ـ في البدء تجدني متفهماً لكمية الأذى الذي تسوقه هذه الكتابات لكثيرين ، بعضهم منتفع من هذه الأحزاب ويحرص على ابقائها على حالة ضعفها هذه لأنه يأكل من ظهرها ، وبعضهم مسكين لا يزال يعلق أحلامه على هذه الحفنة من الأحزاب العقائدية المتحجرة والمتيبسة والطائفية الأسرية المختطفة … أعلم أن هز شجرة الأحلام هذه أمر يسبب الكثير من الصدمات والكدمات النفسية ولكن لابد من عمليات (كحت) معرفي وتوعوي لهؤلاء المخدوعين البسطاء والتي لاتقل أهمية عن عمليات (الكحت) للأرحام التي تحمل في جوفها (بقية) أجنة ميتة ودم ونزيف متخثر ….فشنو …( اتحملوا شوية ) !!
ـ بعد ستة عقود من نشأة وقيام الأحزاب السياسية السودانية يتأكد الآن أن هذه الأحزاب لم تعد قادرة على تحقيق تطلعات الناس في التطور والإستقرار السياسي وتحقيق المناط من ( الديمقراطية )
– النشأة المشوهة والمتعجلة لهذه الأحزاب والظروف الاستثنائية التي تشكلت فيها جعلها دوما في حاجة ملحة لإعادة تأسيسها وتشكيلها ، إعادة تأسيس على مستوى الفكرة والبرنامج والمشروع السياسي وإعادة تنظيم على مستوى العضوية والتمويل والخطاب (العملي والواقعي).
ـ أقسى علة ذبحت صحة وسلامة هذه الأحزاب انها تعرضت للإختطاف ..الاختطاف الآيدولوجي الظلامي الشديد الضيق والاختطاف الأسري الإنتهازي الطائفي…هذه العلة جعلت من هذه الأحزاب كائنات شبحية شاحبة تعيش على التكاثر البكتيري والفيروسي في المشهد السياسي ، تستفيد من تناقضاته ومطباته فائدة تكتيكية وعندما يحين موعد صعودها لتنفيذ الإستراتيجي تسقط كل هذا السقوط الداوي
ـ صعدت هذه الأحزاب بعد خروج المستعمر لتحقيق احلام مابعد الإستقلال فاحتربت فيما بينها وتمزقت وانقسمت واستعانت على بعضها البعض بالجيش ، ثم صعدت لتحقيق احلام اكتوبر فانقسمت ثم صعدت لتحقيق أحلام ابريل فكررت ذات الانقسام والآن جرح تجربتها الاخيرة مفتوح ومتقيح تفوح منه الروائح من كل إتجاه …ألم تنقسم قحط بعد صعودها للحكم بعد ذهاب البشير؟ ألم ينقسم المهنيون وتجمعهم؟. ألم ينقسم الصحفيون وجمعياتهم؟. ألم ينقسم البعثيون على بعضهم البعض؟. ألم تنقسم قيادات حزب الأمة ؟ ألم تنقسم المكونات الخمس الموقعة على ميثاق قوى الحرية والتغيير ؟ نداء السودان في جهة وقوى الإجماع في جهة ومنظمات المجتمع المدني (الوهمية) في جهة والتجمع الإتحادي في جهة ، وتجمع المهنيين في جهة؟. ثم انقسمت قوى الإجماع ..الشيوعي في جهة والبعث في جهة ، ثم انفلخت قصبة نداء السودان ،، فاصبحت الحركات المسلحة تمتطي ظهر قصبة ، وحزب الأمة والمؤتمر السوداني ظهر القصبة الأخرى …و ….عيييك ثم ظهر تحت هذا ( الكسّار) الحزب الجمهوري منقسماً والناصري منقسما ولجان المقاومة منقسمة وأسر الشهداء منقسمة ….( محن جد ) وعندما تضع دماغ هذا الشتات الحزبي تحت فحص الأشعة المقطعية لتستكشف سبب هذه الحالة الإنقسامية المستمرة ستصل لنتيجة واحدة وهي أنها ليست أحزاب حقيقية قائمة على رؤية او فكرة بل هي ( لمامة ) سياسية ، بقايا فكرة او متبقي عهد مضى ليست مصممة لبناء المستقبل أو التخطيط له …مزع وريقات تجمعها نسائم الصباح في زاوية وتشتتها رياح الظهيرة في بقية ( الأكيام)
ـ أحزاب عدد الذين يخرجون من عضويتها أكثر من الداخلين …كيف لا وآخر شخص استقطبه الحزب الشيوعي وجنده بالفكرة هو صديقنا طارق عبدالمجيد وهو يخطو الآن نحو عقده السادس مد الله في عمره وهداه أما زمرة العضوية الجديدة فهي العضوية المستقطبة بالطبل والهتاف (تنكي برنكي خش البنكي)
ـ ولهذا فقد كان نصحنا الدائم لهم وقبل ركوب مايسمى بموجة الثورات هو إعمال منهج الإصلاح داخل أحزابهم وذلك حتى تتوافر لديهم باءة إدارة المستقبل والتخطيط له …حتى يحتفظون بجدوى بقائهم واستمرارهم ولايضطرون لتقوية شأن المنظومات العسكرية مثلما فعلوا مع الحركات المسلحة وحميدتي التي يتباكون منها اليوم …ولأنهم يواجهون خصما ومنافسا سياسيا سبقهم في البناء الفكري والتنظيمي بمراحل …تنظيم أبكاهم وهو حاكم وجرسهم وهو خارج الحكم …تنظيم حشد في صفوفه باكرا الكثير من المثقفين والصفوة الذين ظلوا يلقحون باستمرار فكرة وجودهم الأولى فاحتفظوا بقصب السبق على غرمائهم حيوية وانتاجا ونشاطا.
