمة التورط في مقتل العميد شرطة علي بريمة، طعنًا بالسكين، خلال احتجاجات بالخرطوم.
وتقول جماعة ”غاضبون بلا حدود“ إن ”توباك، ليس له علاقة بمقتل ضابط الشرطة، وإنما جاء القبض عليه كمحاولة لتصفية المجموعة بتلفيق الاتهامات الباطلة“.
وكانت محامية توباك، رنا عبدالقادر، قالت في تصريح صحفي إن ”التحقيقات مع موكلها الموقوف على ذمة مقتل ضابط الشرطة لم تتطرق إطلاقا لموضوع الجريمة، وإنما انصبت حول هوية جماعة غاضبون بلا حدود، ومن يمولها ويقف خلفها“.
لا انتماءات سياسية
ويتهم البعض في السودان تبعية جماعة غاضبون بلا حدود، للحزب الشيوعي السوداني، لكن أحد أعضاء المجموعة، طلب حجب اسمه، رفض هذا الاتهام، وقال لـ ”إرم نيوز“ إن ”جميع أعضاء المجموعة ليس لهم انتماءات للأحزاب السياسية، ولا يوجد حتى تواصل بين الجماعة والقوى السياسية، بل هي على خلاف معها في كثير من المواقف“.
وأشار إلى أن ”جماعة غاضبون، تكونت في الأساس لأجل التعبير عن الغضب مما جرى في المشهد السياسي عقب فض اعتصام المحتجين أمام القيادة العامة للجيش، في 3 يونيو/ حزيران 2019، بعد أن عادت القوى السياسية واتفقت مع المجلس العسكري المتهم بفض الاعتصام“.
وأضاف: ”الغاضبون، كانوا يلتقون أمام محاكم الشهداء خلال وقفات احتجاجية تنظم بالتزامن مع جلسات محاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين، خصوصا محكمة الشهيد أحمد الخير، والذي قتل تحت التعذيب في فبراير/ شباط 2020 على أيدي عناصر أمن نظام البشير، خلال تصديه لموجة الاحتجاجات التي أسقطته في آخر المطاف“.
وتابع: ”كانت هذه اللقاءات هي النواة لتكوين جماعة (غاضبون بلاحدود)، وكان الهدف هو الضغط لتحقيق العدالة لذوي الشهداء أولا، ومن ثم تحقيق كل أهداف الثورة، لكن للأسف لم يتحقق شيء والآن ارتدت الأوضاع إلى المربع الأول“.
ورفض عضو ”غاضبون“، الخوض في تفاصيل رؤية الجماعة المستقبلية، وما إذا كانت ستتحول إلى تنظيم سياسي مستقبلا أم لا، قائلا إنهم ”مشغولون الآن بإسقاط الانقلاب، الذي كلفهم حتى الآن 10 شهداء من عضوية الجماعة سقطوا خلال الاحتجاجات وعشرات الإصابات والمعتقلين“.
وتمتلك ”غاضبون بلا حدود“ فرعيات في مدن العاصمة الثلاث ”الخرطوم وبحري وأم درمان“، وهم على تواصل وتنسيق عالٍ في مواكب الاحتجاجات التي يتقدمونها بأعلامهم المميزة باللون الأسود وعليها رسمة قبضة اليد“.
وتحرص الجماعة على تذييل بياناتها التي تنشرها على صفحتها في فيس بوك، بعبارات محددة هي: ”البلد دي حقتنا ومدنية حكومتنا، والمجد للشهداء، والحرية للمعتقلين“.
أفق سياسي مستنير
ورأى الناشط السياسي علي فارساب، أن ”جماعة غاضبون هي مجموعة منظمة ولديها أفق سياسي مستنير في كيفية إدارة البلاد، ما يدل على أنها تضم مجموعات خلاف التي تظهر في المواكب الاحتجاجية“.
وقال فارساب لـ ”إرم نيوز“، إن ”ما تقوم به الجماعة في مواكب الاحتجاجات والبيانات التي تصدرها هو عمل عالي الترتيب وليس ارتجاليا كما يعتقد البعض.. ويتوقع أن تتحول الجماعة قريبا لتنظيم سياسي أكثر فاعلية أو جماعة ضغط على الحكومة المدنية حال قيامها، لتحقيق أهداف التحول الديمقراطي“.
