هل تنصلت السلطة الانتقالية عن تطبيق اتفاق سلام جوبا مع الحركات المسلحة سؤال يطرحه المراقبون وقادة الحركات المسلحة اذ لوحظ أن السلطة الانتقالية في السودان تواجه انتقادات من الحركات الموقعة على اتفاق السلام بسبب تأخر إجراءات تنفيذه، رغم مرور ستة أشهر على إبرامه.
وتختلف الاراء في ما تم تطبيقه و ما لم يتم تطبيقه حيث وقال رئيس حركة «تحرير السودان» مني أركو مناوي، والمرشح لمنصب حاكم إقليم دارفور في تغريدة على «تويتر»: «ستة أشهر مرت منذ توقيع اتفاق جوبا لم يتم تنفيذ إلا بنودا بسيطة، كما أنه وحتى تاريخ اليوم، لم ينعقد مؤتمر الحكم الفدرالي، وفي كثير من الملفات على رأسها الترتيبات الأمنية، النتيجة صفر، وأمامنا الكثير، والزمن يمضي، يجب أن نضع هذا في الاعتبار، حتى لا نكون في خانة الذين لا يوفون بالعهد».
بينما تعتبر حركة «العدل والمساواة» أنه «لم ينفذ من الاتفاقية إلا الجزء المتعلق بتعيين أعضاء في مجلس السيادة من حركات الكفاح المسلح بجانب الأعضاء في مجلس الوزراء».
بيان حركة تحرير السودان:
ذكرت الحركة في بيان رسمي أن «بند الترتيبات الأمنية يحيطه جمود شديد مع رصدنا لمظاهر إعادة تنشيط ميليشيات النظام البائد، كما أن تأخر انعقاد مؤتمر نظام الحكم الفدرالي وتعيين حكّام الأقاليم والولاة وغير ذلك، لا يساعد في العمل الجاد لتطبيق اتفاق جوبا».وأن «هذا وغيره يوحي بنوايا التمسك بالحكم الفردي على حساب المؤسساتـ وهذا بدوره يقود لفقدان الثقة التي توفرت بعد عسر مما يزيد تعقيد الأزمة التاريخية في إدارة البلاد».
وزاد: «لا يزال المنهج القديم يسيطر على العقلية التي أمسكت بزمام الأمور وهو ما جعل ثورة ديسمبر التي استبشر بها الجميع خيرا تصبح في مفترق طرق. المنهج القديم الذي ينطلق من مبدأ الوصاية في إدارة البلاد ظل ينخر إنجازات الثورة وحولها لحدث عرضي وتحولت الدولة العميقة إلى دواء لامتصاص الاحتقان الشعبي».
وجدد البيان رفض الحركة «القاطع لسياسة الابتزاز واستغلال الأزمات التي تمر بها البلاد لمصلحة حزبية، وتدرك الحركة مخاطر مرحلة الانتقال التي تسعى حولها مجموعات عابثة للسيطرة على جهاز الدولة».
وبين أن «الحركة تدعو كل القوى الوطنية في السلطة وخارجها إلى التحلي بالإيجابية والمسؤولية وإعطاء الأولوية لاستكمال هياكل المرحلة الانتقالية لإزالة الهشاشة في جسد الدولة المنهك، وتدعو جميع شركاء الفترة الانتقالية إلى العمل المشترك ووقف حالة الاستقطاب السالبة. إزاء هذا يجب على السلطة إعادة قراءة الواقع بحكمة وواقعية حتى لا تقع في تناقض مع المطالب المشروعة للشعب السوداني».
ورغم كل ذلك أكد البيان تمسك الحركة «القوي مع الرفاق بالالتزام القاطع بتنفيذ الاتفاق، ونعمل بجد وتفان في إزالة جميع المتاريس وندعو الجميع لاعتماد الحوار المباشر لحل القضايا».
منظور حركة العدل والمساواة:
يقول كبير المفاوضين في حركة «العدل والمساواة» أحمد تقد، انهم يتفقون مع حركة تحرير السودان في الانتقادات التي وجهتها لعملية السلام والتي تتمثل في للبطء الملازم لتنفيذ الاتفاق أذ أن البطء واضح وظاهر في تنفيذ الاتفاقية، والآن بعد مرور ستة أشهر لم ينفذ من الاتفاقية إلا الجزء المتعلق بتعيين أعضاء في مجلس السيادة، من حركات الكفاح المسلح، بجانب الأعضاء في مجلس الوزراء وحدث إرباك شديد للمصفوفة والجداول الزمنية لتنفيذ الاتفاقية، وقمنا بكتابة مصفوفة زمنية جديدة وأيضا هذه لم تنفذ».
