اثارت تحركات بعض السفراء والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى السودان وسط المواطنين واجراء المقابلات مع بعض الشخصيات والاحزاب، اثارت جدلاً كثيفاً في الآونة الاخيرة، واصبحت حديث المجالس بين النقد والترحيب، اذ يعتبرها البعض تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للبلاد، ووجهت لها انتقادات حادة على المستوى الرسمي والحكومي، ووصفت تلك التحركات بـ (المريبة)، فيما اعتبرها البعض الآخر اهتماماً من قبل تلك الدول بقضايا السودان.
وبحسب مراقبين ظل سفراء بعض الدول يمارسون نشاطاً واسعاً وسط المواطنين والاحزاب والتدخل في قضايا داخلية واعطاء الوصايا لهم بالقيام ببعض الافعال، كما استنكر المراقبون ترويج بعض السياسيين للقاءاتهم بالسفراء والتقاط الصور معهم وكذلك المسؤولين الاجانب، وقللوا منها.
وانتقد المراقبون ضعف وزارة الخارجية في اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد بعض السفراء، وطالبوا باعادة دور الوزارة في تنظيم عمل البعثات وضرورة اشراكها والتنسيق معها في اية مقابلة يجريها السفراء مع الوزارات والجهات العليا الاخرى.
تهديد وتحذير
وظلت تلك التحركات تشكل خطراً على الحكومة الحالية، مما دفع رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان الى ان يصدر تصريحات من حين لآخر يوجه فيها انتقادات حادة للبعثات الدبلوماسية.
وهدد البرهان في اكثر من مناسبة باتخاذ إجراءات ضد بعض الدبلوماسيين الذين يحرضون ضد القوات المسلحة السودانية، وقال إن بعض أفراد البعثات الدبلوماسية يتجولون بين المواطنين، ويحرضون الناس (ليظهروا عداءهم للقوات المسلحة وليجدوا فرصة للتدخل في الشأن السوداني).
وأضاف قائلاً: (نحن نحذر من مغبة هذه التحركات، ولا يغلبنا اتخاذ أي إجراء ضد أي شخص يتطاول على أمن السودان وحرمة أهله أو أي شيء يمس هذه البلاد).
مجلس السيادة على الخط
ليس هذا فحسب، بل ايضاً وجدت تحركات هؤلاء السفراء انتقادات حادة من قبل مجلس السيادة، وكانت قضية اساسية تم نقاشها في احد اجتماعات المجلس، اذ استمع المجلس حينها إلى افادة من وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق حول العلاقات الخارجية ونشاطات بعض البعثات الدبلوماسية المعتمدة والمخالفة للاعراف الدبلوماسية.
وانتقد بعض اعضاء المجلس في اكثر من مناسبة تدخلات السفراء في عمل الدولة وتجوالهم وسط المواطنين ومشاركة بعض منهم في الاحتجاجات الداخلية.
استغراب الخارجية
وظلت تغريدات بعض السفراء على (تويتر) تزعج السلطات السودانية وتثير غضبها، وآخرها تلك التي صدرت من بعض السفراء فور اعتقال بعض السياسيين من قوى اعلان الحرية والتغيير، اذ سارعت وزارة الخارجية الى اصدار بيان شديد اللهجة استنكرت فيه تلك التغريدات، وقالت انها لاحظت بعميق الدهشة والاستغراب تغريدات تفتقر الى اللياقة والحصافة الدبلوماسية صدرت أخيراً عن بعض السفراء المعتمدين لدى السودان على خلفية اعتقال اثنين من المواطنين السودانيين بموجب احكام القوانين الوطنية السارية، مما يعد تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للسودان، ومنافياً للاعراف والممارسات الدبلوماسية.
تهديد بالطرد
ولم يقف الأمر هنا، بل ظلت وزارة الخارجية طيلة الفترة الماضية ووفقاً لتوجيهات من قبل رئيس مجلس السيادة، تستدعي السفراء الذين ينتهكون الاعراف الدبلوماسية، اذ استدعت السفير البريطاني الذي اعلنت قيادة الدولة انها طردته بعد (25) اكتوبر وفقاً لتغريدة على (تويتر) ومنحته ثلاثة اسابيع لمغادرة البلاد. وبحسب معلومات (الانتباهة) فقد تداركت وزارة الخارجية الأمر ومنحته فرصة اخيرة، وابلغته رسمياً انه في حال بدرت منه اية مخالفة سيتم طرده رسمياً.
واستدعت الخارجية عدداً من السفراء ورؤساء البعثات الاخرى المخالفين للاعراف الدبلوماسية ويمارسون انشطة ضد الدولة، وابلغتهم بانها ستتخذ ضدهم اجراءات في حالة تكرار الأمر.
