رغم عودة رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك إلى منصبة، إلا أن آلاف السودانيين نزلوا للشوارع مجددا، الخميس، في مظاهرات تطالب بحكم مدني شامل، رفضا لما يرونه اتفاقا “يعيد الانقلاب بصيغة جديدة” بين حمدوك، وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
والأحد استجاب البرهان شكلا لمطالب المجتمع الدولي بإعادته حمدوك إلى رئاسة الحكومة والتعهد بالإفراج عن السياسيين الذين اعتقلوا عقب انقلابه على شركائه المدنيين في مؤسسات السلطة الانتقالية التي يفترض أن تقود البلاد نحو حكم مدني من خلال انتخابات عامة في العام 2023.
ولكن المتظاهرين لم يقبلوا هذا الاتفاق الذي وصفه تجمع المهنيين الذي لعب دورا محوريا في الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير في أبريل 2019 بأنه “خيانة” و”انتحار سياسي” لحمدوك.
وبعد الاتفاق، أشار تحليل نشرته مجلة “ذا إيكونومست” إلى أن “الجيش يشدد قبضته على الانتقال السياسي في السودان”.
وأوضح “أن الأمور تسير على ما يرام” بوجهة نظر البرهان الذي قلب مرحلة الانتقال الديمقراطي في السودان عبر الانقلاب.
“في خدمة البرهان”
وأضاف التحليل أن “العسكر” الذين حكموا السودان طوال فترة ما بعد الاستقلال تقريبا، قد وضعوا لأنفسهم مسارا جديدا في المرحلة الحالية، حيث يعيد الاتفاق حمدوك لمنصب رئيس الوزراء، ويعيد التأكيد على مبدأ الشراكة بين المدنيين والقوات المسلحة الذي يشكل أساس اتفاق تقاسم السلطة لعام 2019.
وإلى حين إجراء الانتخابات في 2023 يبدو أن “حمدوك سيعمل في خدمة البرهان، الذي يبدو أن لديه السلطة لإقالته أو عزل أي من وزرائه”، وفق التحليل.
وعلى ما يبدو فإن “جنرالات الجيش في وضع أقوى من الأسابيع التي تلت الانقلاب، حيث أصبحت السلطة في المجلس السيادي بيد العسكر، مع استثناء وجود قادة الحركة الاحتجاجية المدنية”.
رفض
أيمن تابر، ناشط سياسي سوداني، مقيم في الولايات المتحدة، قال في حديث لموقع “الحرة” إن “رأي الشارع السوداني كان واضحا بالمطالبة بحكم مدني كامل وشامل، ورافضا لتقنين الانقلاب بعودة حمدوك بهذه الطريقة”.
ويرى أن عملية التحول السياسي في السودان معطلة، وأن الموجود على أرض الواقع ما هو إلا “أدوات القمع والتي تصل إلى درجة القتل لبعض المتظاهرين في السودان”.
وأضاف تابر أن أدوات القمع تسببت بمقتل عشرات السودانيين وهي مستمرة في القمع حتى بالتظاهرات الأخيرة التي ترفض شرعنة الانقلاب من خلال اتفاق حمدوك مع البرهان بهذه الطريقة.
ويؤكد أن عملية الانتقال السياسي في البلاد يجب أن تحكمها “إرادة الجماهير والشارع السوداني، متوقعا استمرار التظاهرات في البلاد والتي قد تصل إلى مرحلة العصيان المدني الشامل”.
وزاد تابر “أن الجماهير أصبحت تعلم أن حمدوك لا يملك قراره على الإطلاق، وحتى تشكيلة مجلس الوزراء التي يتم الحديث عنها أنها ستكون حكومة كفاءات لن يكون صاحب قرار فيها أيضا”.
وأشار إلى أن الشارع السوداني لا يريد أي شراكة مع العسكر، وهو يريد إسقاطا كاملا للعسكر، وبناء نظام مدني بالكامل.
صراعات بين القوى المختلفة
المحلل السياسي السوداني، المقيم في الولايات المتحدة، فريد زين، قال في رد على استفسارات “الحرة” إن “حمدوك ما زال في معركة مع الجيش” حتى لا يصبح التحول السياسي في البلاد في قبضة العسكر.
وأضاف أن رئيس الوزراء لا يزال يسعى من أجل جعل عملية التحول السياسي في أيدي المدنيين، حيث لا تزال هناك صراعات تدور بين القوى المختلفة.
وأشار زين إلى أن الجميع على أمل بنجاح حمدوك في مساعيه لإعادة الأمور لأيدي المدنيين، وفق ما يريده الشارع السوداني.
وأوضح أن الشارع السوداني يريد أن يرى تحولا ديمقراطيا بيد المدنيين بشكل كامل، من دون وجود أي سيطرة من العسكر على مجريات الأحداث.
وأكد أن الجميع بانتظار توصل حمدوك والبرهان لصيغة توافق بتقليص دور الجيش في الحياة السياسية، وأن يعود الجيش لمهام حماية البلاد فقط، وترك عملية الانتقال الديمقراطي للمدنيين.
مواجهة بين الديمقراطية والدكتاتورية
عمار حمودة، القيادي في “قوى الحرية والتغيير” المقيم في لندن، قال في تصريح لموقع “الحرة” إن ” التحول السياسي في السوداني حاليا في وضع مواجهة بين من يريد التحول المدني الديمقراطي و من يريد عودة الدكتاتورية والشمولية”.
وأضاف أن “الفريق الثاني الذي نفذ انقلابا عسكريا يريد فرض مسار الحكم ووضعه تحت وصايته”.
ويؤكد حمودة أن “الشارع السوداني رأيه واضح فيما يحصل حاليا، حيث لا بديل عن الحكم المدني والتحول نحو الديمقراطية”.
وأشار إلى الشارع السوداني يريد الوصول إلى مدنية كاملة ووداع عهود الدكتاتورية.
اختبار للجيش
وخرج آلاف المتظاهرين الخميس في السودان مطالبين بإسقاط “حكم العسكر”، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة “اختبارا” للجيش الذي يحاول استعادة الدعم الدولي، حيث تفرق المتظاهرون في هدوء مع حلول المساء في الخرطوم وفي دارفور وشمال كردفان وفي جنوب الخرطوم وفي كسلا حيث خرجت كذلك مسيرات.
ووقع حادث وحيد من دون أن يسفر عن سقوط جرحى عندما أطلقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين في ضاحية الخرطوم وفي وسط وغرب البلاد، بحسب شهود.
وقال صديق الجبير، الذي شارك في تظاهرات العاصمة السودانية، لوكالة فرانس برس أن اتفاق حمدوك مع الفريق أول البرهان “ما هو إلا خنجر في ظهر ثورة” 2019.
الحرة / خاص – واشنطن