وقال ان «هذا البطء غير مفهوم، وهناك عدد من القرارات الخاصة بتشكيل لجان خاصة بتنفيذ الاتفاقية ومفوضيات مهمة لتنزيل الاتفاق على الواقع وغيرها من القضايا التي لا تحتاج للبدء فيها سوى إصدار قرارات تشكيلها وتكوينها بعكس تعيين الولاة وتشكيل المجلس التشريعي اللذين يشهدان تأخراً أيضاً.
وقال احمد تقد «لا يوجد أيضا أي سبب لتأخير تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية بالإيفاء بالتعهدات اللوجستية التي قطعتها السلطة الانتقالية على نفسها حتى تقوم الحركات الموقعة على السلام بتجميع القوات في النقاط وحصر السلاح والفرز وهناك بطء واضح من الجانب العسكري الحكومي الذي قام بإجراء تنقلات وإحالات في صفوفه، وأتى ضباط ليس لديهم خلفية أو علم بفحوى وأليات تنفيذ الترتيبات الأمنية، ما أحدث نوعا من السيولة الغريبة والخطيرة في الوقت نفسه، حيث لا توجد جهة مركزية تدير الأمور.
تنشيط مليشيات النظام السابق:
وتقول الحركات المسلحة عن مظاهر إعادة تنشيط ميليشيات النظام البائد، إنها جبهة ثالثة، تعتبر من بقايا ميليشيات النظام البائد، وقاتلت معه في دارفور وجنوب السودان، وتم إدراجها في الاتفاقية ضمن بروتوكول منفصل بعيدا عن مسار دارفور أو المنطقتين حتى لا تتحول لخميرة للتأثير سلباً، وتشجيعها على الاستفادة من برامج التسريح وإعادة الدمج في الجيش والمجتمع ، وهي تسلك الآن سلوكا غير منضبط في التجنيد في مدن السودان المختلفة ودارفور وشريط القبائل الحدودية مع جنوب السودان خاصة ويتم عبر هذا التجنيد إحياء العناصر الموالية للنظام القديم بتواطؤ واضح من بعض القيادات العسكرية الأمنية داخل الجيش. وتقوم بالتحرك بإمكانيات لوجستية ومادية أكبر من حجمها وتقوم بالتجنيد بإغراءات مالية ورواتب عليا لأمر غير مفهوم، وهو ما يبعث على القلق في ظل صمت السلطة الانتقالية خاصة المكون العسكري.
وكان النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي» وصف التجنيد المنتشر من بعض الجهات التي تنتحل صفة الحركات المسلحة بأنه يمثل «سوق مواسير جديدا» على غرار سوق المواسير بالفاشر.
وبرأ النائب الأول الحركات الموقعة على السلام من عمليات التجنيد الزائف، داعياً إلى عدم وقوع البسطاء ضحية للخداع، مشيراً إلى أن القانون سيطال كل من يقوم بالتجنيد الزائف. وحذر من الانخراط في عمليات التجنيد التي يتم فيها بيع الرتب، ودعا للانضمام لمعسكرات التجنيد المفتوحة لدى القوات النظامية.
بطء تطبيق اتفاق السلام ومخاوف:
ويقول مصدر سياسي ملم باتفاق السلام أن انتقادات الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا وجيهة وسليمة وقال أن هناك بطئا غريبا ويبعث على القلق خاصة بند الترتيبات الأمنية حيث يفترض تشكيل اللجان الفنية والعسكرية منذ وقت مبكر لأنها توفر قناة للاتصال بين القادة العسكريين والسياسيين من الطرفين لبدء عملية تجميع القوات وفق الاتفاقية، بجانب اللجان السياسية التي توفر فرصة لمناقشة مثل هذه القضايا قبل أن تخرج للعلن وتصيب المشهد بالإرباك.
وتابع المصدر بأن هناك مسائل أخرى تتعلق بإعلان اسم حاكم إقليم دارفور، المرشح له مني مناوي، وهو الوحيد من القادة الكبار الذي لم يتم تعيينه، وكان يعول عليه لحفظ الأمن في دارفور، لكن المخفي من هذا الامتعاض المعلن هو توقيع البرهان على اتفاق السلام مع عبد العزيز الحلو في جوبا قبل أيام والاحتفاء الشعبي بهذا التوقيع والمحاولات الجارية مع عبد الواحد نور، كل ذلك يبدو أنه أقلق هؤلاء القادة بفقدان بريق السلام الذي يعيشون به، وخوفهم من أن ينشأ تحالف جديد بين قادة السلطة الانتقالية في المكون العسكري وغير الموقعين على السلام مثل الحلو وعبد الواحد، وربما هذا القلق يمتد لرأس هرم السلطة، وهذا سيخلق تعقيدات كبيرة إن حدث، لأن المتضرر الأول ستكون دارفور إن جنح أطراف السلام الغاضبون لإثبات أنهم الطرف الأقوى والأجدر بالعناية، وهذا يستدعي التصرف بحكمة والشروع فورا في تنفيذ اتفاق جوبا على قدم المساواة مع جهود الوصول إلى اتفاق مع الرافضين