(الإعلان السياسي).. ترتيب للمشهد أم ميلاد حاضنة سياسية جديدة


من المنتظر طرح الإعلان السياسي خلال اليوم أو غداً على جميع الأطراف للتوقيع عليه، بعد أن فرغت اللجنة القانونية المكلفة بصياغته من عملها، اذ يعتبر الإعلان بمثابة الحاضنة الجديدة لحكومة الفترة الانتقالية، ويعبر عن مرحلة سياسية جديدة ملامحها الاصطفاف السياسي والانقسام بين مكونات الحرية والتغيير، وينص الاعلان على أن الوثيقة الدستورية هي المرجعية، ودعم الحكومة الانتقالية التي سيشكلها حمدوك، وتكوين وإتمام هيكل السلطة مع المكون العسكري في أقرب وقت، والتوافق مع السلطة الدستورية لتكوين المفوضيات.

الحساسية الزائدة

وكشفت قيادات متعددة بالحرية والتغيير (الميثاق الوطني) وبعض أحزاب المجلس المركزي لـ (الانتباهة) أن سبب تأخير الإعلان والإفراج عنه الحساسية الزائدة بين أحزاب المجلس المركزي ودخول بعض شركاء النظام البائد، وأوضحت أن بعض المكونات لديها تحفظات على الإعلان نفسه، وتحفظات من الاتحادي الأصل برئاسة الميرغني وبعض أحزاب الحوار الوطني إبان فترة النظام السابق، لجهة أن مرجعية الإعلان هي الوثيقة الدستورية، وأضافت أن الاعتراض بسبب عدم وجودهم في الوثيقة الدستورية بينما اعادهم الإعلان إلى الوثيقة.

لكن عضو المجلس المركزي للحرية التغيير عن الحزب الوطني الاتحادي إبراهيم الزعيم، أكد أن سبب التأخير يعود لانتظار بعض الأحزاب للتوقيع على الإعلان وقد منحت اليوم آخر فرصة لها، بعد فراغ اللجنة القانونية من صياغته بالشكل النهائي بغية طرحه.

وأوضح الزعيم لـ (الإنتباهة ) أن الإعلان مرجعيته الوثيقة الدستورية، ولن يسمح لأي حزب سياسي شارك النظام البائد في الحكم التوقيع عليه.

وأظهر الإعلان الذي تحصلت عليه (الإنتباهة) أن الوثيقة الدستورية هي المرجعية، ودعم الحكومة الانتقالية التي سيشكلها حمدوك، وتكوين وإتمام هيكل السلطة مع المكون العسكري في أقرب وقت، والتوافق مع السلطة الدستورية لتكوين المفوضيات، والالتزام باتخاذ الإجراءات اللازمة بما فيها قيام مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري إلى جانب مفوضية الانتخابات، ووقف كافة الانتهاكات ضد الحقوق المضمنة في الوثيقة الدستورية، فضلاً عن الحرص على مبدأ عدم الافلات من العقاب وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، والشروع فوراً في تأسيس آليات العدالة الانتقالية.

وحوى الإعلان أيضاً إعادة النظر في تشكيل مجلس السيادة، بجانب تقليص أعضائه إلى ستة فقط بالتوافق بين المكونين المدني والعسكري، وحفظ حق شركاء السلام وفقاً لاتفاقية جوبا، والتزام الأطراف بالنسبة المقررة في تشكيل التشريعي وفقاً للوثيقة الدستورية، وشمل كذلك تشكيل مجالس تشريعية ولائية مكونة من القوى السياسية، وأن تتم جميع الإجراءات المطلوبة أعلاه بالتوافق بين مكونات الشراكة المدنية والعسكرية وشركاء السلام دون تجاوز الوثيقة الدستورية.

ولكن مستشار رئيس الوزراء السابق أمجد فريد، يرى أن البلاد تحتاج إلى عملية سياسية شاملة مرضية لطموحات وشعارات الشارع، وتضم جميع القوى السياسية التي صنعت الثورة والتغيير لإعادة مسار التحول الديمقراطي، ورأى فريد في تصريح لـ (الإنتباهة) حول طرح إعلان سياسي في الأيام المقبلة، أن ما حدث في (25) أكتوبر الماضي جب ما قبله، ولا يمكن التراجع عنه بميثاق أو إعلان سياسي فوقي، كما لا يمكن فرض ميثاق سياسي بدون مشاركة القوى الثورية الاجتماعية والسياسية، وأضاف قائلاً: (أية محاولة لذلك بدون هذه المشاركة تكون عبثية ومحاولة لتقنين وشرعنة جريمة الانقلاب)، واعتبر أن أية عملية سياسية تهدف لتحول مدني ديمقراطي حقيقي تفتح آفاقاً للمستقبل والاستقرار، ولسلام دائم وراسخ وديمقراطية حقيقية، وتابع قائلاً: (ولا بد أن تتضمن بالضرورة الاتفاق على عملية واضحة لإصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية، وضم الجيوش المتعددة في جيش وطني واحد موحد لتكون لديه عقيدة عسكرية واضحة تهدف إلى حماية الديمقراطية والحكم المدني وليس الانقلاب عليه، والجيش إحدى مؤسسات الدولة، وله دوره في حماية البلاد وحفظ القانون وليس ممارسة الحكم).

