ذكر البروف عبد الله علي ابراهيم في كتابه (صدأ الفكر السوداني)، أن الحزب الشيوعي السوداني حاول إجراء مراجعات فكرية مع كادره ياسر عرمان لمنعه من قرار الانضمام للغابة المسلحة بمنطق أن العمل الفكري والسياسي الصبور المجرب وسط المجتمع الاصل في إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية، ولكن (ياسرا) رفض المراجعات الفكرية واختار جيش التحرير ومعه مجموعة من سواقط ومرافيد الحزب الشيوعي السوداني وصفوا بمجموعة (اليسار الجزافي) وهم طائفة منقطعة السند الجماهيري والفكري، فما هي الرؤية والتكتيكات التي اتبعوها لإنجاز الثورة والتغيير؟؟ ارتأت هذه المجموعة أن الدولة السودانية بكل قطاعاتها المجتمعية (الطرق الصوفية الإدارات الأهلية، الاحزاب السياسية، والمؤسسة العسكرية) موغلة في اليمينية الرجعية والتي تشكل عقبة استراتيجية امام ما يسمى بالثورة الوطنية الديمقراطية المزعومة ولذلك يجب تدميرها على المدى الاستراتيجي وتشييد السودان الجديد العلماني والديمقراطي، وركيزة مؤسسته العسكرية الجيش الشعبي لتحرير السودان.
انسحب ياسر عرمان ورفاقه من ميادين التدافع الفكري والسياسي في مظانه الحزبية والطلابية ولجأوا الى الانضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة الدكتور جون قرنق، فما هي ثمرات رؤيتهم في التغيير والثورة ؟؟
لم تتماهى هذه المجموعة مع المجتمعات الجنوبية وحفزها للوحدة والاندماج مع المجتمعات السودانية وفق رؤية السودان الجديد الطوباوية، وانحصر دورهم في محض مجموعة وظيفية أنجزت بهم الحركة الشعبية مشروع الانفصال، وليتهم اتعظوا !! بل طفقوا في تأجيج الصراع المسلح في جبال النوبة والنيل الأزرق، وتكوين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة القائد مالك عقار ولكن اخفقوا أيضا في تحويل مناطق سيطرتهم العسكرية والمدنية إلى واحات جاذبة للديمقراطية والتنمية والاستنارة والوحدة، كنموذج جاذب للمجتمع، وصالح للتعميم في السودان الكبير سواء عبر الدمقرطة أو العسكرة بل وفشلوا حتى في الوحدة والتماسك الداخلي، واختزلوا العمل السياسي في حديقة الحيوان الفأر يلتهم الفأر
وكلما تم توقيع معاهدة سلام لانهاء طاقات الحرب السلبية وتحويلها إلى طاقات فكرية وسياسية بناءة تصب في تعزيز مشروع البناء الوطني والديمقراطي انكشف الخواء الفكري والسياسي وانبتات هذه المجموعة الانتهازية عن المجتمع، وبدلا تأسيس حزب سياسي مدني تنزع هذه المجموعة والتي تتعاطى السياسة بذهنية الصراع وأوهام الآخر العدو إلى التسلل الى الهامش للتحالف مع جماعة مسلحة، أو إثارة الاضطرابات والفتن في المركز، فالعقل الانتهازي لا يملك بصارة ولا رؤية، فهو إما متمردا في الغابة أو في اعلى الجبل، أو في القصر الرئاسي وزيرا ومستشارا أو نائبا في البرلمان.
(4)
ان كل التحالفات التي نسج منوالها ياسر عرمان بدء من الانضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان، ثم تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، ثم الانشقاق مع القائد مالك عقار، ثم طرده، وتكوين ما يسمى بالحركة الشعبية التيار الثوري (ياولد يا ماو، ياولد يا كمرات )، ثم التحالف مع الانظمة الاقطاعية في السعودية والإمارات، وما رشح من الاستعانة به مستشارا لقائد قوات الدعم السريع، كل هذه التحالفات تنم عن عقلية البرجوازية الصغيرة التي تفتقر إلى المبدئية الفكرية والاستقامة الاخلاقية في العمل السياسي، وان كان الحزب الشيوعي السوداني نعت سكرتيره السابق المرحوم عوض عبد الرازق (بالانتهازي) لأنه نزع إلى إلغاء الدور الطليعي للحزب الشيوعي في الثورة والتغيير واختزاله عبر العمل السري الباطني داخل الأحزاب الاتحادية، فإن ياسر عرمان ابعد النجعة في التحور وحق لنا وصفه بأنه انتهازي علي الشيوع