اتفاق حمدوك والبرهان .. هل سيصمد؟


جبهة عريضة تتشكل الآن لمناهضة اتفاق 21 نوفمير والمعروف بـ(اتفاق البرهان وحمدوك)، اجتماعات مكثفة تجري الآن من بعض الأحزاب والقوى السياسية، لكن تباينت الرؤى حول هل يتم الإفصاح عنها لتؤدي مهمتها في العلن، أم تعمل خلف الكواليس وتطبخ مخرجاتها على نار هادئة لتحقق هدفها بإسقاط الاتفاق؟.
هل تفلح تلك المكونات في إسقاط الاتفاق؟ وهل ستظل المظاهرات هي أحد الخيارات لإسقاطه؟ وهل هناك خيارات أخرى أو طريق ثالث لإنقاذ الفترة الانتقالية؟
حمدوك الذي كان حتى قبل توقيع الاتفاق يعتبره الشارع رمزاً للمدنية، ها هو الآن يتم وضعه في خانة واحدة مع البرهان، وأنهما انقلبا عليها .

ترحيب حار
معلومات تُشير إلى أن فكرة الجبهة العريضة وُلدت بعد توقيع اتفاق البرهان حمدوك مباشرة، حينما جلس بعض قادة الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابات في اجتماع للترتيب لتظاهرات 30 أكتوبر الماضي، وتطور الأمر إلى تكوين جبهة عريضة أو تحالف لإسقاط الاتفاق، ووجد الموضوع ترحيباً حاراً من الحاضرين، وشرعوا مباشرة في تسمية بعض الحضور وتكليفهم ببعض المهام .
الذاكرة السياسية السودانية تحفظ أن الاتفاقيات والأجسام التي تنطلق موحدة، بعد فترة قليلة تضربها الصراعات والانقسامات، بزعم أن هناك مجموعة صغيرة تسيطر عليها، وتخرج مجموعة أخرى وتدعي أنها تريد أن توحد الأجسام المنشقة، وتنشق هي نفسها، وهكذا .
ومجموعات أخرى تلتف حول أهداف معينة، وبعد تحقيقها تضربها الانشقاقات، وفي غالب الأحوال يكون الاتفاق لأجسام معارضة للحكومة، وهذا ما حدث منذ الاستقلال، لكن فترة نظام الإنقاذ ربما هي أكثر الفترات التي شهدت تحالفات سياسية، وانقسمت بعد ذلك، حتى داخل الحزب الواحد، لكن مراقبين يعتبرون أن نظام المخلوع كان ينتهج ذلك لإضعاف الأحزاب والمكونات .

مناهضة اتفاق 21 نوفمير
المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، يشير، في تصريح لـ(السوداني)، إلى أن مناهضة الاتفاق يمكن أن تتم بطريقتين، إما الاتفاق كله غير صالح، ويتم الخروج عليه وإسقاطه، أو بإلغاء القرارات التي تمكن للمساندين للانقلاب في مواقع اتخاذ القرار، وأن يتم استكمال الانقلاب بحيث تصبح الحكومة آلة ضغط لتحجيم قوة الانقلابيين .
وأشار أبوالجوخ إلى أن الانقلاب نفسه يواجه الآن بتحديات داخلية وخارجية ستؤثر عليه، داخلياً الملفات التي تم توظيفها لتعزيز سيناريو الانقلاب مرشحة للبروز والتصعيد من جديد، مثلاً موضوع شرق السودان، وستكون (الورطة) للانقلابيين بأن الانحياز فيها سيفاقم الأمر، والتعامل بعنف سيفجر الأمر، كما أنه بترك الأوضاع سائلة فسيؤدي الانقلاب الذي تمت شرعنته إلى نتيجة الخنق الذي تم لحكومة ما قبل الانقلاب .
وأوضح أن التفلتات الأمنية والأوضاع بدارفور ستكون لها ظلال سالبة، بالإضافة إلى تعطل دولاب العمل والإنتاج .
أما خارجياً فالآن قادة الانقلاب معزولون الآن، عكس رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وشعبياً التيار الذي اعتُمد عليه لمساندة الانقلاب، يرى كثيرون أنه ليس له تأثير، ويستدلون بأن الانقلاب في شهره الثاني ولم يبرز أي مظهر شعبي جماهيري يسانده.

رافضو الانقلاب
بحسب المعطيات أعلاه، تصبح مسألة أن الانقلابيين يقودون الصراع حتى نهاياته ستستنزفهم، وتعقد وضعهم، وربما ستكون مشجعاً ومحفزاً لضرورة أن يصلوا إلى نقطة جديدة؛ لأنهم لن يقبلوا العودة إلى ما قبل الانقلاب، وبالمقابل فإن رافضي الانقلاب لا يقبلون أن يتم التأسيس على الانقلاب، ويصبح إلغاء إجراءات الانقلاب باعتباره لم يكن، والانتقال إلى وضع جديد تتم فيه معالجة القضايا الخلافية بشكل مقبول وعادل، وصولاً إلى استكمال المرحلة الانتقالية.

مؤسسة حكم متحررة
رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من الواضح أنه يسعى لتأسيس مؤسسة حكم متحررة من سلطة وهيمنة أي تحالف سياسي أو مجموعة سياسية، لذلك يتمسك بتشكيل الحكومة من تكنوقراط، ولابد من الإشارة هنا إلى ما أُثير حول بقاء وزراء السلام أو مغادرتهم، وتمسك كل من الفريقين بصحة رؤيته، فالبعض يستند على اتفاق جوبا، والآخر على اتفاق البرهان حمدوك.
لكن ماهر أبو الجوخ يرى أن تشكيل مؤسسة حكم متحررة من سلطة وهيمنة تحالف ومجموعة سياسية، سيضطر حمدوك في مرحلة ما إلى الوصول إلى تفاهمات مع القوى السياسية، ربما، ذات التأثير؛ لتقليل حدة الانتقال؛ لضمان استكمال مهامه خلال الـ(18) شهراً في الحد الأدنى بأقل قدر من الخلافات، ، وأضاف: “لذلك سيمضي في تشكيل الحكومة وحسم سلطاتها بوصفها حكومة تصريف أعباء، وليست حكومة منوط بها اتخاذ القرارات في القضايا المفصلية، بحيث تكون مهمتها الأولى تصريف دولاب العمل، لحين تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة .

خيارات الشارع
الشارع يعبر عن الموقف السياسي الآن، وخياراته إسقاط الانقلاب بالكامل، الجماهير التي خرجت في احتجاجات أمس الأول هي أكبر جبهة مقاومة للانقلاب، أغلبهم شباب يؤمنون بمبادئ الحرية والديمقراطية، ويريدون أن يكون السودان مطبقاً لها .
لكن موقف الشارع هذا قابل للتغيير أو التعديل، في حالة واحدة، وهي إذا تأكد بأنه سيتم الوفاء بالانتقال، وإن واجهته بعض العقبات، مثلما حدث بعد فض الاعتصام بالتوقيع على الوثيقة الدستورية، لكن الحديث عن تنفيذ بنودها أو تعديلها هذا أمر آخر.
الجبهة العريضة التي يتم تشكيلها الآن رأت أنه لابد من استصحاب الشارع في أي خطوة؛ لأنه هو الذي يطالب بمدنية الدولة، كما أنه قال كلمته حول قرارات البرهان، عندما نزل إلى الشارع فجر 25 أكتوبر الماضي، متجاوزاً القوى السياسية .
الشباب حتى أمس الأول واجهوا عندما عبروا عن رفضهم لتلك القرارات، وهذا الأمر اعتبره مراقبون أنه أكبر هزيمة لحمدوك، الذي أصدر قراراً بتأمين مظاهرات 30 نوفمبر، حيث إنه تم التوثيق للعنف الذي تم، واقتحام بعض المشافي، ومنع المصابين من تلقي العلاج .
هذا الأمر اعتبرته عدد من المكونات الطبية انتهاكاً صارخاً للأعراف والقوانين المحلية والدولية، لا سيما المادة (٨) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر هذا الفعل جريمة حرب .

