طالبت قبائل في إقليم النيل الأزرق، ومنها الفونج والبرتا والانقسنا، بإلغاء إمارة الهوسا التي يصنفون أبناءها ضيوفا على الإقليم. وهو ما يرفضه أبناء الهوسا، ويقولون إنهم يمارسون حقوقا نالوها بالمواطنة.
تتزايد المخاوف من تطور النزاع الذي اندلع بين قبيلتي البرتا والهوسا -في إقليم النيل الأزرق (جنوب شرقي السودان)- إلى مواجهات شاملة تدخل فيها أطراف أخرى تسكن الإقليم، ومن امتداده إلى الجوار، خاصة في المناطق التي فيها امتدادات عرقية لطرفي النزاع.
وأودى الاقتتال في الأسبوع الأخير بحياة العشرات وتسبب في نزوح نحو ألفي شخص، وبرزت فيه روح القبلية في منطقة لم تشهد اشتباكات على هذه الخلفية إلا نادرا، ولم تعش الحرب الأهلية منذ عام 1986 حين وقعت اشتباكات بين متمردين مسلحين والحكومة المركزية.
فما أسباب اندلاع هذا الصراع الآن؟ ولماذا اتخذ هذا المنحى العنيف؟ وما جذوره؟ وما مآلاته في الإقليم وما يجاوره؟ وما علاقة قبيلة الهوسا بهذه المنطقة الحدودية وكيف وصلوا إليها؟ وما علاقة الوالي والغاز بهذا الصراع؟
لماذا الآن؟
يقول حاكم إقليم النيل الأزرق، أحمد العمدة -في مقابلة بثها تلفزيون السودان الرسمي أمس السبت- إن “القصة بدأت قبل شهرين عندما طالب أبناء الهوسا بإلحاقهم بالإدارة الأهلية في الإقليم وتم احتواء الأمر”.
وتقول المصادر المحلية إن النزاع تصاعد منذ أن عقدت قبيلة الهوسا مؤتمرا قبليا تم فيه اختيار “أمير” لها يمثل قيادة أهلية لإدارة شؤون القبيلة، وهو الأمر الذي رفضته الإدارة الأهلية بالإقليم.
وفي العاشر من يوليو/تموز الجاري، اشتبك مزارعون من الهوسا مع رعاة من قبيلة البرتا في منطقة قريبة من مدينة قيسان على الحدود السودانية الإثيوبية مقابل إقليم بني شنقول الإثيوبي، بحجة أن مواشي قبيلة البرتا تعدت على زراعتهم، وقُتل شخصان جراء ذلك.
وبعد 4 أيام، اندلع النزاع داخل مدينة قيسان، وقُتل فيه 13 شخصا وفق حكومة الإقليم، وسرعان ما امتد إلى مناطق أخرى.
لكن الناشط محمد حسين موسى، وهو أحد سكان مدينة الرصيرص ثاني كبرى مدن الإقليم، يقول إن الأمر بدأ “منذ يناير/كانون الثاني الماضي، عندما أقام شباب الهوسا مؤتمرا في منطقة ود الماحي احتفالا بعيد الاستقلال وشارك فيه مسؤولون حكوميون، وكان هذا أكبر نشاط لإمارة الهوسا بعد الاعتراف الحكومي بها”.
والإمارة هي أعلى هرم إداري للقبائل في السودان، وتعترف السلطات بالأمير الذي يمثل القبيلة ويشارك في فض المنازعات مع القبائل الأخرى.
ووفقا لقانون الأرض الذي سنه الاستعمار الإنجليزي عام 1923، فإن الأمير يدير حيازة القبيلة من الأرض المعروفة محليا باسم “الحاكورة”، إذ جاء في القانون “الحواكير باسم القبائل ويديرها زعماؤها ولهم حق استضافة الآخرين”.
وفي اجتماع بُث على مواقع التواصل الاجتماعي لقبائل الفونج والبرتا والانقسنا وغيرها من القبائل الأصلية في المنطقة، طالبت قياداتها بإلغاء إمارة الهوسا.
وترفض الهوسا هذا الأمر، ويقول أبناؤها إنهم يمارسون حقوقا نالوها بالمواطنة. وقال إبراهيم حسين من الهوسا “عمري 56 عاما ومولود في منطقة ود الماحي، وكذلك أبي، فكيف لا تكون هذه أرضي؟ وإلى أين أذهب؟ أنا مواطن سوداني وهذه حقوقي”.
