منذ أن توقف راتب زوجها في سبتمبر/ أيلول عام 2016، تمكنت السيدة “إشراق عادل” من إثبات جدارة قدرتها في مؤازرة أسرتها، وكسر حاجز المجتمع، والبدء بمزاولة مهنة التجارة، لتأمين الغذاء لأفراد عائلتها.
تقول “إشراق عادل” (38 عاما): “إن فكرة إنشاء المشروع كانت أشبه بالحلم، لكنها تمكنت منتصف 2017، من افتتاح محل لبيع الملابس النسائية بالقرب من منزلها في مديرية السياني – بمحافظة إب.
وخلال السنوات الماضية بدأت العديد من النساء في اليمن بممارسة العمل ووفقاً لإحصاء أجرته منظمة العمل الدولية في 2013-2014، فإن نسبة النساء العاملات في اليمن وصلت إلى نحو 6% فقط ولم نتمكن من الحصول على إحصائية جديدة لتوضيح مقدار حجم الزيادة في أعداد النساء العاملات في اليمن خلال سنوات الحرب في البلاد.
مع دخول الحرب في اليمن عامها السابع تزداد تحديات وصعوبات العيش لدى شريحة واسعة من المواطنين، ووفقاً للأمم المتحدة فإن نحو 50 ألف شخص يعيشون حالياً في ظروف تشبه المجاعة، فيما يبعد 5 ملايين شخص خطوة واحدة عن هذا الوضع.
الحرب ودور المرأة ونظرة المجتمع
تقول إشراق عادل: “عند انقطاع راتب زوجي في العام 2016 “وجدنا أنفسنا عاجزين عن توفير أبسط المقومات الأساسية للحياة، خصوصا مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية لكن ذلك جعلني أفكر بمحاولة تغيير دوري في المجتمع، والانتقال إلى العمل من أجل المساعدة في توفير مصدر دخل يلبي احتياجنا”.
تضيف إشراق بأن نظرة المجتمع والناس في المنطقة التي تسكن فيها كانت إيجابية وبأنها ناجحة في حياتها، واستطاعت الوقوف إلى جانب أفراد عائلتها ومساندة زوجها وهو ما يجعل الكثير من النساء تفكر بإنشاء مشاريع استثمارية للعيش في زمن الحرب”.
أستاذ علم اجتماع العمل بجامعة تعز الدكتورة ذكرى العريقي تقول: “المرأة اليمنية أصبحت هي العائل الرئيسي للأسرة خاصة في ظل الحرب، وفقدان العائل بسبب الالتحاق بجبهات القتال، أو فقدانه للعمل، وذلك بدوره جعل الكثير من النساء تضطر إلى الخروج للبحث على العمل لتوفير لقمة العيش لأفراد عائلتها”.
وتعتقد الدكتورة العريقي: “بأن ظروف الحرب ساعدت الكثير من النساء على الظهور والمشاركة في أماكن العمل المختلفة بالإضافة إلى أن المجتمع بدءًا يتقبل وجود المرأة في أماكن كثيرة نتيجة للظروف الحالية لافتة أن المرأة كانت ببعض المناطق غير قادرة على الخروج أو ممارسة العمل”.
رئيسة مؤسسة قرار للإعلام والتنمية المستدامة قبول العبسي تقول: “تغيرت حياة النساء اليمنيات خلال الحرب بشكل كبير وزادت المسؤولية عليهن وهناك كثير من النساء تحملت أعباء إضافية لافته إلى أن هنالك نساء لم تكن تعمل اضطرت إلى العمل وتحمل مسؤولية البيت والأسرة إلى جانب أزواجهن”.
وأضافت العبسي: “بعض النساء فقدت المعيل للأسرة وبدأت بالعمل من منازلهم لتوفير لقمة العيش والسعي وراء الحصول على الموارد الأساسية للحياة والخروج لساعات طويلة أمام طوابير الغاز والماء لتوفير الأساسيات للمنزل، وأظهرت النساء قدرتهن على تحمل المسؤولية من خلال إنشاء المشاريع الاستثمارية الصغيرة لتأمين الغذاء لأفراد أسرهن والتخفيف من معاناتهم في ظل الحرب”.
يقول خالد حميد (44 عاما) موظف حكومي في مدينة إب وسط اليمن تعمل زوجته في بيع الملابس النسائية: “عمل المرأة اليمنية في ظل الحرب أمر في غاية الأهمية، لافتاً إلى أنه لا يجد أي مشكلة في ممارسة زوجته للعمل ونظرة المجتمع للنساء العاملات تغيرت بشكل كبير وأصبح الناس ينظرون إليها بشكل إيجابي”.
“طليعة سالم” صاحبة مشروع استثماري في مدينة عدن (جنوب اليمن) تقول: “إن الحرب في اليمن أدت إلى تغيير دور المرأة اليمنية في المجتمع بشكل كبير، مشيرة إلى أن المرأة أصبحت أقوى مما كانت عليه سابقا، وبأن الحرب جعلتها تعي صعوبات الحياة، ومتطلباتها التي يواجهها الرجل في توفير لقمة العيش لأفراد أسرته”.
وأضافت سالم: “الحرب غيرت دور المرأة اليمنية وأصبحت مساندة للرجل في العمل، وتوفير متطلبات الحياة اليومية وبأن المجتمع أصبح يستوعب مشاركة النساء في العمل بشكل كبير”.
أما حول نظرة المجتمع للنساء العاملات في اليمن تعتقد سالم: “بأنها إيجابية، وجيدة، عكس السنوات الماضية لافته إلى الناس أصبحت تحسد النساء اللواتي يعملن وبأن الوضع حاليا تغير عن السابق”.
يقول محمد حسن (40 عاماً): “من الطبيعي ممارسة المرأة للعمل خصوصا اللواتي يعملن في المشاركة في المشروعات التنموية والاستثمارية التي من شأنها أن تساهم في تأمين الغذاء لأفراد عائلتها والوقوف إلى جانبهم في زمن الحرب”.
وأضاف: “ليس عيباً أن تمارس المرأة العمل خاصة إذا كان ذلك العمل يمكن القيام به في المنزل مثل صناعة البخور، وتطريز الملابس النسائية والخياطة، موضحاً بأن زوجته تعمل في صناعة البخور، وبيعه للنساء في منزله بمدنية إب وسط اليمن”.
تماماً مثل محمد يقول أمين محسن (47عاما ً) وهو موظف حكومي في صنعاء منذ انقطاع الرواتب الحكومية ساهمت زوجتي في توفير متطلبات الحياة والوقوف إلى جانبي من خلال الخياطة وتطريز الملابس النسائية”.
وأضاف: “بأنه لا يجد أي إشكالية في ممارسة زوجته للعمل فهي بحسب قوله تستطيع أن تجمع بين العمل وبين تربية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية”.
ويقول الصحافي “أبوبكر الفقية”: إن المرأة اليمنية كانت قبل اندلاع الحرب تشارك الرجل في تحمل أعباء المعيشية لكن بنسبة بسيطة مقارنة بالوضع الحالي مع اقتصار الأمر في غالب الأحيان على لعب “دور تشاركي طوعي” للمهام التقليدية للرجال”.
ويرى الفقية: “بأن الحرب المستمرة منذ سبع سنوات ضاعفت حجم تحديات الحياة أمام المرأة حيث وجدت المرأة نفسها مضطرة لتحمل أعباء الحياة كليا، بخلاف السابق حينما كان لعب ذلك الدور” مسألة اختيارية” بالنسبة لغالبية نساء البلاد”.
وأضاف الفقية: “الحرب غيرت دور المرأة اليمنية من ممارسة دور ثانوي تمثل بإسناد الرجل، ليصبح دورا رئيسي وحاسم لا مفر منه مع غياب دور الرجل بسبب تداعيات الحرب كالتعرض للقتل أو المرض أو الإعاقة أو الاعتقال من قبل الأطراف المتصارعة في البلاد”.
مشاريع نسائية متنوعة
تمكنت العديد من النساء في اليمن من إثبات حضورهن من خلال إنشاء مشاريع استثمارية ساهمت بشكل كبير في تأمين الغذاء وتوفير متطلبات الحياة للكثير من المواطنين.
ففي مدينة صنعاء ظهرت العديد من المشاريع النسائية مثل العمل في بيع العقيق والفضة و بيع الملابس النسائية، وأدوات التجميل، وصناعة البخور، وصناعة الكيك بالإضافة إلى افتتاح البوافي ومحلات الخضروات.
وفي مدينة عدن ظهرت مشاريع استثمارية نسائية بشكل لافت أبرزها خدمات إيصال الخادمات إلى المنازل، وحلويات المناسبات وغيرها من المشاريع النسائية التي ظهرت بشكل لافت بمختلف المحافظات اليمنية خلال السنوات القليلة الماضية.
وفي محافظة إب، تعمل العديد من النساء في صناعة البخور، وتطريز الملابس النسائية، وحباكة موائد الطعام التي يستخدمها المواطنون بشكل كبير في المناطق الريفية بريف المحافظة.
تقول “أم اشجان”، إنها تعلمت صناعة البخور، بالإضافة إلى تطريز الملابس النسائية لمواجهة متطلبات الحياة التي أثقلت كاهل زوجها الذي يعمل في مهنة البناء بمدينة عدن (جنوب اليمن)، وتعرض للطرد منها بعد الاضطرابات التي شهدتها عدن.
وقالت: “استطعت من خلال بيع البخور وتطريز الملابس الوقوف إلى جانب زوجي من خلال تأمين بعض الاحتياجات الأساسية ومؤخرا تحملت تكاليف الحياة اليومية بشكل كامل”.
وفي ريف اليمن غيرت الحرب دور المرأة الريفية في المجتمع وتحملت المرأة الريفية العبء الأكبر في توفير الغذاء من خلال العمل في الزراعة، والذي تعد اهم المجالات التي تعمل فيها النساء سواء كان بالاعتناء بالزرع خلال موسم هطول الأمطار او تربية الأبقار والاغنام.
وتعتمد غالبية المجتمعات في المناطق الريفية في اليمن على الزراعة بدرجة أساسية في توفير الغذاء والاكتفاء الذاتي من الحبوب المتنوعة ومع هجرة الأيدي العاملة من الريف إلى المدينة، بالإضافة إلى انخراط الشباب في جبهات القتال فإن المجتمعات الريفية تعتمد بشكل كبير على المرأة في إصلاح الأراضي الزراعية والاهتمام بها.
أفكار خارج المألوف
في سبتمبر من العام 2020، كانت السيدة العدنية “طليعة سالم” على موعد مع تدشين مشروعها الاستثماري من خلال إنشاء خدمة كاملة ومتكاملة في إيصال الخادمات إلى منازل المواطنين في مدينة عدن جنوب اليمن.
تقول “طليعة سالم” (37عاما):”بأن مشروعها الاستثماري عبارة عن توصيل طلبات ومستلزمات واحتياجات المرأة مثل اسطوانة الغاز المنزلي، فستانين الأعراس، والماء، وجميع الاحتياجات التي تحتاجها المرأة، لافتة إلى إنشاء تطبيق إلكتروني خاص بالمشروع، وتمتلك قاعدة بيانات لجميع الزبائن في المدينة”.
وعن دوافع إنشاء مشروعها تقول سالم: “الحاجة أم الاختراع، قبل إنشاء المشروع وجدت بأنه كان لا يوجد مشروع مماثل يخدم المرأة في المدينة خصوصا وأن غالبية النساء غير قادرة على الخروج لشراء أبسط الاحتياجات وذلك بسبب النزاعات وغياب الأمان بالإضافة إلى أن بعض النساء تفضل عدم الخروج إلى الأسواق”.
أما عن المعوقات والمشاكل التي توجهها في المشروع أكدت “سالم”: بأنها كثيرة من ضمنها عدم استقرار العملة المحلية، بالإضافة انعدام المشتقات النفطية، وصعوبة الحصول على قطع الغيار وكذلك تدهور الشوارع، كلها عوامل تمنع إيصال الخدمات بشكل سريع.
تضيف سالم: “بأنها تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى طلبات واحتياجات الزبائن في التطبيق الإلكتروني الخاص بالمشروع نتيجة ضعف شبكة الإنترنت في المدينة”.
وفي الآونة الأخيرة استطاعت الكثير من النساء ابتكار أفكار لمشاريع جديدة، لم يكن يعلمن بها من قبل وكانت مقتصره على الرجال فقط، وحققت نجاحات باهرة وكان مشروع السيدة “طليعة سالم” نموذجا من بين تلك المشاريع، والذي لقت تفاعل واسع من قبل المواطنين في مدينة عدن.