وحذر فارساب من أن ”تتحول المجموعة إلى تنظيم مسلح يستخدم أساليب المقاومة العنيفة، حال استمرت القبضة الأمنية على البلاد، وزادت وتيرة الاستهداف والمطاردة لعضوية المجموعة الغاضبة“.
وتابع: ”هم أشخاص لهم ارتباطات مباشرة بقضايا الشهداء، إما أصدقاءهم أو أقرباءهم، لذلك يملؤهم الغبن والغضب، وهو ما يدفعهم إلى الاشتباك العنيف مع الأجهزة الأمنية والشرطية خلال الاحتجاجات، أتوقع أن يذهبوا إلى تنظيم أنفسهم بصورة أكبر، فهم يمتلكون قدرات تنظيمية عالية، كما لديهم تواصل وتشبيك مع جهات مختلفة من منظمات المجتمع المدني وجهات داعمة للتحول الديمقراطي“.
وأكد أن الجماعة ”أشبه بالتنظيم السري يصعب اختراقها“، مشيرا إلى أن ”لديها هيكل تنظيمي لكن لا أحد يعرفه، بخلاف مكتب الإعلام المسؤول عن إصدار البيانات وإدارة الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي“، موضحا أن ”أعمار أفراد الجماعة تتراوح بين 20 إلى 30 عاما“.
وزاد: ”غاضبون لديها شباب يمتلكون قدرات فكرية عالية يسوقون خط المواجهة، يظهر ذلك من خلال البيانات المرتبة التي تصدرها، كما أنها تحرص على عدم الدخول في مواجهة مع لجان المقاومة السودانية ذات الشعبية العالية حتى تعزل نفسها“.
واللافت أن الجماعة تمتلك في بعض الأحيان قنابل غاز مسيل للدموع تطلقه على الجهات التي تدخل معها في صدام، مما جعل البعض يتهمها بأن لها ارتباطات مع الأجهزة الأمنية.
وكانت عدد من الندوات السياسية التي نظمتها الأحزاب في الخرطوم تعرضت إلى التخريب بإطلاق الغاز المسيل للدموع بواسطة مجموعات مجهولة، وقد أشارت أصابع الاتهام إلى جماعة ”غاضبون بلا حدود“ بالوقوف وراء ذلك.
ولكن الجماعة التي لا تنكر امتلاكها للغاز المسيل للدموع، تنفي أي علاقة لها بالأجهزة الأمنية، وتقول إنها تحصل على ”القنابل“ كغنائم أثناء الاشتباك مع الشرطة في الاحتجاجات.
وذكر الناشط في حراك الاحتجاجات مصطفى سعيد، لـ ”إرم نيوز“، أن الجماعة جسم ثوري راديكالي نشأ وفقا لتطورات موضوعية مر بها الشباب الذين انخرطوا في الحراك“، مضيفا: ”حتى بعد إسقاط نظام البشير، لم يتخلَ هؤلاء الشباب عن شعارهم الذي يرفض أي مشاركة سياسية مع الشق العسكري، وكانوا يرون أن القوى السياسية وجزءا من لجان المقاومة، قد تخلوا عن مبدأ المدنية الشاملة للدولة بارتضائهم الشراكة؛ مما جعلهم يخوضون صراعات متعددة مع القوى السياسية، وبعض اللجان“.
وأشار إلى أن ”غاضبون، أقاموا قبل فترة فعالية سياسية في أم درمان، تحت مسمى، الغضب الشعبي، ما يدل على أنهم بدأوا يسيرون خطوات إلى الأمام في تنويع الفعل الثوري، والتركيز على الجانب الاجتماعي، وتوحيد قوى الثورة، ومن ثم تأتي خطوة المشاركة السياسية، وتبني وجهات نظر تتعلق بالقضايا العامة“.
لكن سعيد يستبعد أن تتحول هذه المجموعات إلى حركات تتبنى العنف؛ نظرا للإيمان المطلق بمبدأ السلمية، قائلا: ”لا أستبعد أن تكون هنالك محاولات لاستدراج هذه الجماعات لميدان العنف، خاصة السلطة الانقلابية التي تبرع وتتفنن في العنف، حتى توجد أسباب موضوعية لعنفها المضاد“