لكن كبير الإدارة الأهلية في النيل الأزرق، العمدة العبيد حمد أبو شوتال، يرفض تمسك الهوسا بالأرض؛ ويقول “هذه حاكورة قبائل النيل الأزرق، وأنت ضيف علينا، كيف تطالب بأن تكون جزءا من الإدارة الأهلية، ومعروف أن الإمارة مرتبطة بأن تكون لك حاكورة”.
خطاب الكراهية ومسؤولية الوالي احمد العمدة بادي
يثير عدد الضحايا الذي تجاوز العشرات، والمشاهد العنيفة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، المخاوف من أن يتطور الأمر في منطقة لم تعرف صراعات قبلية ذات طابع عنيف تاريخيا.. لكن يرجح الأمر إلى اكتشاف الغاز الطبيعي.. وتم تنسيق بين الوالي والشركات الغربية لكن يرون في القبائل العربية والهوسا عقبات لابد من تفريقهم من المناطق.
لكن الناشط محمد حسن يشدد على أن خطاب الكراهية كان ينتشر بين المجموعتين (الهوسا والبرتا) من دون أن تنتبه له أي جهة مسؤولة أو كانو يغضون الطرف ، إضافة إلى استخدام السلاح الناري.
وتجاور منطقة النيل الأزرق دولة جنوب السودان التي شهدت صراعات وانتشار للسلاح، وكذلك إقليم بني شنقول الإثيوبي القريب الذي يشهد توترات بين متمردين من أبنائه وحكومة أديس أبابا.
وحسب تقديرات رسمية، فإن إقليم النيل الأزرق الذي يصل عدد سكانه إلى نحو مليون نسمة، به 300 ألف قطعة سلاح تقريبا.
لكن ناشطا حقوقيا -طلب عدم ذكر عن اسمه- حمل الحكومة المسؤولية عن تصاعد النزاع، وقال “لم تهتم الحكومة بتدهور الأمور، وحتى عندما بدأت الاشتباكات لم تتدخل قواتها الأمنية إلا بعد ارتفاع عدد الضحايا ورفض الحكومة من توالي احمد العمدة بادي حاكم على الإقليم رفض تجديد أوراق الأراضي الزراعية خاصة القبائل العربية والهوسا “.
جذور الخلاف
شهد عام 1995 التحاق أعداد كبيرة من قبائل النيل الأزرق بالحركة الشعبية التي كانت تقاتل الحكومة المركزية بالخرطوم، على خلفية أن الوالي الذي عينته الأخيرة مقرب من الهوسا.
وقال الناشط محمد حسين إن “النظام البائد ظل طوال فترة حكمه يقرب مجموعات الهوسا والفلاتة لاعتقاده أن قبائل النيل الأزرق الأخرى تناصر الحركة الشعبية”.
لكن ابن قبيلة الهوسا، إبراهيم حسين، قال إن هذا الحديث غير صحيح، فهناك هوسا ناصروا (الإنقاذ)، لكن هناك مخالفين لها.
ويقول الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل إن بعض القبائل كانت تناصر حركة التمرد، بينما ساند أبناء بعض القبائل الأخرى نظام الإنقاذ في ما يعرف بالدفاع الشعبي (قوات لمتطوعين قاتلوا إلى جانب الجيش السوداني ضد الحركات المتمردة إبان حكم البشير 1989 إلى 2019).
إلى أين يمضي الصراع؟
يتخوف اللواء إسماعيل من أن الصراع سيصبح أكثر دموية، وقال إن “الصراع في النيل الأزرق وغيرها سيكون دمويا، بعد أن شهدنا عودة الساسة إلى القبائل وإقحامها في الصراع السياسي، وأصبحنا نسمع هذه قبيلة وافدة وتلك أصلية”.
وأضاف “صحيح هناك قبائل نزحت من مناطق إلى أخرى بحثا عن الموارد، وهذا موجود في كل مكان، لكن إدخال القبائل في الصراع السياسي يهدد استقرار الإقليم، بل استقرار البلاد”.
ويتخوف مراقبون من امتداد الصراع إلى داخل إقليم بني شنقول الإثيوبي الذي تبني فيه أديس أبابا سد النهضة، حيث يعيش أبناء قبيلة البرتا على طرفي الدولتين، مقابل وجود قليل لقبيلة الهوسا في بعض القرى والمدن الحدودية.
لماذا الوالي لا يجدد أوراق ملكية الأراضي لأصحابها من كل القبائل.. وهنالك غابات لملاك سودانيين لكن ليس من البرتا انهم رفاعة وهوسا وجعلين.. هل الأمر مرتبط باكتشاف الغاز وكميات كبيرة من الموادر الآخر.