قيادات محبطة
بعض رؤساء الأحزاب السياسية رأوا أن هذه الفترة يجب أن يقودها الشباب، ولا داعي لتكوين اصطفافات جديدة؛ لأن الفرق شاسع بين أفكار الكهول والشباب المتقدم في أفكاره والقادر على المواكبة، وهذا الأمر لا يمكن إنكاره .
قيادات بالحرية والتغيير أكدوا، في تصريح لـ(السوداني)، أنهم محبطون الآن، ليس من الانقلابات العسكرية؛ لأنها كانت متوقعة، لكن مصدر الإحباط هو موقف حمدوك الذي اختار أن يكون في مربع واحد مع الذين انقلبوا على الحكم المدني، مشيرين الي أنهم تفرغوا للعمل الخاص، ولم يحضروا الاجتماعات منذ أكثر من شهر .
لكن على الضفة الأخرى أعلنت عدد من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني دعمها لحمدوك في الفترة القادمة، معتبرة أن الحديث عن إسقاطه أو إسقاط البرهان لن يؤدي إلى استمرار الفترة الانتقالية ، وطالبت باتخاذ إجراءات قانونية ضد أي مكونات تسعي إلى جر البلاد إلى الفتن .

تقويض النظام الدستوري
عضو اللجنة القانونية بالحرية والتغيير، المعز حضرة، يذهب، في تصريح لـ(السوداني)، إلى أن الشارع الآن أظهر جبهة عريضة ضد الانقلاب العسكري، وليس اتفاق البرهان حمدوك فقط، معتبراً أن الإجراءات التي حدثت في 25 أكتوبر هي تقويض للنظام الدستوري، وكان يجب على النيابة أن تقوم بفتح بلاغ ضد من قام بتقويض الوثيقة الدستورية؛ لأن ما حدث يشكل جريمة (50 -51) ومواد أخرى من قانون القوات المسلحة، وقال ما حدث هو تقويض للنظام الدستوري، وأضاف: “بدلاً من أن تقوم النيابة بفتح بلاغات تحت المواد (58 ، 62) ضد عدد من السياسيين والوزراء لا تتوفر فيها أي بينة، كان يجب عليها أن ترفض مثل هذه البلاغات الكيدية مثل البلاغ الذي فتح ضد أمين عام ديوان الزكاة الذي رفض الانقلاب، ورفض تسليم الديوان إلى أحد فلول النظام السابق، مشيراً إلى أن النيابة فتحت بلاغاً ضده”.
وتابع: “بدلاً عن كل هذا كان يجب عليها أن تقوم بفتح بلاغ تقويض النظام الدستوري ضد البرهان وأعوانه” .
///
تحديات الجبهة العريضة
القادي بالحرية والتغيير (المجلس المركزي)، بشري الصائم، أشار، في تصريح لـ(السوداني)، إلى أنه سبق أن تم طرح فكرة تكوين جبهة عريضة بدار حزب الأمة القومي، عقب احتجاجات 31 أكتوبر الماضي .
وقال: “لابد من وجود جبهة عريضة لمقاومة النظام العسكري القائم الآن”، مشيراً إلى أنه حدثت اصطفافات جديدة الآن، بعضها يضم قوى حاضنة للانقلابيين، والحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ولجان مقاومة وحركات كفاح مسلح، بالطرف الآخر اصطفاف جديد به المكونات القديمة في الحرية والتغيير.
لافتاً إلى أن الجبهة العريضة ستواجهها تحديات كبيرة، لأنها ليست منتخبة، وربما تكون مشاكل مشابهة لما حدث في تجمع المهنيين