يحار المرء في أمر بلادنا حقاً، فبعد الخطوة التي اتخذها الفريق البرهان يوم 25 أكتوبر بحل حكومة قحت برئاسة حمدوك، ووجدت تلك الخطوة تأييداً كبيرًا من غالبية السودانيين، الذين يرون أن ما قام به البرهان هوتعديل في بنية الحكم، يرى أعضاء تلك الحكومة التي حُلت ومؤيدوها القحتانيون بأن ما قام به البرهان انقلاب عسكري، وكأنّ حمدوك كان رئيس حكومة منتخبة ديمقراطيًا وأن البرهان انقلب عليها. ومما يحمل المرء على الحيرة، فإن البرهان ومؤيديه قد عجزوا عن الدفاع عن تلك الخطوة، بأنها ليست انقلابا عسكريا وإنما هي تعديل في نظام حكم حمل على اتخاذ تلك الخطوة بشأنه، إلى درجة بدأت فيها قناعة كثير من الناس في الداخل والخارج، بأن ما جرى كان فعلا انقلابا عسكريا..لقد ارتكبت حكومة حمدوك بحكم طبيعة الأحزاب التي كانت مشكلة منها، كثيرًا من الأخطاء التي أخرجتها من دور كان متوقعا منها القيام به، باعتبارها حكومة فترة انتقالية، إلى القيام بأدوار لا تقوم بها إلى حكومة منتخبة، ذات برلمان يجيز ما تقوم به أو يبطله. ولما تمادت في ذلك، عمد البرهان إلى حلها، و الذي كان توقيعُه على تشكيلها بادئ الرأي شهادةَ ميلادها ولو لاه لما كانت، على أمل إيجاد حكومة بديلا عنها. ومن نافلة القول؛ إن أخطر ما عملته تلك الحكومة، هو تشكيل أخطر لجنة في تاريخ السودان، ومنحها سلطانا وسلطة لا تحدهما حدود، هي لجنة إزالة التمكين السيئة السمعة المعروفة، التي استبد بها سلطان الحيْف إلى تجاوز كل حد يمكن للحيف أن يبلغه، من مصادرة أموال ونزع ممتلكات من ترى من الناس أو الجهات، حتى إلى نزع المؤهلات العلمية، ممن ينتمون إلى النظام السابق. والمؤهلاتُ العلمية هي أمورُ كسبٍ شخصي، لا تقع ضمن الإغتناءِ غير المشروع، الذي تحدده هي كيفما شاءت، ثم تتخذ بسببه ذرائعَ للانتقام. في ذلك الجو المعادي لكل عدل وانصاف، استقال الفريق ياسر العطا من رئاستها ونقلت عنه وسائل الإعلام من ضمن تبريره لاستقالته قوله نصًا: (هنالك انتقاد مستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسية لقانون ونهج عمل اللجنة، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات عملها، مما عطّل عملنا وأعاق دورة العدالة) هذا قوله، وإعاقة دور العدالة يعقبه بلا ريب دور الظلم بكل ضروبه، وهو ما وقع فعلا. وفي فبراير 2020، قال الفريق ياسر العطا، لوسائل الإعلام:( رؤيتي الشخصية أن تُحل اللجنة ويكوّن رئيس الوزراء مفوضية مكافحة الفساد)، ولم يكتف بالمطالبة بذلك بل أسهب في ذكر الأسباب، فكان أخطرها:(وجود حالات تشفٍّ وانتقام في عمل اللجنة). وقد أثنى على خطوته تلك كثيرٌ من المعلقين ــ وأنا كنت منهم ـــ وبـأنه قد عمل على إبراء لذمته أمام ربه. ونتيجة لإمعان حكومة حمدوك في أخطائها، وحلها، قُبض على من قبض عليهم من أركانها، بداهةً أعضاء لجنة إزالة التمكين، وأودعوا غياهب السجن بتهم جنائية، تتعلق بالتصرف في الأموال التي صادروها دون وجه حق. ولم تجد خطوة من تأييد من أغلب الناس مثلما وجدت خطوة اعتقال أعضاء تلك اللجنة..