مع قرب التوقيع على الاتفاق النهائي، وشروع أطراف الاتفاق في ترشيحات الحكومة التنفيذية، لا زال هناك صراع بين الموقعين على الإطاري والرافضين، خاصة الموقعين على اتفاق جوبا، وهناك الحزب الشيوعي ، وحزب البعث ظلا يرفضان بصورة كلية، مما زاد المشهد تعقيداً، وعلى ضوء هذا الانقسام هناك من يرى أن الاتفاق قادر على أحداث توافق وجمع كل المتخلفين، فيما يرى آخرون أن الاتفاق مثالي ، ويصعب إنزاله على أرض الواقع، ومن بين هؤلاء الخبير والأكاديمي بروفيسور حسن مكي ، في حوار تناول الأوضاع الراهنة ومستقبل الاتفاق الإطاري والخيارات المتاحة لتحقيق وحدة وطنية ، (كيف تنظرون للمشهد السياسي؟) هناك حالة من الوعي في المشهد السياسي السوداني، فلم يعد تشكله شلة الخرطوم أو سياسيون محترفون ( من يشكله؟) يشكله الشرق ودارفور، والآن هناك حركات في الوسط وفي الشمال، الكل أصبحت لديه مصالح يريد المحافظة عليها ويشعر بضعف الدولة، والسياسيون يبحثون عن الوظائف ، لذلك الحركات المطلبية والجهوية والقبيلة، أصبح لديها وعي سياسي وعندها جمهور ، (هل تتوقع نجاح الاتفاق الإطاري في حل الأزمة؟ ) الاتفاق الإطاري مثالي خالص، لكن يصعب إنزاله على الأرض، ومشكلته ليس لأنه غير جيد، لكن من الناحية العملية لايتناسب مع ظروف البلد، افتكر سيظل الجيش هو الضامن للحياة الديمقراطية و السياسية وأمن البلد ، ( لكن الاتفاق يلزم الجيش بالانسحاب من الحياة السياسية؟) لا أحد يعترض على قيام دولة مدنية كاملة، لكن إذا قلنا ينسحب الجيش وتصبح كلها مدنية، الظروف الموضوعية لاتقبل ذلك ، وتجعل أي قوى يمكن أن تستلم السلطة، أو تكون أداة لإرباك المشهد ، ( ما علاقة انسحاب الجيش بإرباك المشهد؟) عندما تطالب الجيش بالانسحاب من المشهد ، في بلد فيه أزمات واستقطاب ، يعني أنك تعرض النظام الجديد ، للإطاحة بواسطة مغامر عسكري، حتى إذا لم يحكم، وتأتي حكومة لا تحظى بتأييد، وهذا سيفتح البلد للحركات التي تشكو منها القوى الخارجية نفسها ، (مثل من؟) مثل التكفير والهجرة، وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالي، بعضها يأتي لأسباب ايديولوجية، وبعضها يأتي بحجة أن البلد ضعيفة ويمكن أن يجد فيها مستقراً وملجأ ، ( كأنك تقول إن هذا الحراك يمكن أن يؤدي لخيارات غير متوقعة؟ ) أعتقد أن الحراك الحاصل سيؤدي لتغيير، قد تحدث انتفاضة شعبية مع انتفاضة عسكرية ،( انتفاضة من؟) انتفاضة بنفس سوداني ، فيها المؤتمر الوطني والحركات المسلحة والجهوية وفيها الشرق وبعض منسوبي القوات المسلحة ، الذين يشعرون أن خطاب القيادة العسكرية مربك للمشهد، وهم سيكونون الضحية ، ( انقلاب مثلاً ؟ ) الانقلابات دائماً تحدث، عندما تكون هناك قوى سياسية مؤثرة على الجيش أويتحرك لحماية مصالحه، وهذه المرة سيتحرك الجيش لحماية مصالحه، لأن القوى المرشحة لقيادة البلد تقف ضد الجيش والحركات المسلحة، و تريد فتح اتفاق جوبا، صحيح الاتفاق يحتاج لمراجعات، لكن ليست بهذه الصورة الاستفزازية التي تحاول فيها إقصاء الموقعين، وحتى الموقعين على الاتفاق سينقلبون عليهم، عندما يفقدون مواقعهم في مجلس الوزراء والسيادة ، ( حديثك يشير إلى أن قيادة الجيش غير جادة في الانسحاب من المشهد؟) قيادة الجيش الموجودة الآن لا يمكن أن تنسحب من المشهد بهذه الصورة، لأنها اذا انسحبت، ستذهب للمعتقل، وهؤلاء سيحملونها مسؤولية فض الاعتصام، وستكون هناك تصفية حسابات ، ( إذن لماذا يؤكدون على الخروج من الحياة السياسية ؟) مناورات وكسب وقت، هم شاعرون أن ليس لديهم حاضنة سياسية، لأنهم لم يكونوا مسيسين، لذلك دائماً يحاولون إرباك المشهد، اليوم يصفون الأجواء مع قحت ويعكرونها مع التيار الإسلامي العريض، وغداً يصفونها مع التيار الإسلامي العريض ويعكرونها مع قحت ،( رغم حديثك عن صعوبة تطبيق الاتفاق، لكنه يمضي لنهاياته؟) حتى إذا وصلت الأطراف لاتفاق؛ سيكون مأزوماً ومحدوداً، وآيل للسقوط وبهذا الاتفاق كأنك تفتح باب الدولة لأي مغامر جديد يأتي سواء كان مدنياً أو عسكرياً، و أعتقد قيادة الجيش ليس بهذه الغفلة حتى تسلم الدولة لخمسة أشخاص تدير الأمور بين السفارات والمؤتمرات ، ( ما هي مواصفات رئيس الوزراء القادم؟) إذا جاء رئيس وزراء سيكون من الأكاديمين مثلما حدث في الجامعات، آخرهم جامعة أفريقيا، ولن يستطع حل المشكلة. ، ( لماذا؟ ) لأنه لن تتوفر له الخبرة والحاضنة السياسية، وسيواجه بضغوط شديدة من مجموعة الخمسة حتى يختار منهم الوزراء، وضغوط من الجيش والخارج، إذا كانت الأمور ستمضي، كان مضت مع حمدوك الذي توفرت له المساعدات الدولية والعطف اليساري الكبير ، ( هل تتوقع عودة حمدوك ؟ ) الحماقات غير مستبعدة في السودان، القيادة العسكرية يمكنها أن تعمل حماقة وترجعه، لكن لن يعيش، المرة الأولى قدم استقاله، المرة الثانية اذا جاء حمدوك أو غيره سيكون مصيره صعباً إلا يهرب، لأن البطون الجائعة لاتعرف المعاني العالية، إضافة للحركات الجهوية والمظاليم والسلاح المنتشر ، ( هناك حديث عن اختلاف بين البرهان وحميدتي ؛ إلى أي مدى يمكن أن يكون صحيحاً؟ ) ليس لدي معلومات، ولكن إذا كانا عاقلان يجب أن يحافظوا على تحالفهما ، لأن هناك توازن ضعف، لا أحد قادر على فرض سيطرته، لا حميدتي قادر يسيطر على الدولة ولا الدولة قادرة تسيطر عليه، وحتى لو سيطر يوم يومين، الدولة ستنقلب عليه، لا يحكم أكثر من هاشم العطا أو حسن حسين.لذلك أفضل حل للبرهان وحميدتي التحالف مع بعضهما البعض، و ترك اللهث وراء القوى الأجنبية ، (هما ينفيان ذلك؟) رغم النفي هما يلهثان وراءها ويحاولان إرضاءها، (اختلفت الأطراف حول تسمية ماتقوم به الدول الخارجية في السودان، لماذا يتخوف البعض من هذا التدخل؟ ) لأن هناك خطورة، الآن لايوجد تيار وطني يعلي من مصلحة الوطن، السياسة السودانية في أشد مراحل انحطاطها، لأن الرموز التاريخية رحلت ممثلة في (السيد عبد الرحمن المهدي والسيد إسماعيل الأزهري والسيد علي المرغني) ومن بعدهم رحل دكتور الترابي والسيد الصادق ولم يبق من التيار القديم إلا السيد محمد عثمان الميرغني والسيد أحمد المهدي ،( أحمد المهدي يبدو أنه بعيد عن المشهد؟ ) إذا هناك عقل سياسي في حزب الأمة سيعمل على إظهار تيار يعطي السيد أحمد المهدي مكانته ليصبح إمام الأنصار، ويعود مبارك الفاضل ويتوحد بيت المهدي، وإلا الحركات الجهوية ستاكلهم لأن ليس لهم زعيم ،( بالعودة للتدخلات الخارجية ما تقييمكم لحجمها؟ ) التدخلات الخارجية كبيرة، وعمياء، فبدلاً من أن توحد الجبهة الداخلية، أحدثت استقطاباً فيها، وكان يمكن أن تكون لمصلحة السودان، اذا كان شعارها المصالحة الوطنية والوحدة والحفاظ على مصالح السودان، لكن للأسف الشديد حاولت التحالف مع قوى محددة، لاتمثل كل السودانيين ، ( بعض دول الرباعية اشترطت مدنية الدولة لتقديم المساعدات؟) الرباعية تمضي في اتجاه خاطئ، وغير منتبهة للأخطار المحدقة التي يمكن أن تحدث نتيجة لوجود حكومة ضعيفة، وهم لايعرفون السودان ، ( من يعرفه؟ ) يعرفونه البريطانيون والمصريون، المصريون تأخروا والبريطانيون يقال إنهم عرفوا أن هذا اَلاتفاق لن يمضي للأمام، لكن لايريدون الدخول في صدام مع الأمريكيين.