في بداية ثمانينات القرن الفائت، عندما كان سمير يبلغ من العمر 14 عاما، بدأ بالعمل مع والده في مكتبة قبل أن يستلم زمام الأمور ويقوم بإنشاء دار نشر في عام 2000.
ولكن الثلاثاء شهد سمير على تدمير ما قضى حياته في بنائه.
وقال لوكالة فرانس برس وأصابعه تلتف على سيجارته “أربعون عاما من حياتي دمرت في أقل من ثانية”.
ووقف الرجل يتأمل ما تبقى من المكتبة التي لم تعد سوى كراس بلاستيكية محطمة وأوراق متناثرة بالإضافة إلى كتل اسمنتية.
ويقول منصور إن “هناك 100 ألف كتاب تحت الركام”. ويذكر أن الكتب الأكثر مبيعا لديه بالإضافة إلى نسخ من القرآن الكريم، هي كتب إرشادية لتعلم اللغات الأجنبية وكتب الأطفال وروايات عالمية مثل “الأخوة كارامازوف” للروائي الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي.
– “هجوم على الثقافة” –
ويوضح سمير “لا تربطني أي علاقة مع أي جماعة مسلحة أو حزب سياسي. هذا هجوم على الثقافة. عشت انتفاضتين وثلاث حروب ضد قطاع غزة (..) ولكن الأمر لم يحدث لي من قبل. لم تدمر مكتبتي في السابق”.
وكان زوج ابنة سمير منتصر صالح وصل إلى غزة قادما من النروج لزيارة عائلته قبل بدء التصعيد.
ويروي منتصر “بينما كنا في المنزل نشاهد التلفاز وعبر قناة الجزيرة مباشر قالوا إنه تم إطلاق طلقة تحذيرية على المبنى فهرعنا إلى هناك”.
ويتابع “أراد سمير الدخول إلى هناك لإحضار بعض الأوراق بالإضافة إلى حاسوبه المحمول ولكنه خاف من الدخول وخاف من أن يتعرض للقصف بصاروخ ولهذا بقينا في الخارج”.
ويحاول سكان قطاع غزة العودة ببطء إلى حياتهم الطبيعية رغم هول الدمار والركام، بعد تصعيد مع إسرائيل استمر لأحد عشر يوما.
وتسبب القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي على قطاع غزة بمقتل 248 شخصا، بينهم 66 طفلا ومقاتلون.
أما على الجانب الإسرائيلي فأكدت خدمة الطوارئ مقتل 12 شخصا، بينهم طفل وشابة عربية-إسرائيلية وجندي إسرائيلي وشخص هندي وتايلانديان، في حين أصيب نحو 357 بجروح مختلفة.
واندلع النزاع الأخير بعد إطلاق حماس صواريخ في اتجاه الدولة العبرية تضامنا مع الفلسطينيين الذين كانوا يخوضون منذ أيام مواجهات مع الإسرائيليين في القدس الشرقية
وباحات المسجد الأقصى، ما تسبب بإصابة أكثر من 900 منهم بجروح. وجاءت تلك المواجهات على خلفية التهديد بطرد عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين يهود.
– “الفكرة لا تموت” –
وبالنسبة للشاعر ومؤسس مكتبة إدوارد سعيد في غزة مصعب أبو توهة فإن “غزة فقدت أحد مواردها الثقافية الأساسية” بتدمير مكتبة المنصور.
ويتابع “كانت مكتبة المنصور أكثر من مجرد مكتبة. كانت أيضا دار نشر تقوم بالنشر لمؤلفين وكتاب من غزة”.
وبحسب أبو توهة، “كان يتم طباعة الكتب في مصر وادخالها إلى غزة بينما كان يتم توزيع نسخ في مصر وفي العالم العربي. كانت تسمح برفع الحصار عن غزة عن طريق الثقافة”.
استمر القصف الإسرائيلي 11 يوما، دمرت خلالها أيضا مكتبة “إقرأ” التي كانت تضم كتبا علمية وثقافية، والتي كان يقصدها آلاف من طلاب الجامعات.
وتحولت مكتبة “النهضة” التي كانت تبيع القرطاسية في مكان ليس ببعيد إلى ركام أيضا.
وأمام أنقاض هذه المكتبة، لم يبق سوى ملصق كبير كتب عليه باللغة العربية “الفكرة ما بتموت”.