الانسداد السياسي

وأفرز انقلاب (25) اكتوبر الماضي والاتفاق السياسي واقعاً سياسياً جديداً، وأحدث ربكة في المشهد السياسي مازالت تداعياتها مستمرة، وخلق نوعاً من الانسداد السياسي، وقسم الأحزاب بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، فعبقرية السياسي السوداني لديها القدرة على إنتاج المواثيق والاتفاقيات ومذكرات التفاهم، لكنها ظلت عاجزة عن إيجاد حلول ناجعة للأزمة السودانية منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، وفشلت في ايجاد إجابة عن كيفية حكم السودان، رغم التضحيات التي قدمت في الثورات الثلاث ابتداءً من ثورة أكتوبر وصولاً لثورة ديسمبر المجيدة التي لم تبلغ غايتها وشعاراتها حتى اليوم المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.

ومنذ التوقيع على الوثيقة الدستورية في اغسطس 2019م، تشكلت مئات التحالفات بين القوى السياسية، وايضاً حدثت انقسامات وتصدعات بين مكونات الائتلاف الحاكم آخرها حول الاعلان السياسي المرتقب، ومازال الحال كما هو انسداد في الافق السياسي وأزمات تضرب كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومع ذلك لم يلح ضوء في الأفق، وربما تكون الانتخابات المبكرة حلاً موقتاً لخروج البلاد من مأزقها الراهن، ولكن ليس حلاً كافياً لأزمات البلاد المتراكمة.

الحاضنة الجديدة

اما القيادي بالحرية والتغيير بشرى الصائم، فقد قال إن القوى السياسية منقسمة بين تيارين أحدهما تيار الحوار والتنازلات لإنجاز مهام الفترة الانتقالية، وهو في حد ذاته منقسم ويتكون من المكون العسكري ومجموعة الميثاق الوطني وجزء من أحزاب الحوار الوطني ـ عقد في النظام البائد ـ وجزء من مكونات المجلس المركزي ومجموعة حمدوك ومجموعات قامت بعد الثورة، وهذه المكونات التي تمثل الحاضنة الجديدة لحكومة الفترة الانتقالية فهي متباينة ومتصارعة ومختلفة فيما بينها حول الإعلان السياسي ومختلفة في انجاز مهام الانتقال، وأما التيار الثاني فهو تيار الشارع الذي يضم الشيوعي وتجمع المهنيين ولجان المقاومة وبعض احزاب الحرية والتغيير، ويطرح اسقاط النظام واللاءات الثلاث الى حين اسقاط النظام.

وأوضح الصائم أنه بالرغم من ذلك فإن الفترة الانتقالية لا تقبل الصراع، وهي فترة توافقية ــ اتفاق حد أدنى ـ لإنجاز مهام الفترة الانتقالية، وحث الجميع على تقديم التنازلات من أجل مصلحة الوطن، وأكد أنه اذا لم تقدم تنازلات في هذه الفترة ستتمزق البلاد.

وبالرغم من حالة التشظي التي تعيشها الطبقة السياسية، يبدو أن المحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين متفائلاً بحدوث اختراق وانتقال من حالة الضيق والإقصاء الى رحاب مشاركة الجميع في صناعة القرار السياسي، ويقول لـ (الإنتباهة): (إن الفائدة المرتجاة من الإعلان السياسي توفير مظلة للحكومة الانتقالية تنقلها من ضيق الأفق لاتساع الهم الذي يتشاركه الجميع مدنيون وعسكريون، كما أنه سيكون منصة لتوافق وطني يشمل كل القوى السياسية بما يجعلها ظهيراً وحارساً للانتقال من بوائق الشللية والتشرذم، وهو كذلك مساحة لبناء مشروع وطني يحصن الانتقال من الاختطاف، ويجعله مدخلاً لديمقراطية مستدامة تزرع بذرتها في تربة السودان بدون طول عناء في بيداء السياسة جائلين بين ديمقراطية هزيلة لا تصمد في وجه الانقلاب ولا تشدد بعد انتفاضة مهرها الدماء والدموع).

امتداد للانقلاب

بينما يعتبر المتحدث باسم تجمع المهنيين الفاتح حسين لـ (الانتباهة) أن الإعلان السياسي المرتقب إعلانه لا يعني التجمع في شيء وهو امتداد للانقلاب العسكري، وأضاف قائلاً: (التجمع طرح إعلاناً سياسياً معروفاً لدى الجميع وتجرى مناقشته)، واستبعد في الوقت نفسه إجراء حوار مع المكون العسكري ومن سماهم (قوى الردة والفلول)، وحصر الحوار في القوى صاحبة المصلحة في ثورة ديسمبر فقط، ولكن محدثي محيي الدين يعود مرة أخرى ويشير إلى أن ما جاء في الإعلان السياسي (الوثيقة المسربة) يصلح إطاراً لتوافق سياسي واسع يتأسس عليه عقد سياسي يرسم ملامح مرحلة جديدة قوامها التوافق ومشاركة الهم العام