وبينما كانت تقول الأخبار بقرب تقديمهم إلى المحاكمات، جاء في وسائل الإعلام أن الفريق ياسر العطا زار زملاءه السابقين من أعضاء لجنة إزالة التمكين في سجنهم. وقد جاءت المفاجأةُ الكبرى تصريحاً منه في منتهى الغرابة، أدلى به لقناة سودانية 24 حيث قال بعد زيارته لهم: ” أقولها بكل صدق وأمانة وللتاريخ أعضاء لجنة إزالة التمكين سلك ومحمد الفكي ووجدي صالح وطه عثمان هم من انزه وآمن الناس من أبناء السودان”. وهنا رُفعت حواجبُ وعقدت الدهشة ألسنة معقبين على كلام الفريق العطا، فبالأمس اتهمهم بالانتقام والتشفي، وهما من أقدح الصفات وأقبحها التي يُوصَف بهما مسؤولون، واليوم يصفهم بأنهم: ” من انزه وآمن الناس من أبناء السودان” وبوصفه الأخير هذا يكون عند الفريق العطا، جميع السودانيين بمن فيهم ضحايا اللجنة المظلومون، كذبةً أشرارا باتهامهم لأولئك الرجال بما اتهموهم به، لأنهم اليوم عنده من انزه وآمن الناس من أبناء السودان. فأي قولي الرجل هو الصواب؟ أهو وصفه لهم بالأمس بالتشفي والانتقام ومطالبته بحل لجنتهم، أم إنزاله لهم اليوم منزلة أنزه أهل السودان؟ فلا يمكن للرجل الجمع بين القولين في آن واحد بأى طريقة كانت؟!..لقد حمل قول الفريق العطا الأخير المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة العميد الطاهر أبو هاجة على القول إن الحديث عن قضية أعضاء لجنة ازالة التمكين المجمدة، المفرج عنهم مؤخراً بالضمان من قبل النيابة العامة، يتعارض مع القانون الجنائي ولا يتسق مع سير العدالة. ولم تمر أيامٌ إلا وقد أُطلق سراحُ أولئك الأعضاء من الحبس. ويقول المراقبون إن الفريق العطاء أسهم في إطلاق سراهم بالضمان، ولا ضير من ذلك ولأخطأ فيه، بيد أن هؤلاء المطلقي السراح، ربما نسوا أو تناسوا أن الفريق العطا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، التي باتوا بعد إطلاق سراحهم أكثر عداء لها، ويحملونها كل وزر وخطيئة، معللين ذلك بما يسمونه الانقلاب العسكري ويتحدثون بذلك للقنوات التلفزيونية. ويقول مراقبون أن الفريق العطا ربما راضٍ عن مهاجمتهم لزملائه العسكريين! ويقول المراقبون إن هؤلاء الطلقاء، لا يبرئون أحدًا من العسكريين إلا هو،!! ويستدلون على ذلك من جملة ما يستدلون به قول محمد الفكي عضو اللجنة المفرج عنه بالضمان، إن الفريق العطا قد يواجه تضيقا بسبب شهادته عنا..!!وفي آخر تصريح صحفي له قال محمد الفكي سليمان للانتباهة ” لا أحد يستطيع الطعن في نزاهتنا، ونسي أن كلام ياسر العطا عنهم بعد استقالته منهم كان أول طعن في نزاهتهم بانتهاجهم سبل الظلم والتشفي، أم الظلم والتشفي في نظره من متطلبات النزاهة؟!! وقال إننا كنا نسير على الصراط المستقيم، ولعل في نظره أن إغلاقهم دور تحفيظ القرآن الكريم وتشريد دارسيه وتسريح شيوخه، ووقف إذاعته التي كان يُتلى منها بلا توقف منذ عشرين سنة، وتسليم طابق كامل للمثليين في مبنى وقفي مخصص للقرآن الكريم كل ذلك عنده من السير على الصراط المستقيم؟! ويقول محمد الفكي ” نتحدى أي شخص يقول إننا خرجنا بأي شيء منهوبا من هذا الشعب” وأقول له إنه يمكنه أن يدعي ذلك لنفسه فحسب، وهذا شيء يمكن أن تثبه المحاكم أو تنفيه إن هم مثلوا أمامها في يوم من الأيام! وقد رأى المشاهدون القانوني الكبير الدكتور الدردري محمد أحمد على شاشة الجزيرة مع وجدي صالح، زميله عضو لجنة إزالة التمكين، وهو يتهم أعضاءها بسرقة الأموال التي صادرتها قائلا للقناة؛ إن تلك الاموال تمت اعادتها من منازل صالح ورفاقه. وتحداه أن يذهب إلى القضاء ليشتكيه وقال له “امشي القضاء وشيل التسجيل ده واشتكيني”. ولم يسمع أحد أن وجدي ذهب الى القضاء ليشتكي الدكتور الدرديري..!!هذا ومن يسمع ما يقوله هؤلاء الطلقاء لوسائل الإعلام الآن من تفسح في القول وتهكم على العسكريين بشتى الطرق وتحد لهم، وإنهم سينهون الانقلاب العسكري وسيعيدون الجيش للثكنات، لا يرى أنهم مطلقو السراح بضمان..اا بل هم غير متهمين اصلا وانهم عائدون إلى الحكم غدا..!!
أيوب صديق