هشاشة وضعف
ويعزو البعض التدخل السافر للبعثات الدبلوماسية في الشأن الوطني الداخلي ــ في المقام الاول ــ لضعف الحكومة وهشاشة المؤسسات وتعدد مراكز اتخاذ القرار والانقسامات السياسية بين مجموعة والأخرى، وان تدخل السفارات لدعم الحراك المدني الديمقراطي كما ظل يروج لذلك كثير من السياسيين الذين وعدوا بزيارة السفارات سفارة سفارة، فيما ترى مجموعة اخرى ان هذه التدخلات تعتبر اضعافاً للسيادة الوطنية، كما عبر عن ذلك الحراك الشعبي ضد التدخل في السيادة الذي نظم تظاهرة كبيرة امام مقر البعثة الاممية، مما دفع فولكر بيترس المبعوث الأممي الى ان يصفها بانها بفعل الحزب الحاكم المخلوع.
سيارات تتسبب في الأزمة
وافادت مصادر رفيعة بوزارة الخارجية (الانتباهة) بأن الاجهزة الامنية رصدت سيارات بعض السفارات تحمل بعض المواطنين إلى اماكن التظاهرات، كما تحمل سيارات اخرى مساعدات لهم، وكشفت ذات المصادر ان الخارجية استدعت سفراء تلك الدول، واوضحت انهم ثلاثة سفراء اجانب وآخر سفير دولة عربية، وابلغتهم احتجاجها على الخطوة وعرضت عليهم (فديوهات) تثبت صحة ما حدث، وقالت المصادر ان بعض السفراء الذين تم استدعاؤهم ابلغوا الخارجية بأن السيارات المعنية بعضها تم بيعه، وآخرون حملوا المسؤولية لسائقي تلك السيارات، فيما اعتذر سفير الدولة العربية عما حدث ووعد بعدم التكرار.
وقالت المصادر ان الخارجية ابلغتهم رفضها ما حدث، وهددتهم بانه في حال تكرار الخطوة او ممارسة انشطة تخالف الاعراف الدبلوماسية ستتخذ ضدهم خطوات تصعيدية قد تصل الى الطرد.
غير مرغوب فيه
وبحسب الخبير في الشأن الدبلوماسي السفير الرشيد ابو شامة في حديثه لـ (الانتباهة) فإن على السفراء الالتزام بالسلوك والاعراف الدبلوماسية والا يتم تجاوزها، واضاف ان بعض السفراء الاجانب يأتون بتصرفات تؤكد تدخلهم في الشؤون الداخلية.
وشدد ابـو شامة على وزارة الخارجية استدعاء السفير المعني وتبليغه بأن الدولة ترفض تصرفاته ويتم انذاره بانه سيتم اتخاذ اجراءات ضده، واوضح ان الدولة لها الحق في طرد الدبلوماسي وتبليغه بانه غير مرغوب فيه.
ولفت إلى ان كثيراً من السفراء كانوا يجلسون في الاعتصام ويتدخلون في الشؤون الداخلية، واستدرك قائلاً ان خطوة الطرد كبيرة وجريئة والسودان لا يستطيع الاقدام عليها في ظل هذه الظروف وفي ظل سعيه الى جلب المساعدات الدولية والتأييد، خاصة ان السفراء الذين يتدخلون سفراء الدول الكبرى.
فيما صوب سفير مخضرم ــ فضل حجب اسمه ــ انتقادات واسعة لهؤلاء السفراء. واوضح في اطار حديثه لـ (الانتباهة) ان هناك اتفاقيات منظمة لعمل السفراء والدبلوماسيين في اية دولة، وهناك ميثاق الامم المتحدة واتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م التي تتضمن مواد تنظم عملهم وضرورة مراعاتهم القوانين الداخلية وعدم التدخل في الشأن الداخلي، واي امر يمس السيادة والمصالح العليا للبلاد غير مسموح به.
وقال محدثي ان على الدولة المعنية اذا ما حدث خرق ما لواجبات الخارجية دون انتظار تعليمات من اي طرف، ان تستدعي السفير المعني وتبلغه بان ما يقوم به من تحركات او اقوال او افعال يتعارض مع واجباته في العمل كسفير في هذه البلاد، ولا بد ان يراعي هذه القوانين والاتفاقيات المعروفة.
وشدد على انه في حال تكرارها يتم ابلاغ بلاده بأن هذا السفير لم يؤد مهامه بالنحو المطلوب، وأضاف انه في حال تطاول احد السفراء يعتبر شخصاً غير مرغوب فيه، وهذا حق سيادي .
ودعا السفير ــ الذي فضل حجب اسمه ــ إلى ضرورة تنشيط عمل الخارجية وعدم اضعافها، وان يكون هناك تنسيق تام بين الخارجية والوزارات والهيئات وكافة الجهات في التعامل مع السفارات داخل البلاد.
هل تكفي الاستدعاءات؟
وعليه مع تزايد حالات تجاوز السفراء مهامهم الدبلوماسية الأمر الذي يعد خرقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وتدخلاً في السيادة الوطنية، فهل تكفي الاستدعاءات التي تقوم بها وزارة الخارجية، ام ربما تلجأ الدولة لاجراءات اكثر راديكالية لوقف مثل هذه الخروقات لسيادة الدولة؟
ورغم حرص السلطة الراهنة على عدم تعكير صفو العلاقات مع الدول الكبرى واللجوء الى اجراءات طرد السفراء، الا ان تكرار تدخلات السفراء ربما لا يتيح اي مجال للمعالجة الثنائية مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك.