الحرص والحذر والتوجس الامني الذي استعملته السلطات مع وجدي صالح وهي تلاحقه في الصحف بالإعلان عن (متهم هارب)، ومصادرة والي ولاية الخرطوم للأدوات الشخصية لوجدي صالح وهو في محبسه، وحرمانه حتى من (المخدة) و(الملايا) وربما (نظارته) ايضاً، هو امر لو استعملته السلطات في ولاية النيل الازرق كما نبهنا لذلك الزميل عبداللطيف ضفاري لما سقط قتيل واحد او كان هناك مجرد (مصاب) او (جريح) جراء هذه الاحداث – بعد ان ارتفع عدد القتلى في الولاية الى أكثر من (178) شخصاً وإصابة العشرات في ولاية النيل الأزرق السودانية في اشتباكات قبلية جديدة اندلعت ظهر الأربعاء. المخاطر تبقى في ان هذا العدد يمكن ان يتضاعف في الساعات القادمة في ظل السيولة الامنية التى تعيش فيها البلاد.
السلطة لا يعنيها غير (كراسيها).. اذ يمكن ان تشكل عليها (مخدة) وجدي صالح خطراً بينما مقتل (178) قابلين للزيادة لا يعنيهم في شيء.
يمكن ان يغلقوا الجسور بالحاويات ويسدوا مداخل الخرطوم وينشروا قواتهم بعتادهم وعدتهم في الخرطوم من اجل حماية انفسهم – اما حماية المواطنين فلا قيمة لها عندهم.
الدم السوداني (رخيص).. وزارة الداخلية رفعت في موازنتها للعام القادم رسوم الجواز العادي (10) سنوات إلى (50) ألف جنيه. وتضمن مقترح الزيادة كذلك، جواز الطفل (5) سنوات إلى (25) الف جنيه، ورسوم الجواز التجاري إلى (250) الف جنيه
السودان هو الدولة الوحيدة في العالم الذي يمكن ان يكون فيه (الجواز) اغلى من حياة (المواطن) نفسه.
حوّل وزير المالية المواطن السوداني الى (صراف آلي) ليتم (حلبه) بالرسوم والجبايات على هذا النحو الذي جعل الحكومة السودانية لا يهمها في المواطن السوداني إلّا (الجبايات) و (الرسوم) التى تتحصل منه. المواطن السوداني الذي يُحلب بهذه الطريقة لماذا لا توفر له الحكومة ادنى حقوقه من امن واستقرار وطمأنينة؟
لكن كيف لنا ان نطلب ذلك من السلطات؟ .. اذا كانت السلطات نفسها جزءاً من المشهد في نشر الرعب والذعر بين المواطنين. المتهم الاول في تلك الاحداث التى تشهدها ولاية النيل الازرق وكانت قد شهدتها قبل ذلك ولايات مختلفة في السودان هي (الحكومة). قتل مواطن سوداني في مخفر الشرطة نتيجة تعذيبه – حدث ذلك في قسم شرطة!! .. ماذا تتوقعون ان يحدث بعد ذلك في مناطق الصراع والحروب؟
هذا الوطن يجب ان يحميه المسؤلون بالابتعاد عنه .. والتضحية من اجلها بالكراسي والتنازل عنها .. لا يريد منكم الوطن اكثر من ان تبعدوا عنه .. فانتم الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن هذا الوطن واستقراره. لم يكتفوا بالجبايات والرسوم التى يفرضها جبريل ابراهيم على المواطنين .. وانموا فرضوا على ابناء هذا الوطن الموت الزؤام وهم يشعلون نار الفتنة ويوقدون جمر النزاعات القبلية. الرصاص اصبح مفروضاً على المواطن السوداني مثل الرسوم التى يجب عليه ان يدفعها اذا اراد ادنى شيء من حقوقه الدستورية والوطنية… ويجد بعد ذلك (القتل) مقابلاً للرسوم التى يدفعها للحكومة.
ما يحدث في النيل الازرق وفي لقاوة هو شيء طبيعي لوجود (10) جيوش في الخرطوم انتظاراً لنصيبها من مخصصات السلام.
ما يحدث في الشوارع من تفلتات وفوضى تشهدها العاصمة السودانية نفسها طبيعي ان يؤدي الى مقتل (178) مواطناً سودانياً في نزاعات قبلية في ولاية النيل الازرق.
اذا غابت السلطات وغاب الأمن في شارع القصر وهو في قلب الخرطوم وعلى بعد خطوات من القصر الجمهوري ،هل يمكن ان نجدهم في مناطق النزاع ومواقع الصراع في مناطق الهامش التى لا يوجد فيها (وعي) ولا كهرباء ولا مياه ولا خدمة انترنت؟
اننا نفقد الأمن والاستقرار في ظل حكومة (عسكرية) كاملة ومكتملة (الاركان) والحركات المسلحة كانت تحاسب (المكون المدنى) على ارتفاع سقف (الحريات) في الوطن.
الموت في السودان لم يعد بالرصاص وحده .. المواطن السوداني يموت ايضاً رمياً بالجبايات. لقد اتجه جبريل ابراهيم بعد اتفاقية السلام من الحرب بالرصاص الى الحرب بالجبايات والرسوم.
فلتدم انت ايها الوطن.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).