المشاريع مستمرة
أكدت السيدة “إشراق عادل” بأنه سوف تستمر في مشروعها الاستثماري، وممارسة مهنة التجارة حتى إذا انتهت الحرب وعاد راتب زوجها، لافته إلى أنها تفكر بتوسيع مشروعها، في المستقبل بشكل أكبر”.
تماماً مثل إشراق تقول طليعة: “بأن مشاريع النساء الاستثمارية حاضرة أثناء الحرب وبعد الحرب ويجب أن تستمر حتى بعد انتهاء الحرب لأنها تعتبر من واقع تغير الحال إلى الأفضل”.
تقول قبول العبسي: “بأن النساء لم تكن طرفا في الحرب بل كان لهن دور في إيجاد الحلول والمساعدة والاستجابة السريعة لإيجاد حلول وتخفيف المعاناة لافته إلى عمل النساء ليس لفترة معينه أو تحت ظرف معين”.
وأضافت العبسي: “بأن المرأة اليمنية أثبتت قدرتها على تحمل المعاناة والوقوف بثبات بجانب الرجل والعمل لبناء وطن يسوده العدالة والمساواة فلم يعد من المنصف المطالبة باستمرار عمل النساء بعد الحرب بل بالإشراك الحقيقي للنساء في صناعة القرار وتولي مناصب سياسية نظرا لدورهن البارز خلال الحرب”.
ويرى الصحافي أبوبكر الفقية: “بأن للمرأة الحق في ممارسة العمل لكن بطريقة ايجابية ومشجعة تعكس تطور المجتمع والدولة، وهو ما يغيب اليوم للأسف لأن الغالب من النساء العاملات تحملت قسرا مسؤولية مكتملة وهو ما يؤثر سلبا على باقي مسؤولياتها الحيوية كتربية الاطفال والانخراط في النشاط التعليمي والثقافي في المجتمع”.
تأثير عمل المرأة على الأسرة
تقول أستاذ علم اجتماع العمل بجامعة تعز الدكتورة ذكرى العريقي: “إن عمل المرأة ممكن أن يؤثر على الأسرة إذا لم يوجد تعاون بين الزوجين مشيرة إلى وجود تأثيرات إيجابية وسلبية في عمل المرأة”.
أما التأثير الإيجابي فتقول العريقي: “بأن المرأة تساعد وتساهم في توفير متطلبات الحياة أما التأثير السلبي فتقول عند انشغال المرأة لفترات طويلة في العمل خارج البيت ولا يوجد مراكز ولا مؤسسات تساعد المرأة في المجتمع من حيث الاهتمام برعاية الأبناء بالإضافة إلى عدم وجود رب أسرة يساعدها أو شريك يساعدها في تلك المهمة، بالإضافة إلى أن المرأة تتعرض لضغوطات في العمل وذلك ينعكس على نفسية المرأة داخل الأسرة”.
ويقول الباحث في علم النفس الاكلينيكي في جامعة تعز اليمنية “مروان العامري”: إن الكثير من الرجال ينظرون إلى عمل المرأة بأنه غير ملائم، ومن هنا تظهر تصدعات داخل الأسرة سببها خروج المرأة للعمل مع رفض الزوج وامتعاضه من عمل زوجته خارج البيت”.
ويرى العامري: “بأن البعض ليس لديه حساسية من عمل زوجته أو ابنته خارج المنزل وذلك بسبب وجود مساحة من الثقة في المرأة بأنها أهل للعمل وأنها قادرة على حماية نفسها من أي انتهاك قد يطالها”.
ويعتقد العامري: “بأن الجانب المادي المتأزم للأسرة دوراً محوريا في سماح الأسرة للمرأة في العمل خارج المنزل حتى مع وجود مخاوف من تعرض المرأة لاي مضايقات أو انتهاكات”.
ينهي العامري حديثه بأن: “عمل المرأة ليس عيباً لكن المشكلة تكمن في الآثار الناجمة عن هذا العمل من الناحية الأسرية لذلك لابد من إيجاد أعمال تناسب المرأة ولا تعيقها من ممارسة عملها في المنزل كأم، أو كزوجة، مع القدرة على إنجاز عملها بشكل يضمن حقها في الحصول على عائدات من خلال تلك الأعمال