ـ اختر من طرف قائمتهم النسوية أى إسم …مثلا .. أميرة الفاضل ..قدموها كوزيرة فنجحت وقدموها كخبيرة في قيادة المنظومات الإقليمية فملأت مقعد وظيفتها حتى (غارت) بقية المقاعد ثم قدموا روضة الحاج بسمتها وعبقريتها فأصبحت مشروع نجاح قائم بذاته.
ـ قدموا مأمون حميدة مديرا لجامعة الخرطوم والذي رفض سياسة التعريب التي كان يتبناها بروف إبراهيم أحمد عمر وعندما ضغطوا عليه لتنفيذها قدم استقالته وأقام مشروع جامعته الخاصة التي حافظ فيها على قناعاته فبز حتى جامعة الخرطوم فهؤلاء القوم لم يكونوا ينصاعون لرأى سياسي مركزي آحادي رغم أنهم أبناء فكرة واحدة !!
ـ وقدموا إسماعيل المتعافي واليا للخرطوم وقبل أن يؤدى القسم ( اشترط) على الرئيس ..نعم اشترط …ألا يرأس حزب المؤتمر الوطني في الولاية وألا يستدعوه للحديث في ندوة سياسية وتفرغ لبناء خمس كباري بتمويل ذاتي من مالية ولاية الخرطوم ( وزحم ) حارات الخرطوم بشوارع الأسفلت
ـ وقدموا أمين حسن عمر ..رائد النقد والإصلاح الذي صدح قائلا لن نسمح بالتجديد للرئيس(وبالقانون)!! بل وقدموا بروف ابراهيم احمد رئيسا للبرلمان الأخير وعندما استدعاه المكتب القيادي وطلبوا منه سحب مشروع تعديل قانون الإنتخابات صرخ في وجوههم ( اسحبوا كيف؟ده برلمان مش جمعية أصدقاء المؤتمر الوطني، أما ان يفوز المشروع أو ان يسقط بالتصويت ولكن اللوائح تمنعني من سحبه).
ـ غرماؤكم أيها السادة لم يكونوا مجرد حزب سياسي راكد بل كانوا كيانا فكريا واجتماعيا يمور حيوية وتنوعاً…يتباينون حول الأفكار لاعلاء الفكرة فلا سبيل لتحقيق التوازن معهم إلا بالإعتراف بالفوارق الكبيرة بينكم وبينهم والانقطاع عن الشغب الطفولي الذي تمارسونه الآن والعمل على اكتساب خبرة رجال الدولة بدلا عن سطحية هتاف المنابر هذا … ثم الشروع في عملية إصلاح صادقة وواقعية وحقيقية حتى لاتضطرون لتسول المجد السياسي من موائد قرنق والحلو وعبدالواحد والشهداء ثم حميدتي ثم التكسب من مظاهرات الشباب السوداني الحر ، نعم دعكم من هذا الهراء ..بلا ثورة بلابطيخ …ففاقد الشيئ لايعطيه.
ـ نواصل
ـ ( أعرف أني أوجعكم ولكن إزالة كل هذا الصف من الأسنان المتسوسة هو مصدر هذا الوجع ..فاعذرون)
حسن إسماعيل