مؤشرات بالمشهد السوداني تشي بإمكانية الانتقال من مربع المبادرات إلى طرح مشاريع للحل في تحولات تمنح آمالا بحوار وشيك يمهد للحل.
نقطة ضوء قد تنبعث من آخر نفق دخله السودان منذ 25 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حين أصدر قائد الجيش قرارات قضت بحل الحكومة، وفرض حالة الطوارئ، وتجميد بعض بنود الوثيقة الدستورية.
أزمة استدعت مبادرات محلية، وجهودا إقليمية تقودها بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم “يونيتامس” والاتحاد الأفريقي، عبر عملية تشاورية تستهدف الوصول إلى مرفأ آمن في بلد تطوقه التقلبات والتحديات.
آفاق حوار
وسط أجواء مشحونة، وقعت قوى سياسية ومجتمعية بالسودان، الثلاثاء، ما أسمته بـ”بالوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية” كمبادرة لحل الأزمة.
ورغم التباين الملحوظ للمكونات السودانية حول الوثيقة، لكنها وفق حركت -وفق مراقبين- جمود العملية السياسية، وفتحت آفاق للحوار بين أطراف الأزمة بعد أن ظل التواصل السياسي منقطعاً لأشهر.
وتقر الوثيقة شراكة الحكم الانتقالي بين المدنيين والعسكريين وتمديد الفترة الانتقالية والمضي قدماً في تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام بالخرطوم، واتخاذ إجراءات تهيئة المناخ كإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطواري، وغيرها، ويعول أصحابها على أن تشكل أساساً لعملية تفاوضية تُخرج السودان من أزمته.
وتدعم هذه المبادرة قوى سياسية ومجتمعية وتقليدية مثل حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي الأصل وحركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام في السودان، وتنظيمات أخرى وهو ما يخلق تكتلا جديدا في توازنات المشهد السوداني.
في المقابل، تتصدر المشهد قوى حديثة ترفع شعار ما يعرف باللاءات الثلاثة “لا تفاوض، لا شراكة، لاشرعية” وتقود حراكا في الشارع، وهي لجان المقاومة السودانية، وتحالف الحرية والتغيير؛ الشريك المدني السابق للعسكريين في السلطة الانتقالية، والتي تتخذ موقفاً رافضاً للوثيقة التوافقية حتى اللحظة.
تشكل بنود الوثيقة نقطة توقف حتى لبعض الداعمين للتفاوض في أوساط القوى السياسية بالسودان.
وقال حزب الأمة السوداني قيادة مبارك الفاضل المهدي إنه كان جزاء من مشاورات قادت لهذه الوثيقة في جامعة بحري ومركز الحوكمة، لكنه اعتذر عن التوقيع عليها، معتبرا أنها أعادت الشراكة بين العسكريين والمدنيين لإدارة الفترة الانتقالية بذات الشكل السابق الذي أفرز الأزمة الحالية.
كما أبقت الوثيقة، وفق حزب المهدي، على اتفاق جوبا للسلام كما هو دون إلغاء لمسار الشرق، وأقرت مجلس سيادة مترهل من 11 عضوا، في حين كانت الدعوة لمجلس مصغر وتقليص صلاحياته، وتكوين حكومة محاصصات حزبية لتقود إلى فشل آخر وكان المرجو حكومة كفاءات.
وتحفظ حزب الأمة أيضاً على نص الوثيقة وتحديدا حول تمديد عمر الفترة الانتقالية، وهو تمديد بلا سند دستوري حيث كانوا يأملون استكمال الفترة الانتقالية المحددة سلفا والاحتكام للانتخابات.
وأوضح رئيس حزب الأمة القومي المكلف، اللواء معاش فضل الله برمة ناصر، أنه شارك في توقيع الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية من واقع حرصه على دعم الحوار، مشيرا إلى أنه يعبر عن رأي شخصي لا يمثل الحزب الذي سيدرس المبادرة عبر مؤسساته ويقوم بالرد عليها.
نحو الحل؟
المحلل السياسي عزالدين دهب يرى أن أي تجمع أو تكتل بين قوى سياسية مهما كان وزنها أمر إيجابي، كونه يفعّل شعيرة الحوار الغائبة منذ أشهر بالسودان، وهو ما سيصب في صالح مساعي حل الأزمة الراهنة بالبلاد.
ويقول دهب في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إن الحوار غائب حتى بين التحالفات السياسية، وهو ما قاد لتشظيها والتأثير سلباً على مجمل الأوضاع، لذلك فإن أي حراك تكتلي جديد يمثل بارقة أمل كبيرة لوحدة هذه القوى حول قضايا الوطن ومعالجة الأزمة.
وشدد على أن قياس قوة التنظيمات السياسية يكون عبر صناديق الاقتراع، وآخر انتخابات أشهدها السودان قبل 34 عاماً أظهرت حزبي الأمة الاتحادي الديمقراطي اللذين يدعمان الوثيقة التوافقية الحالية، الأكثر قاعدة جماهيرية وقتها، لكن ثورة ديسمبر (كانون ثاني 2018) خلقت قوى جديدة حديثه طامحة في التغيير الجذري للأوضاع بالبلاد.
أما المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم، فيعتبر أن كافة القوى المشاركة في القوى المشاركة بتوقيع الوثيقة التوافقية ليست في خلاف مع السلطة الحالية بالبلاد إن لم تكن حليفة لها.
وأشار عبدالعظيم في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إلى حزب الأمة القومي المحسوب على القوى الثورية والذي قال إنه “سارع بنفض يده من الوثيقة مبكراً، وحتى رئيسه فضل برمة ناصر تراجع وذكر أن حضوره لهذه الفعالية كان بشكل شخصي ولايمثل موقف الحزب”.
ولفت إلى أن “هذه الوثيقة ستحدث ربكة (ارتباكا) في المشهد السوداني وربما يتم استغلالها من بعض الجهات في ضرب وحدة القوى السياسية عقب بروز عمليات التخوين وغيرها، لذلك قد تساهم بشكل كبير في زيادة السيولة، ومزيد من تعقيد الأزمة أكثر من حلها