من الواضح أن جائحة كورونا ستغير وجه العالم وتوجهاته وتقلبه رأسا على عقب. فبعد هذه الجائحة لن يكون العالم حتماً مثلما كان قبل قبلها بإعتبار أن التهديد الذي تشكله هذه الجائحة لن يقتصر كما هو واضح الآن على تهديد الأنظمة الصحية فحسب، بل يبدو أن الإنظمة الإقتصادية والسياسية سيكون وضعها أسوء بكثير في حال لم تتم إدارة الأزمة بشكل جيد من قبل كلاً من الحكومات والشعوب.
جائحة كورونا ليست أولى الأزمات التي تضرب العالم وتعصف بإقتصاده وحكوماته. فشأنها شأن طواعين وجوائح وكوارث طبيعية كثيرة ضربت البشرية قديماً وحديثاً، ولابد أن تنقضي فترتها عاجلاً أم آجلاً، بيد أن آثارها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ستتعرض لكثير من الهزات والتغيّرات، فضلاً عن آثارها النفسية التي لا يمكن تجاهلها.
تعاطي دول العالم مع الجائحة كان إمتحاناً حقيقياً أظهر هشاشة او صلابة الأنظمة الصحية والإقتصادية لجميع الدول، كاشفة عن دقة استجابة بعض الدول، وضعف سياسات دولٍ أخر. يقول ماركس: “إذا كانت الحروب تلعب دورا حاسما في هزّ وتيرة الجمود داخل المجتمعات وبين الأمم، إذ هي أداة التاريخ غير الواعية، فإن الكوارث الطبيعية والبيولوجية- من طواعين وأوبئة وجوائح شأنها في ذلك شأن الأزمات الاقتصادية والسياسية وغيرها- تلعب دورا مهمًّا -وأحيانا حاسما- في هزّ الجمود وتحريك التوازنات داخل الدول وفيما بينها.”
التفوق في مجابهة الأزمة
وقد ضربت دول الخليج العربي نموذجاً يحتذى به في كيفية مواجهة مثل هذه الأزمات، متفوقة في ذلك على الدول الأوروبية وهي من دول العالم الأول، وبدا ذلك جلياً في طريقة تعاطيها مع الجائحة داخلياً وخارجياً. فلم تتوانى قطر على سبيل المثال عن إرسال مساعدت طبية إلى إيطاليا التي سجلت أعلى نسبة وفيات وإصابات في أوروبا، فضلاً عن المساعدات التي تم تقديمه لعدة مناطق تأثرت بالفيروس، من بينها الصين، وقطاع غزة الفلسطيني المحاصر.
وعلى المستوى الداخلي، اتخذت حكومات الخليج بشكل عام إجراءات سريعة وفاعلة لمواجهة التداعيات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الناجمة عن انتشار الفيروس؛ وذلك من خلال خطط وإجراءات نجحت إلى حد كبير في تخفيف هذه التداعيات.
فقد شهِد خبراء اقتصاديون واتفقوا على احترافية الإمارات في التعامل مع أزمة كورونا منذ ظهورها, وقد عكست هذه الإستجابة قوة النظام الإقتصادي والصحي والإجتماعي للدولة. وقد أكد الخبراء أن الإمارات ستكون من اوائل الدول المتعافية في العالم.
ولن يسعنا ذكر الحِزم والإجراءات الإحترازية التي تبنتها دول الخليج جميعها ولكن نذكر منها دعم السعودية للقطاع الخاص بتخصيص 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) لدعمه، بالرغم من تضرر البلاد من انخفاض أسعار النفط بإعتبارها تترأس (أوبك). فضلاً عن البحرين، التي سارعت لتقليص تداعيات الأزمة داخلياً بوضع خطة مالية بقيمة 4.3 مليارات دولار. وتشمل الخطة تخصيص 215 مليون دينار لدفع رواتب المواطنين العاملين بالقطاع الخاص من خلال صندوق التعطل للأشهر (أبريل ومايو ويونيو).
ومن ناحية أخرى، أبدى مجلس التعاون الخليجي قبل أيامٍ عدة استعداده لزيادة كبيرة في استخدام تطبيقات التكنولوجيا المالية (فينتك) خلال الأزمة، حيث كشفت أرقام جديدة صادرة عن ماستركارد، زيادة بنسبة 70% في عمليات الشراء عن بُعد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد اضطرت الأزمة المستهلكين للتخلي تدريجياً عن عمليات الشراء التقليدية، فيما تواصل الشركات الناشئة والمؤسسات المالية تقديم خدماتها عبر القنوات الرقمية.
بشكل عام وحتى هذه اللحظة، يمكن القول بإن دول مجلس التعاون الخليجي أظهرت تميزاً وكفاءةً تثلج الصدور في التعاطي مع جميع الجوانب التي مستها أزمة كورونا، مثل الدواء والغذاء وإجراءات الحد من انتشار المرض.