الدكتور/ عمر كابو
ما من شك في أن قرارات القوات المسلحة بحل حكومة حمدوك وتجميد بعض مواد الوثيقة الدستورية وإعلان حالة الطواريء مثلت مخرجًا مرضيًا من حالة احتقان كادت أن تعصف بأمن واستقرار البلاد؛
فهذه القرارات صدرت والبلاد تشهد أضخم اعتصام شهدته الخرطوم منذ الاستقلال وحتى الآن ، فالحشود التي خفت ملبية ومشاركة في اعتصام القصر الجمهوري ما كان لها أن تتفرق إلا على وقع قرارات مثل ما صدر عن المؤسسة العسكرية وعلى هذا فإن كلًّا من البرهان وحميدتي و أركان حربهما من قواتنا الباسلة استحقوا الاحترام والإجلال و الإكبار وهم ينحازون إلى مطالب الجماهير ونداء الوطن الذي كاد أن يختنق فاعتصام الشرق يومها وصل إلى أعلى درجات غليانه وقياداته تعلن مهلة أخيرة لإعلان انفصاله وكذا الشمال والوسط..
تلك الأوضاع فرضت على البرهان وحميدتي أن يثوبا إلى ضميرهما الحي و أن يصغيا لصوت الحق فكانت تلاوة تلك القرارات التي وجدت تأييدًا مطلقًا من جموع الشعب السوداني إلا فئة قليلة مثلت اليساريين وبعض أصحاب الغرض ممن في قلوبهم مرض والمخدوعين بشعارات الثورة المزعومة٠
وهل ينسى عاقل حالة الانسداد الذي أوصلتنا إليه عصابة (أربعة طويلة)؟!
تدخل المؤسسة العسكرية يجب أن يحمد لها ويحسب في رصيدها سيما وأنها ضبطت نفسها وهي تتخذ تلك القرارات بهدي المصلحة العامة دون تشنج أو توتر ومن دون إفراط أو تفريط بمزاج غلب عليه الاعتدال والتسامح والتسامي على كل الجراح..
ومن ذلك لم تستعجل قرار تكليف رئيس وزراء وتعيين حكومة جديدة بل تأنت في ذلك برجاء أن يوافق حمدوك في قبول المنصب متجاوزًا عصابة (أربعة طويلة) تلك العصابة الفاسدة التي اضمرت الشر وتأصل فيها الفشل والفساد والضلال والشقاق ومردت على النفاق وسوء الأخلاق..
هي إذن قواتنا المسلحة تعيد إلى الحكم رشده وللدولة هيبتها بعيدًا عن ذل الهزيمة والضعف والخَوَر مانحة حمدوك سانحة من ذهب إن أحسن استثمارها واهتبلها فرصة حقيقية تعيد إنتاجه زعيما وحاكما لكل السودانيين ومُخْلِصًا ومُخَلِّصًا لأبناء جلدته..
وذلك لن يتم إلا بتوافر شروط أولها أن يعلن وقوفه على مسافة واحدة من الجميع يتبعه فعلًا لا قولًا بإعلان مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحدًا ثم يبادر بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من خصومه الإسلاميين الذين زج بهم في السجون ظلمًا و عدوانًا و إفكًا وحرموا حتى من أدنى تلك الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية..
آن الأوان أن يستفيد من أخطائه التي أقعدت به والبلاد وأولها أن تجربته الفقيرة البائسة في السياسة والحكم أعمته من أن يدرك حقيقة أنه ليس بمقدور أي شخص أن يبسط سلطانه وأن يدير شؤون دولة تعاني من عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية ولذا فإن هو أراد أن يحكم فعليه أن ينشد الاستقرار السياسي أما من غير ذلك فسيجد نفسه في موجة من الاضطرابات السياسية قطعًا ستقوده إلى أحد مصيرين كل منهما أبشع من الآخر إما إلى السجن حبيسا أو الهروب لاجئا سياسيا في دولة ما ٠
فهل يعي حمدوك الدرس هذه المرة أم يخونه رشده مثل كل مرة؟؟!!