القادة الأفذاذ الذين يُحَوّلون المِحَن إلى مِنَح هم من لا ينساهم التاريخ ، لذا فإن قليلاً من الناس من يتذكّر شيناج كاي تشيك ، وكل الناس يعرفون ما تسي تونغ . شيانج كاي تشيك كان رئيساً لجمهورية الصين حتى عام 1949 ، حين انتصر عليه ماو وفَرّ إلى تايوان . ومنذ ذلك العام فرضت الدول الغربية حصاراً على الصين ولم تعترف بها ، بل اعترفت بتايوان وأعطتها مقعد الصين في الأمم المتحدة. وفي عام 1972 قام نيكسون بزيارة الصين ، ولكن أميركا لم تعترف بالصين وتتبادل معها التمثيل الدبلوماسي إلّا في عام 1979.
ومثل الإنقاذ تماماً خضعت الصين لعقوبات وحصار دام ثلاثين عاماً .
خلال هذه المدة حولت الصين تلك التحديات لفرص نجاح وخرجت منها كقوة نووية ، وها هي اليوم ثاني قوة إقتصادية في العالم . وفرض الغرب حصاراً على كوريا الشمالية وهاهي تخرج قوة نووية. وحتى إيران أصبحت قوة نووية بالفعل ( أكرر بالفعل ) بعد حصار دام أربعين عاماً. وخلال ثلاثين سنة من الحصار بنت الإنقاذ عشرات الجامعات وبنت آلاف كيلومترات من الطرق المعبدة وبنت السدود والجسور وشيدت آلاف المدارس والمستشفيات وأهّلَت مئات ألوف الكوادر في كافة ضروب الحياة ، وغيرها من المشروعات العظيمة ، وعشنا في ظلها أمناً حقيقياً ، وراحةً نِسبِيّة في المعاش أصبحنا نحلم برجوعها ، رغم مآخذنا عليها .
في كل الحالات التي ذكرناها كانت القيادة ذات الرؤية هي مِحور التغيير وتحويل التحديات إلى فرص نجاح .
وعَقِب ما يُعْرَف بالثورة التي أثبتنا في مقالات عدة أنها مصنوعة Manufactured بالخارج ، وصرف على صناعتها مليارات الدولارات باعتراف من شارك في صناعتها مثل كاميرون هدسون وصندوق دعم الديمقراطية الأميركي والمعونة الأمريكية وغيرهم ، عقبها وخلالها تعرضنا لخِدَعٍ عديدة . ومعروف دور السفير البريطاني السابق عرفان صديق والسفيرة الفرنسية ، وروزالندا ماريسدن ، وحمد الجنيبي . وجرى تكريس تلك الخِدَع عبر حملات الإعلام الحديث حتى أن بعضنا صدّقها ، وبعضنا عرف أنها خِدع لكنه خاف من مواجهتها لأن القائمين عليها كانوا قادرين على تشويه سمعة كل من يعترض أو يجهر برأي معارض ، بل سجنه حين أصدرت لجنة اللصوص ( التمكين ) قانوناً يعاقب المتشكك في عملها بالسجن عشر سنوات .
قاد الحملة شذّاذ آفاق مُمَوّلين دفعت بهم الدول الغربية ونَسّقت مع أضرابهم في الداخل . ولم يكن أي منهم من ذوي المقام في مجتمعنا ، بل إن معظمهم من أراذلنا. والذين جاؤوا من الخارج كان معظمهم عملاء عاشوا على أُعْطِيات العار ، ونعرف أنهم كانوا يعيشون على هامش الحياة في الغرب ، يعملون في التاكسي وتوزيع البتزا والحِراسات . لم يكونوا كفاءات بأي حال .
ركّزت الحملة الإعلامية على ادعاء كذوب يقول إن الإسلاميين جُمْلَةً سرقوا مئات المليارات ، وكان شعارها ” كيزان حرامية ” وثبت الآن أن تلك كانت كذبة بلقاء ، وكل من حوكم منهم خرج بريئاً ( عبدالباسط حمزة والمهندس الوالي أحمد عباس مثالاً ) ، لا بل ثبت أن هؤلاء الذين جاؤوا بعد مايُسمى الثورة هم اللصوص ” وجحمانين ” ، والأسوأ أنهم عملاء وجواسيس قذرين.
وركزت الحملة على الأكارم من قومنا ، فأسموا دكتور عبدالحي يوسف وأمثاله من الشيوخ الأفاضل شيوخ السلاطين وهم من اعترض على الإنقاذ بالشواهد المذاعة . كل ذلك حتى لا تبقى للناس مرجعية محترمة فيخلو الجو لأوباش يقودون جهلة . أُبْدِلنا بجهلة عملاء كذابين ولصوص ( تمكين ) يقودوننا :
أعمى يقودُ بصيراً لا أبا لكمو
قد ضَلَّ من كانت العميان تهدِيهِ .
وثبت أن من نَصّبوا أنفسهم قادة ومتحدثين باسم الشعب شِرذمة قليلون ، لم ينتخبهم أحد ، وهاهي مظاهراتهم لا يخرج فيها سوى الصبية والدهماء( والدهماء هم الذين إذا اجتمعوا ضَرّوا وإذا تفرقوا لم ينفعوا ) ، والدهماء الذين يحرقون المنشآت والسيارات والممتلكات الخاصة ويسمونهم لجان مقاومة يخرقون القوانين ويحيلون الحياة بإجرامهم إلى خوف وهلع وانعدام أمن .
والآن لم يبقَ من ذوي العقول من لا يُوقِن أن هؤلاء أقلية عاطلة عن المواهب والقدرات والخبرات وجاءت تنفذ أجندة خارجية ، يعينهم ڤولكر ويدأب بكل ما أوتي من جهد أن يعيدهم قادةً ليعيثوا في الأرض الفساد . عيّن ڤولكر أمجد فريد الشيوعي ، ودون أن يُعلن عيّن فيصل محمد صالح الناصري مستشارين له . وعين كوادر اليسار موظفين محليين في يونيتامس ، دون استشارة حكومة السودان كما تقضي التقاليد المعمول بها عالمياً في هذا الصدد تحديداً.
ها هو ڤولكر يصدر وثيقة فيها ثلاث كوارث كما أبانها دكتور عصام بطران . فيها :
(١) قانون انتخابات ” مُحَسّن ” !!! وهذا يعني تفصيل قانون الانتخابات على مقاس عملاء اليونيتامس ..
(٢) عدالة انتقالية بتجاوز قطاع العدالة “التقليدية” .. وهذا يعني إلغاء دور القضاء والنيابة في تحقيق العدالة ..
(٣) ” استبعاد” قيام انتخابات قريباً .. وهذا يعني تطاول مدة الفترة الانتقالية ..
كلها محاولات لإعادتنا لبيت الطاعة الذي يرأسه الكرزايات .وهذا لا يرضى به وطني له كرامة وعِزّة .
كل هؤلاء العملاء يكرهون الجيش ويروجون لتفكيكه ، وهم الآن أكثر كرهاً للجيش ، وإذا أعادهم ڤولكر فعلى الجيش السلام ومن بعده على السودان السلام .
وهكذا فإن على قادة الجيش ، وقد استبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، أن يفيقوا من صدمة الخديعة ، وأن يلتزموا جانب الأكثرية التى عرفت ما حاق بالوطن من ضُر على أيادي هذه الشرذمة القليلة ، وأن يضربوا علي أيديهم الآثِمة . المطلوب من قادة الجيش أن لا يخضعوا للابتزاز ، وسيجدون الألوف من الشرفاء والعلماء ذوي التجربة داعمين مخلصين لهم ، ليصيروا ممّن يكثر شُكرهم ويُرفع ذِكرهم .
زعموا أنهم رفعوا الحصار ورفعوا العقوبات ، وكانت تلك كذبة بلقاء ، فلم يرفع الحصار ولم يصلنا ما يُقيم الأوَد من سادتهم.
أبعدوا العملاء الفَشلة ،وشِدوا الهمة برُؤية ثاقبة واتركوا حتى الخوف من الحصار والعقوبات من قِبَلِ سادة العملاء ، لأنه يمكن إحالتها لنجاحات إذا توفرت الهمة والعزيمة والرؤية كما ثبت من تجارب أمم عديدة .
أوجّه رسالتي هذه إليكم وقد شهد تاريخنا أن قادة الجيش هم ملاذنا في كل الكُرب التى سبق أن حاقت ببلادنا. أنتم من لُذنا بكم عند الشدائد حتى أسلمتمونا لصندوق الانتخابات التي يأباها ڤولكر وعملاؤه .
دكتور ياسر أبّشر عبد المجيد