مقالات الرأي

أمريكا والعسكر والسيطرة علي السودان


تتعامل أمريكا مع الأنظمة الحاكمة في العالم وفق سياق جيوساسي لا يتغير بتغير الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، ينطلق هذا السياق من تقسيم خريطة العالم إلى قسمين، عالم متقدم، وفيه تنتصر واشنطن للقيم الديمقراطية والحريات، وآخر نامٍ تكون البوصلة فيه لمن يسيطر على السلطة، أيًا كانت هويته، عسكرية أو مدنية.

وفي الشرق الأوسط ودول العالم النامي، يميل الأمريكان لمن يحقق لهم مصالحهم، بصرف النظر عن منظومة القيم والشعارات الأخلاقية التي تغازل بها الولايات المتحدة شعوب العالم، لتجميل صورتها، بصفتها حامل لواء الحضارة الإنسانية وقيمها السامية.

فيلتمان أسهم بشكل ما في فتح الطريق أمام الفريق عبد الفتاح البرهان للسيطرة الكاملة على السلطة

وكما كان الحال في مصر قبل 2011 وما بعد 2013، مرورًا بما شهده الموقف العام في سوريا خلال العامين الماضيين، وصولًا إلى التغيرات الطارئة على الموقف من النظام السعودي وقضية مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، ارتأت واشنطن أن تتعامل مع الحالة السودانية من نفس المنطلق.. المصلحة فوق وقبل أي شيء.

تدرك أمريكا جيدًا أن استبعاد الجيش من المشهد السوداني أمرًا غاية في الصعوبة، لا سيما أن ركائز الدولة المدنية لم تنضج بالشكل الذي يؤهلها لقيادة البلد بصورة مستقلة، ورغم التصريحات الوردية التي يرددها مسؤولو الإدارة الأمريكية بشأن مدنية الدولة فإن الواقع يناقض ذلك تمامًا.

ثمة تقاربات تدفع الولايات المتحدة إلى عدم القطيعة مع المؤسسة العسكرية السودانية، الشريك الأقوى حاليًّا في ثنائية الحكم في البلاد، غير أن المستجدات التي شهدها السودان خلال الأسبوع الأخير، وبداية تشكيل مرحلة جديدة وفق تلك الأحداث، كشفت عن وجه أمريكي آخر، أكثر ميلًا للعسكر من المدنيين.. وهو ما بث الريبة في نفوس بعض المقربين من المطبخ السياسي السوداني ممن ألمحوا ضمنيًا إلى أصابع أمريكية وراء أحداث 25 من أكتوبر.

هل دعمت واشنطن انقلاب البرهان؟
إقدام البرهان على انقلابه بعد ساعات قليلة من المباحثات التي جرت مع ‏المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، ذهب بالبعض إلى وجود تنسيق ما بشأن هذا التحرك الذي ما يمكن للجنرال السوداني أن يقدم عليه بمعزل عن ضوء أخضر مُنح له، إقليميًا كان أو دوليًا.

“في تقديري، أن فيلتمان أسهم بشكل ما في فتح الطريق أمام الفريق عبد الفتاح البرهان للسيطرة الكاملة على السلطة”، هكذا علقت مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية ورئيسة تحرير سلسلة أفريقيات، أماني الطويل، على ما يثار بشأن تواطؤ أمريكي إزاء الانقلاب البرهاني.

الخبيرة في الشأن السوداني مالت في مقال لها إلى احتمالية إعطاء واشنطن الضوء الأخضر للجنرالات بالقيام بهذا الانقلاب، منوهة أن هذا التنسيق من شأنه أن يقوي مستوى العلاقات بين العسكر والأمريكان وفق عدد من السياقات، أولها عدم ارتياح الإدارة الأمريكية لاتساع نفوذ ومساحة اليسار داخل حكومة عبد الله حمدوك.

ماذا تريد امريكا
أراد الأمريكان خلط الأوراق السياسية بما يمهد لتموضع جديد للسلطة يضمن ولاءات تساعد واشنطن على تنفيذ مخططها والحفاظ على مصالحها التي ما كان لها أن تكون في ظل التشكيل الجديد، وهذا لم ولن يتم إلا عبر أحد طريقين، إما انتخابات عامة تعيد تشكيل الحكومة الحاليّة وإما انقلاب عسكري يقلب الطاولة ويعيد بلورة المشهد وفق صياغات جديدة.

ويبدو أن الولايات المتحدة اختارت الحل الأسرع، فكان هذا الانقلاب، لكن في الوقت ذاته وكما تم الإشارة سابقًا فإن اكتمال نمو هذا الحراك بما يعزز سلطة العسكر ويساعد على هيمنتها على الصورة بأكملها لن يكون في صالح الأجندة الأمريكية، ومن ثم كان التدخل هنا وعبر وساطة مزعومة أو حقيقية لترتيب الأجواء نحو مرحلة جديدة تلبي مطامع العسكر من جانب وتزيح الوجوه المعترض عليها أمريكيًا من الحكم من جانب آخر.

يذكر أن قوى الحرية والتغيير، ذات الميول اليسارية وصاحبة العلاقات القوية بخصوم الأمريكان في آسيا، تشكل 67% من المجلس التشريعي للمرحلة الانتقالية طبقًا للوثيقة الدستورية وهو ما يهدد مصالح الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة مستقبلًا.

وتملك أمريكا العديد من الأدوات لهندسة منصة جديدة تكون قادرة على استقبال معادلة توازنية على المسارات كافة، تحقق مصالحها، أبرزها الضغوط الاقتصادية والسياسية، حيث التلويح بورقة العقوبات والإرهاب وفرض حالة الطوارئ، وتساعدها في استخدام تلك الأدوات بريطانيا والاتحاد الأوروبي بصفة عامة، ما يجعل تأثيرها قويًا، ومن ثم تكون رادعة لدفع عسكر السودان ومدنييه معًا للاستجابة لتلك المعادلة الجديدة.
هل علم السودانيين أن مصالحهم ليس مع امريكا وعليهم طرد البعثة الدبلوماسية وإغلاق السفارة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons