انتخب التشيليون نهاية الأسبوع شخصيات مستقلة ستشكّل القسم الأكبر من مجلس يضم 155 عضوا سيعيد صياغة الدستور العائد إلى حقبة الجنرال بينوشيه الدكتاتورية ويعتبر كثيرون أنه السبب الأساسي وراء غياب العدالة الاجتماعية في البلاد.
وكانت صياغة دستور جديد من بين أبرز مطالب المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع في 2019 وأسفرت احتجاجاتهم عن سقوط عشرات القتلى لكنها مهدّت الطريق لما وصفت بأنها أهم انتخابات تشهدها تشيلي منذ عودتها إلى الديموقراطية قبل 31 عاما.
وفُسّرت نتيجة التصويت الذي جرى السبت والأحد على أنه رسالة صارمة لليمين الحاكم والأحزاب السياسية التقليدية.
وأفاد الرئيس سبستيان بنييرا أن النتيجة تكشف بأن حكومته والأحزاب السياسية لم تكن “متناغمة مع مطالب وطموحات المواطنين”.
وقال “نواجه تحديا من قيادة جديدة”.
ولم يكن من المتوقع أن يحصل المرشّحون المستقلون (مع وضعهم مجموعة واسعة من التعهّدات الفردية والبرامج) على الكثير من الزخم، لكن انتهى بهم الأمر بالفوز بأكبر حصة من الأصوات، بلغت نحو 40 في المئة.
ومع فرز نحو 90 في المئة من الأصوات، حصل المرشّحون المرتبطون بالأحزاب اليسارية على ثلث الأصوات بينما حصل اليمين الحاكم على أكثر بقليل من 20 في المئة.
وأفاد عالم السياسة في جامعة سانتياغو مارسيلو ميلا أن معظم المستقلين شخصيات من “خارج (الأوساط السياسية) غير منضوين في حزب وينتقدون الأحزاب التقليدية”.
وأشارت ميريا دافيلا من معهد الشؤون العامة التابع لجامعة تشيلي إلى أن “النظام السياسي يعاد تشكيله”.
وتابعت “القوة الانتخابية للمستقلين أكبر بكثير من مما كان يعتقد سابقا ويؤكد ذلك أن المواطنين سئموا من الأحزاب التقليدية”.
– يمين أم يسار؟ –
يعود دستور البلاد الحالي إلى العام 1980، إذ أُقِر في ذروة عهد الدكتاتور أوغوستو بينوشيه.
ويروج للمؤسسات الخاصة في جميع قطاعات الاقتصاد – بما في ذلك التعليم والصحة والمعاشات التقاعدية – في بلد مصنّف كواحد من أكثر الاقتصادات المتقدمة افتقادا للمساواة.
وكانت عدم المساواة هذه أحد الدوافع الرئيسية لاحتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 التي انتهت بموافقة الحكومة بعد شهر على إجراء استفتاء على دستور جديد.
وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، صوت 80 في المئة من أجل صياغة دستور جديد من قبل هيئة من الأعضاء المنتخبين.
ونظمت الأحزاب اليسارية حملة واسعة من أجل دستور جديد يضمن سيطرة أكبر للدولة على الموارد المعدنية وغيرها من الموارد الطبيعية، والمزيد من الإنفاق العام على التعليم والصحة والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية.
ويدافع الساسة على يمين المعادلة السياسية إلى حد كبير عن نظام السوق الحرة الرأسمالي الذي يعزون إليه الفضل في عقود من النمو الاقتصادي في تشيلي.
وتعني النتيجة القوية التي حققها المستقلون – بما في ذلك وجود العديد من الممثلين والكتاب والمعلمين والمحامين الذين شاركوا في الانتفاضة الاجتماعية – أنه من غير الواضح إلى أي اتجاه ستسير الأمور.
وقالت دافيلا إنه أمر “معقد لأنه سيتطلب التفاوض مع كل من المستقلين والتعامل مع كل موقف من مواقفهم” في عملية الصياغة.
– ظل بينوشيه –
وقال غييرمو غوزمان، وهو مهندس معماري يبلغ من العمر 57 عاما، خلال الاقتراع إنه صوّت “على أمل إحداث تغيير في البلاد… حتى نتمكن من صياغة دستور جديد يختلف تماما عن الدستور الذي تركته لنا الدكتاتورية”.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حوالى 60 في المئة من التشيليين يلقون باللوم على الدستور في تأسيس نظام يعود بالفائدة على النخبة.
وأضافت كارميلا أوركويزا، وهي موظفة حكومية تبلغ من العمر 62 عاما، مشيرة إلى الدكتاتور بلقب أطلقه منتقدوه “يبدو الأمر كما لو أننا بدأنا حقا في التخلص من بينوكو وظله وإرثه وكل شيء”.
بحسب الأرقام الأولية، شارك في الاقتراع حوالى 37 في المئة من 14 مليون ناخب مؤهل.
كما شارك في السباق ما مجموعه 1373 مرشحا نصفهم من النساء، في رقم عالمي غير مسبوق.
وستشكل النساء 50% من مجموعة الصياغة المكونة من 155 عضوا وسيكون أمامها تسعة شهور للتوصل إلى قانون تأسيسي جديد.
وحُجز 17 مقعدا لممثلي مجتمعات السكان الأصليين. وستتم الموافقة على مشروع الدستور أو رفضه العام المقبل في تصويت وطني إلزامي.
ولدى تشيلي أعلى دخل للفرد وتأتي في المرتبة الثالثة في أميركا الجنوبية لجهة عدد أصحاب الملايين. لكن الطبقة العاملة، وحتى الطبقة المتوسطة-العليا، مثقلة بالديون وغالبا ما تدفع تكاليف الدراسة والمعاشات التقاعدية الخاصة.
كما اختار الناخبون حكام المناطق ورؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية في اختبار أساسي للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/نوفمبر.
جرى التصويت على مدى يومين لتقليل الازدحام بسبب تفشي كوفيد-19 الذي خلف أكثر من 1,2 مليون إصابة وحوالى 30 ألف وفاة في الدولة التي تعد 19 مليون نسمة.