اغرب حالة في العالم تلك التي يدعو فيها الجيش الى الانتخاب وترفض بعض القوى المدنية

الصراع الدائر هذه الايام بين قيادة الجيش وقوى الحرية والتغيير المتنفذة، هو امتداد لانهيار الشراكات العسكرية والمدنية في تاريخ السودان الحديث.

ربما تخدع قوى الحرية والتغيير نفسها عندما تعتقد ان تحالفها مع الجيش يختلف عن شراكة الحزب الشيوعي مع النميري، او الجبهة الاسلامية مع البشير.

ما تعتقده قوى الحرية والتغيير اليوم هو بالضبط ما كان يعتقده الترابي بالامس، وما كان يظنه عبدالخالق محجوب بالامس البعيد..

كلهم كان يظن ان الجيش يمكن الاستعانة به كاداة لتحقيق غاية سياسية ، سواء كانت هذه الغاية هي الاشتراكية او الشريعة، او قيام دولة مدنية.

في كل مرة اثبت قادة الجيش انه(ليس بين القنافذ املس)، وان اخضاع المؤسسة العسكرية لقوى سياسية بعينها مهما كان مدها الثوري امر يقارب المستحيل.

اذا كان خطأ الاسلاميين هو انهم خافوا من قيادة الجيش وخضعوا لها، فإن خطا الحرية والتغيير هي محاولة اخافة الجيش بالتفكيك مرة، وبالهيكلة مرة ثانية، وبالتلويح بالملاحقات القانونية، وبإغراء بعض سابلة الاسافير وتاليبهم ضد القوات المسلحة.

الجناح المتنفذ في الحرية والتغيير اختلط عليه التمييز بين مفهومي الشراكة والتبعية، هذا الجناح يظن ان الشراكة مع الجيش تعني التحصن به والاستمتاع بحكم مدني محمي بواسطة العسكر تحت غطاء الثورة.

لكن وضح منذ وقت مبكر ان قيادة الجيش ترى نفسها شريكا اساسيا في الحكم، فهي التي هرع المعتصمون الى مقرها الرئيس، وهي التي قرر المحتجون الذهاب الى حماها في السادس من ابريل.
وفوق ذلك فان قيادة الجيش ترى انها هي التي نفذت ورتبت عمليا الانتقال من حكم البشير الى حكم جديد بطلب من الثائرين.

هذه النقطة الاخيرة هي التي تسلط الضوء اكثر على حديث البرهان الاخير الذي شجب فيه الدعوة التي اطلقها عضو بالمجلس السيادي عن المدنيين للتحرك وحماية الثورة، وتساءل(يحمونها ممن؟). ثم تابع حديثه بالتاكيد على ان الجيش هو من يحمي الثورة.

بل ذهب اابرهان الى الابعد عندما قال انهم يحمون الثورة من الجناح المدني الشريك الذي يحاولحسبما قال اختطافها واقصاء الاخرين.

لن يستطيع الجناح المتنفذ في الحرية والتغيير ان يدعي بعد اليوم احتكار الشارع او تمثيل الشعب حتى يدخل في مواجهة باسمه ضد القوات المسلحة.

العالم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي والواقع على الارض كشفا يوم ان دعاهم المكون المدني للتحرك عن نفاد الرصيد الجماهيري للحرية والتغيير الحاكمة.

ربما تظن قوى الحرية والتغيير انها يمكن ان تدخل في مواجهة مع العسكر باسم الديمقراطية، ولكن المفارقة ان الجيش يعزف ذات السيمفونية، بل ويهدد المدنيين بالانتخابات.
وهي اغرب حالة في العالم، تلك التي يدعو فيها الجبش الى الانتخاب، وترفض بعض القوى المدنية هذه الدعوة ولسان حالها يقول(لسه بدري).

مالك محمد طه